حرب 1973 من المستفيد الحقيقي منها ؟
في البدء يجب ان اوضح انني لا استهين و لا اقلل من احترام المخلصين الذين بذلوا ارواحهم و تضحيات هائلة في سبيل تحقيق ما رأوه حقاً، و ادعو الله ان يتقبل من مات منهم في سبيله مع الشهداء و الصالحين.
و لكن و بعد ان رأينا ما قد رأينا مما ارتكب في امتنا و شعوبنا من اجرام و تنكيل و افقار و تركيع على اثر هذه الحرب، بينما عاشت اسرائيل من بعدها في عز و رفعة و ازدهار، فيحق لنا ان نسأل انفسنا عن وجود خطة تم الاتفاق عليها بشكل علني او ضمني لسحق الامة و تدمير ارادتها و تبديد قدراتها و مواردها.
فعندما ننظر الى الطريقة التي تقدم بها اسرائيل نفسها الى العالم الغربي و العالم بشكل عام، فهي تقدم نفسها على انها واحة الحضارة و العلم و العدالة و الديموقراطية في وسط صحراء الشعوب العربية الهمجية و الفاسدة. و اسرائيل انما تتبع في ذلك اساليب بريطانيا و فرنسا الدعائية التي كانت تبرر بها استعمار الشعوب الاخرى و ابادتها و الاستيلاء على مواردها.
و عندما دخلت اسرائيل في حرب 1967 و شاهدت بعينها حقيقة انظمة الجعجعة الثورية، و كيف ان جيوش تلك الانظمة لم تكن الا مجموعة من الاغبياء و الجبناء و المتخلفين الذين انسحبوا من مواقع كثيرة و تركوا الارض تسقط بدون أي عناء و لا مقاومة، فقد اضرت تلك الهزيمة المروعة باسرائيل نفسها. إذ جعلتها تدخل في صحراء سيناء و لا تقف الا عند قناة السويس.
و مع مرور الايام اكتشفت اسرائيل ان تنمية الصحراء و حراستها هي عملية مكلفة جداً من الناحية المادية، و ان المكسب الوحيد من التوسع ناحية سيناء هو حرية المرور في قناة السويس. و لذلك لم تقم اسرائيل منشأت كبيرة في صحراء سيناء و اكتفت بانشاء خط بارليف لصد أي هجوم محتمل من جانب مصر. طبعاً هنا يجب ان نتذكر ان اليهود العلمانيين و الملحدين هم الذين كانوا اصحاب القرار في اسرائيل في ذلك الوقت، و لم يكن هناك تأثير كبير لليهود المتدينين اصحاب نظرية من النيل الى الفرات.
و عندما مات البوق عبد الناصر، الذي اتخذ سياسة القفز بين القطبين الامريكي و السوفيتي، و اتى من بعده السادات صاحب نظرية الارتماء التام امام امريكا، سربت امريكا للسادات فكرة استعادة صحراء سيناء من اسرائيل مقابل معاهدة سلام. بحيث تحفظ لليهود حدودهم الغربية في البحر المتوسط و الجنوبية مع رفح مع حرية المرور في قناة السويس و عدم حصول اية مضايقات لاسرائيل في البحر الاحمر.
و طبعاً كان لمعاهدة السلام هذه خيوط مخفية لتفكيك البنية و الاستعداد الحربي لدى مصر و تحويله الى اغراض تجارية. و طبعاً تم تفكيك البنية و الاستعداد الحربي و الاستيلاء عليها من قبل المجموعة المقربة من السادات و من اتى بعده.
و لكن الانتصار الحقيقي لاسرائيل في حرب 73 كان بان تحقق ما تريده اسرائيل من ازدهار اقتصادي بعد ان تخلصت من عبء تطوير صحراء سيناء، و عبء التعامل مع سكان سيناء من البدو. كما تطورت فكرة التخلص من الاعباء فيما بعد عندما قرر شارون الانسحاب من غزة و مناطق الكثافة الفلسطينية في الضفة الغربية.
و بينما انطلقت اسرائيل بعد حرب 73 تطور في نفسها و تستثمر في شعبها و يزدهر اقتصادها، انطلقت دول الجعجعة الثورية الى تدمير نفسها و سحق و افقار شعوبها. و طبعاً لعبت الزعرنة و التشبيح الاعلامي دورها في هذا المجال، حيث انطلقت جميع وسائل الاعلام و حتى مناهج التعليم تصرخ و تبتهج من الفرح و تتغنى بالبطولات الخارقة التي لم يكن لها أي اثر على ارض الواقع.
طبعاً الاستثناء الوحيد في هذا الموضوع هو العراق، الذي استطاع تحقيق بعض التطوير و الازدهار، لانه لم يكن جاراً مباشراً لاسرائيل، لكن القيادة الغاشمة الظالمة المجرمة لصدام حسين ادت الى تدمير قدرات العراق و ما تحقق من ازدهار فيما بعد.
و بهذا نجد ان المحصلة النهائية لحرب تشرين 73، هي انتصار كاسح لاسرائيل و هزيمة مستمرة الي يومنا هذا لاعدائها. فهل نبقى مرتهنين لما افرزته هذه الحرب؟