ما هو الطريق إلى تحييد روسيا وإخراجها من الشأن السوري ؟
بقلم : ابو ياسر السوري
قرأت في بعض المنتديات مقالا صغيراً بعنوان :( أربعة أسبابٍ وراءَ وقوفِ رُوسيا مع النظام السوري ) . حصرها الكاتب فيما يلي :بقلم : ابو ياسر السوري
1 – التعاون القديم بين روسيا وسوريا .
2 – عدم وجود مصالح متبادلة بين روسيا والدول العربية النفطية .
3 – بعث إشارة تحذيرية إلى الشيشان وبقية المتمردين على الروس .
4 – رغبة روسيا بالاحتفاظ بقاعدتها في طرطوس ، لتهدد بها تركيا .
والحقيقةُ ، إن هذه الأسباب ، التي ذُكِرَتْ لتفسيرِ الموقف الروسي ، قد تَرَدَّد بعضُها أو أكثرُها على ألسنة المحللين السياسيين .. وهي في نظري لا علاقة لها بالموقف الروسي البتة .. مما يجعل السؤال الجوهري عالقاً في انتظار الإجابة ؟ ألا وهو : لماذا اختارت روسيا هذا الموقف اللا إنساني ، وكيف يمكن تحييدها ، وإخراجها من الشأن السوري ..؟؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال ، يَحسُنُ أنْ نُناقشَ هذه الأسبابَ المطروحة أولاً ، ثم نَخلُصُ للإجابة الجوهرية ، التي ستفسر لنا الموقف الروسيَّ والصينيَّ ، بل وموقفَ العالمين العربيِّ والغربيِّ معاً من الشأن السوري .!! فنقول :
1 – التعاونُ القديم بين سوريا وروسيا ، ليس مشروطا ببقاء الأسد في الحكم ، فقد تكفل المجلس الوطني لروسيا ببقاء مصالحها كاملة بعد نجاح الثورة .. ولم يغير ذلك من الموقف الروسي شيئا .
2 – عدم ارتباط روسيا مع الدول العربية النفطية ، ليس سبباً يدفعها لمعاداتنا ، وإنما هو عامل يُمَكِّنُ روسيا من اتخاذ قراراتها الدولية بدون أن تضع في اعتبارها أيَّ وزنٍ لهذه الدُّوَل . ثم لماذا تَحسِبُ روسيا حسابا للدول العربية ، وهي متفقةٌ مع روسيا في عدائها للثورة .
3 – أما تفسير الموقف الروسي ، بأنه لإعطاء إشارة للشيشان وغيرها ، فالشيشان وأخواتُها تعرف بالبداهة التكاليف الباهظة لثورتها القادمة على روسيا . وليسوا بحاجة إلى رأس ذئب مقطوعٍ لن يخيفهم ، ولن يمنعهم من الثورة حينما يقررون ذلك .
4 – وأما ربط الموقف الروسي المعادي للثورة ، بقصد الإبقاء على قاعدتها في طرطوس ، للتأثير على تركيا عسكريا .. فهذا مدفوع أيضا بأنَّ هذا المرفأ في طرطوس ليس له أهمية عسكرية كبيرة لدى روسيا .. وأنَّ تركيا محمية من الخطر الروسي بالناتو الذي هي عضو فيه ..
والجوابُ الحقيقيُّ الذي أراه وأتبناه هو : أن الموقف الروسي موقفٌ متماهٍ مع الإرادة العربية والإرادة الدولية معاً .. وكلتا هاتين الإرادتين ، مجمعتان على إبقاء الأسد ، وقمع الثورة ..
نعم إن الموقف الروسي ، وحتى الصيني أيضا ، متَّسِقٌ مع الموقف العالمي ، فالعالمُ كلُّه يؤيدُ بقاء الأسد ، ولا يريدُ الإطاحة به .. لا لأنَّ الأسدَ يملكُ قوةً عظمى تُخِيفُ العالم ، ولا لأنَّ الإطاحةَ به قد تُسبِّبُ حرباً إقليمية ، أو حرباً عالمية .. ولا لأنَّ الأممَ المتحدةَ ومجلسَ الأمنِ عاجزون عن فعلِ أي شيءٍ بسببِ الفيتو الروسي والصيني .. لا . لا . وإنما اختارَ العالَمُ كلُّه ، هذا الموقفَ السلبيَّ ، الذي خدم النظام ، إرضاءً للكيانِ الصهيونيِّ في إسرائيل ..
ورغباتُ الدولِ الكبرى كلِّها ، تتماشَى مع رغباتِ اليهود . وفي رأيي الشخصي ، أن هذه الدُّوَل لن تعملَ على الإطاحة بالأسد ، ما دامتْ إسرائيلُ معترضةً على ذلك ، ولا يهمُّ الدول الكبرى ما ينزلُ بالشعب السوري من بلاء وشقاء وقتل وإبادة وتشريد .. فالمهمُّ لديها هو إرضاء إسرائيل .. ثم إنَّ الدول العربية بعضُها عميلٌ لإسرائيل ، وهذا البعضُ يؤيدُ بقاءَ الأسدِ في السلطةِ لأنه عميلٌ مثلُه .. وبعضُها الآخر إما جبانٌ أو عاجزٌ عن فعل أي شيء .. لذلك هو ساكتٌ لا يُصرِّح بنفيٍ ولا إثباتٍ ، فلا هو معْ ، ولا هو ضدّ ، ولا هو في العِيرِ ، ولا هو في النَّفيرِ .
ومما ساعدَ على بقاءِ تَمَسُّكِ المجتمعِ الدّوليِّ بسلبيتِهِ المريبة أيضاً ، اختلافُ المعارضةِ السوريةِ في الخارج ، فهي تتحدثُ عما يجري في سوريا ، وعينُها على المناصب التي تتصارع عليها ، وتناضل من أجلها . وبهذا الاعتبار ، تكون المعارضة السورية في الخارج ، شريكةً في إطالة عمر معاناة الشعب ، الذي تسيل دماؤه أنهارا في الداخل ، وهي غير مكترثة بهذه الدماء .
والطريقُ الوحيدُ إلى تحييدِ رُوسيا إذَنْ ، هو أن يتغيَّرَ الوضعُ على ساحة الصراع في سوريا لصالحِ الثُّوّار ، وعندها سَتُهْرَعُ إسرائيلُ إلى الغرب والشرق ، وتقول : أسقِطُوا الأسد ، وهاتوا ببديل ، قبلَ أنْ يجيءَ الثُّوار ببديل لا ترضى عنه إسرائيل ...
وحتى هذه اللحظة ، لا يبدو أن الثُّوار قادرون على إشعار إسرائيل ، بأنهم يُشكِّلُون خطراً على النظام .. لذلك لم يتخوَّفِ اليهودُ حتَّى الآن على مصيرِ الأسد ، ولم يَقُمِ العالَمُ كذلك بأية خُطوةٍ من أجلهم ، وإنما قام ببعضِ الخُطُواتِ ليَخدِمَ بها النظام ، وليعطيه الفُرَصَ السانحة ، والمُهَلَ المُشَرْعَنَةَ دولياً ، للقضاء على الثورة ، تحتَ سمعِه وبصرِه ...
وحتى هذه اللحظة أيضاً ، لم يَنْزَعِ العالَمُ الغِطاءَ الشَّرعيَّ عن نظام الأسد اللاشرعي ... أما الإجراءات الاستعراضية ، التي تمثلتْ بسحبِ السفاراتِ ، وطردِ السفراء ، والتصريحاتِ الجوفاء .. والعقوباتِ الاقتصادية الخرقاء .. وقراراتِ المَنْعِ من سفَرِ بعضِ المسؤولين السوريين إلى أوربا .. والتلويحِ بمزيد من العقوبات الاقتصادية على سوريا .. أما هذه الإجراءاتُ وأمثالُها ، فلن تُوقِفَ بشارَ الأسد عند حدِّه ، ولن تُشعرَهُ بخطرٍ يَتهدَّدُهُ .. طالما أنه يرى أنَّ الدول الكبرى ، بعضُها يجاهرُ له بالتأييد ، وبعضُها الآخر يُطمئنُه بين الحين والآخر : إلى أنه لن يستخدم القوة ضدَّه ... وكأنه يقول له : افعلْ ما شئتَ فلن نَمَسَّكَ بسوء ..!!
سيظلُّ الأسد إذنْ يقتلُ منا ، ويُشرِّدُ ، ويغتصبُ ، ويهدِّمُ ، ويَحرِق ... حتى يقتنعَ الشعبُ السوري ، ونشطاءُ المعارضة ، والمُنَظِّرُون لها في الداخل والخارج ، بأنَّ الأسد سيبيدُ كلَّ معارض له دون نكير من أحد .. وسيرتكبُ أضعافَ أضعافِ ما ارتكب من جرائم دون خوفٍ من حسابٍ ينتظره في محكمة لاهاي ، التي اطمأنَّ الأسدُ إلى أنه لن يُقَدَّمَ إليها أبدا مهما ارتكبَ من جرائمَ ضدَّ الإنسانية ، فقد أَقفلَتْ هذه المحكمةُ في وجهه أبوابها ، وأعطته المفتاحَ ليلقيه في بحر الظلمات ...
الأسدُ يا سادة يا كرام ، لن يكفَّ عن قتلنا ، ولا يهمُّه أنْ يُوصَفَ بالطائفية ، فهو يَقتُلُ على الهوية الطائفية . ولا يهمُّه أن تقوم حربٌ أهلية ، فهو يدفع إلى قيامها .. ولو كان الأسدُ يعلمُ أنَّ أمامه طائفةً تُدافِعُ عن نفسها لما نادى بالطائفية .. ولو كان يعلمُ أنَّ هنالك شعباً يُمكِنُ أنْ يقوم بحرب أهلية ، لما دفَعَ باتجاهها .. لأن الحربَ الأهلية على سوئها ، وكثرة ضحاياها ، فإنها ليست لصالحه ، لأنها ستُؤدِّي في النهاية إلى إبادته ، وإبادة أسرته وطائفته كلها من الوجود ...
نحن ما زلنا متمَسِّكين بلا للطائفية .. ولا للحرب الأهلية .. وما زلنا نخافُ من أنْ نغرقَ في الدِّماء .. وما زال الأسدُ يخوضُ في دمائنا ، وينتهكُ حُرماتنا ، ويُدنِّسُ مقدَّساتنا ، من غير خوفٍ ولا وجَلٍ ، ولا حياءٍ ولا خَجَل .. فوا رحمتاهُ للشعب السوري الذبيح ..!! ووا أسفاه لقيادات معارضة لم تعرف حتى الآن كيف تخطط لإحراز نصر حاسم وسريع .!!