غلام سرمين
ليلة 19/6/2012 تعرضت بلدة سرمين في إدلب لقصف صاروخي وحشي من قوات
النظام الطائفي تسبب كالعادة بحرائق وضحايا وإصابات بحق المدنيين العزل.
ومع ساعات النهار الأولى فوجئ العالم بشريط فيديو لغلام لا يتجاوز عمره
12 عاما، يدعى محمد ثروت ماهر، وقد أصيب بحروق بالغة في معظم أنحاء جسده.
كما أصيب أخ الغلام واستشهد عمه سمير محمد ديب ماهر.
أما المفاجأة التي وقعت كالصاعقة على المشاهدين في شتى أنحاء العالم،
لاسيما الإسلامي منه، فكانت في رد فعل غلام سرمين، وهو بين أيدي الأطباء.
وكأي طفل كان من الصعب توقع أن يخرج رد الفعل عن الصراخ والصدمة والبكاء،
لكن أن ينحصر بتوحيد الله والاستغفار والدعوة فهذا ما لم يكن متوقعا في
عمر الغلام الذي يكاد جسده ينسلخ عنه من شدة الحروق والآلام المبرحة التي
لا يقوى عليها كبار السن من الشباب الأقوياء جسدا وإرادة.
ما أن غرز الطبيب مشرطه أو إبرته في جسد الغلام، ذهابا وإيابا، حتى
سمعنا قولا عجبا: « في سبيل الله .. في سبيل الله .. في سبيل الله» ..
قحتى يعود القول ثانية ..
وكلما اشتد الألم وغاصت المشارط في الجسد الرقيق أعمق، حتى خيل إلينا
وكأنها تغوص في جلودنا، إلا وباغتنا الغلام ثانية بما هو أعجب وأبلغ: «
أستغفر الله .. أستغفر الله .. أستغفر الله» .. ثم يتكرر القول: « بسم
الله الرحمن الرحيم .. أستغفر الله» .. « في سبيل الله .. في سبيل الله
.. في سبيل الله» .. « يا رب احميني .. يا رب لا توجعني ... ».
لم نسمع كلمة واحدة غير هذه الكلمات من هذا الغلام البريء، الذي
احتسب قهره وألمه ومعاناته في سبيل الله وحده لا شريك له، واستغفر ربه
وكأنه يحمل ذنوب الأرض!!! فمن أين جاء هذا الثبات الأسطوري لهذا الغلام؟
ومن أين جاءته هذه اللغة العقدية البليغة في مثل هذه اللحظات التي يكاد
الهرم فيها يفقد صوابه، ويقل إيمانه، من هول الظلم والقهر، والله الرحمن
ال مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ ﴾ ؟
غلام سرمين لم يستغث أو يستنجد أو يحتم بغير الله، ولم يهزأ بأمة
الإسلام والمسلمين، لكن دعواته ومناجاته لربه جمدت المياه والدماء في
العروق، كما جمدتها من قبل فظاعات القتلة في أحمد الخطيب وأطفال الحولة
ورُضَّعها، ومن قبل في أجساد ووجوه أطفال درعا، الذين أرسلوا للعالم أجمع
رسالة، في أول أيام الثورة، تقول له: « قد وصلتنا رسالتكم فيما زرعته
أيديكم من قتلة في بلادنا».
غلام سرمين كان طفلا قوي البنيان .. عفيف اللسان .. جميل الكلام
.. لم يسب أو يشتم أو يرفث أو يفسق .. بل كان بحق عملاقا، شامخا رغم شدة
الآلام .. قدم درسا بليغا لكبيرنا وصغيرنا في الأخلاق وفي البطولة
والشجاعة في مواجهة القتلة والمجرمين والمخذلين والمحبطين ..
غلام سرمين بدا أسدا من أسود الله في الأرض .. أسد في التوحيد مقابل
خنازير الكفر والشرك والإلحاد والوثنية واللبرالية والعلمانية .. أسد في
الاستغفار في وجه الغطرسة والاستعلاء والكِبْر .. أسد في الصبر على المحن
والشدائد في وجه القانطين من رحمة الله .. أسد في الثقة بالله عز وجل ..
أسد لم تنل الجروح والقروح والمشارط من إيمانه لحظة واحدة!!!
فهل سيثبت «
أسد» المجرمين كما ثبت أسد سرمين؟
بقلم د. أكرم حجازي
22/6/2012
لم لم يرى الفديو