لندن - كمال قبيسي
أعرف رجل أعمال سوريا يستخدم تقويمه الخاص في كل مرة يأتي فيها إلى لندن ويتحدث عن حماة التي غادرها في 1987 إلى كندا، حيث مازال يستخدم تقويمه بالتأكيد، فيقول: "كان ذلك قبل الأحداث" أو "بعد الأحداث"، وهما عبارتان يستخدمهما كل حموي بقي على قيد الحياة من مقتلة دموية تمر عليها هذه الأيام 30 سنة.
في أول فبراير/شباط 1982 شرح الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، لقيّمين على أجهزته الأمنية، كما إلى عسكرييه في اجتماع آخر، بأن الحل للقضاء على خطر الإخوان المسلمين وما كانوا يستهدفون به النظام من "عمليات إرهابية" هو أمني بالأساس، ثم قال: "الموت للإخوان. اقتلوهم واخربوا بيوتهم، ولا ترجعوا للقيادة بشيء، معكم كل الصلاحيات".
هذه الرواية تعثر عليها كثيرا كلما قرأت عن مجزرة حماة التي بدأت في 2 فبراير 1982 واستمرت إلى آخر الشهر، فتجد أن ما حدث لسكان المدينة البالغين وقتها 300 ألف نسمة تقريبا، هو أسوأ ما عرفته سوريا من دمويات بتاريخها الحديث، وتجد أن الأفضل هو الكتابة عن نموذج مما حدث، لأن باقي الذكرى الأليمة يحتاج إلى كتب.
وبحسب ما اطلعت عليه "العربية.نت" فإن أكثر الأرقام واقعية تشير إلى أن 20 إلى 30 ألف حموي قضوا قتلا بالرصاص وقذائف المدفعية والدبابات، أو ذبحا بالسكاكين وبطشا بالبلطات والعصي الغليظة والجنازير وسط برد قارس شهدته منطقة الوسط السوري، فكان تسونامي من الدم والخراب تبللت به كل عائلة حموية تقريبا، ومنها عائلة رجل الأعمال الذي كان يزور لندن ونلتقيه فيحدثنا عما تنقبض بسببه القلوب.
طرحها إلى الجدار وراح يمزق ثيابها..
روى في إحدى المرات عن شقيقته الصغيرة مريم، وكانت البنت الوحيدة في العائلة وعمرها عام المجزرة 14 سنة تقريبا، أي أصغر منه بعشرة أعوام، فقال إنها اختبأت تحت السرير مع والدته بعد قصف مفاجي من الدبابات على حي الباشورة، حيث كانت العائلة تقيم، ثم علا الصراخ في البيت، منه ومن بقية أشقائه الأربعة، ورأى والده يسرع ليطلب من الجميع البقاء "كل اثنين في غرفة" وبقيت مريم وأمها تحت السرير.
فجأة بدأت العائلة تسمع طرقا قويا على الباب تلك الليلة المأساوية، فتضاعف الهلع داخل البيت، وفجأة اقتحم الباب 4 جنود من الجيش ومعهم آخر بقي خارج الباب، وأسرعوا ينهالون ضربا على كل من رأوه وهم يبحثون عن كل غال خفيف.
ولمح أحدهم مريم الصغيرة حين نظر تحت السرير، فنسي أطماعه المادية ومد يده إليها وأمسك بها وجرها إلى الخارج كغنيمة يسيل لها لعاب الأعصاب المحرومة، وحملها وهي تبكي وتصرخ وأمها تمسك بثيابه مذعورة لا تقوى معه على شيء، فتبرع زميله وطعنها في بطنها بسكين، ومضى حامل مريم إلى جدار الغرفة وطرحها إليه، وهناك مزق ثيابها مستعجلا إشباع الغرائز.
وأطل الأب من الغرفة المقابلة على مسرح المأساة وهو يبكي ويسترحمهم، فناولوه طعنتين للحال، واقترب ابنه الأوسط ليدافع قدر المستطاع، فأردوه ضربا وركلا بالأقدام ثم خنقا حتى أغمي عليه. وفجأة سيطر عليهم مزيد من الشر، فأشعلوا النار بالبيت، وألقوا على مريم بطانية وحملوها وهي نصف مغمى عليها، ومازالت مريم مختفية، ولا أثر لها إلا في الكوابيس.
هذه كانت المرة الوحيدة التي لم يستخدم فيها مروان تقويمه الخاص بعبارة "قبل الأحداث" أو "بعد الأحداث" لأن ما جرى كان وسطها وأمام عينيه، فغيّر حياته وظل يرفض الزواج وتكوين عائلة وقد أصبح عمره 54 عاما، بل حملت المأساة وذكراها الأليمة كل عام ما جعل السرطان يتبرعم في خلاياه الدموية مع الزمن، ومن نوع حاسم لا يرحم، مع ذلك يقول كلما سألته عن الحال، خصوصا مع احتدام الثورة في اليومين الماضيين: الحمد لله.
أعرف رجل أعمال سوريا يستخدم تقويمه الخاص في كل مرة يأتي فيها إلى لندن ويتحدث عن حماة التي غادرها في 1987 إلى كندا، حيث مازال يستخدم تقويمه بالتأكيد، فيقول: "كان ذلك قبل الأحداث" أو "بعد الأحداث"، وهما عبارتان يستخدمهما كل حموي بقي على قيد الحياة من مقتلة دموية تمر عليها هذه الأيام 30 سنة.
في أول فبراير/شباط 1982 شرح الرئيس السوري آنذاك، حافظ الأسد، لقيّمين على أجهزته الأمنية، كما إلى عسكرييه في اجتماع آخر، بأن الحل للقضاء على خطر الإخوان المسلمين وما كانوا يستهدفون به النظام من "عمليات إرهابية" هو أمني بالأساس، ثم قال: "الموت للإخوان. اقتلوهم واخربوا بيوتهم، ولا ترجعوا للقيادة بشيء، معكم كل الصلاحيات".
هذه الرواية تعثر عليها كثيرا كلما قرأت عن مجزرة حماة التي بدأت في 2 فبراير 1982 واستمرت إلى آخر الشهر، فتجد أن ما حدث لسكان المدينة البالغين وقتها 300 ألف نسمة تقريبا، هو أسوأ ما عرفته سوريا من دمويات بتاريخها الحديث، وتجد أن الأفضل هو الكتابة عن نموذج مما حدث، لأن باقي الذكرى الأليمة يحتاج إلى كتب.
وبحسب ما اطلعت عليه "العربية.نت" فإن أكثر الأرقام واقعية تشير إلى أن 20 إلى 30 ألف حموي قضوا قتلا بالرصاص وقذائف المدفعية والدبابات، أو ذبحا بالسكاكين وبطشا بالبلطات والعصي الغليظة والجنازير وسط برد قارس شهدته منطقة الوسط السوري، فكان تسونامي من الدم والخراب تبللت به كل عائلة حموية تقريبا، ومنها عائلة رجل الأعمال الذي كان يزور لندن ونلتقيه فيحدثنا عما تنقبض بسببه القلوب.
طرحها إلى الجدار وراح يمزق ثيابها..
روى في إحدى المرات عن شقيقته الصغيرة مريم، وكانت البنت الوحيدة في العائلة وعمرها عام المجزرة 14 سنة تقريبا، أي أصغر منه بعشرة أعوام، فقال إنها اختبأت تحت السرير مع والدته بعد قصف مفاجي من الدبابات على حي الباشورة، حيث كانت العائلة تقيم، ثم علا الصراخ في البيت، منه ومن بقية أشقائه الأربعة، ورأى والده يسرع ليطلب من الجميع البقاء "كل اثنين في غرفة" وبقيت مريم وأمها تحت السرير.
فجأة بدأت العائلة تسمع طرقا قويا على الباب تلك الليلة المأساوية، فتضاعف الهلع داخل البيت، وفجأة اقتحم الباب 4 جنود من الجيش ومعهم آخر بقي خارج الباب، وأسرعوا ينهالون ضربا على كل من رأوه وهم يبحثون عن كل غال خفيف.
ولمح أحدهم مريم الصغيرة حين نظر تحت السرير، فنسي أطماعه المادية ومد يده إليها وأمسك بها وجرها إلى الخارج كغنيمة يسيل لها لعاب الأعصاب المحرومة، وحملها وهي تبكي وتصرخ وأمها تمسك بثيابه مذعورة لا تقوى معه على شيء، فتبرع زميله وطعنها في بطنها بسكين، ومضى حامل مريم إلى جدار الغرفة وطرحها إليه، وهناك مزق ثيابها مستعجلا إشباع الغرائز.
وأطل الأب من الغرفة المقابلة على مسرح المأساة وهو يبكي ويسترحمهم، فناولوه طعنتين للحال، واقترب ابنه الأوسط ليدافع قدر المستطاع، فأردوه ضربا وركلا بالأقدام ثم خنقا حتى أغمي عليه. وفجأة سيطر عليهم مزيد من الشر، فأشعلوا النار بالبيت، وألقوا على مريم بطانية وحملوها وهي نصف مغمى عليها، ومازالت مريم مختفية، ولا أثر لها إلا في الكوابيس.
هذه كانت المرة الوحيدة التي لم يستخدم فيها مروان تقويمه الخاص بعبارة "قبل الأحداث" أو "بعد الأحداث" لأن ما جرى كان وسطها وأمام عينيه، فغيّر حياته وظل يرفض الزواج وتكوين عائلة وقد أصبح عمره 54 عاما، بل حملت المأساة وذكراها الأليمة كل عام ما جعل السرطان يتبرعم في خلاياه الدموية مع الزمن، ومن نوع حاسم لا يرحم، مع ذلك يقول كلما سألته عن الحال، خصوصا مع احتدام الثورة في اليومين الماضيين: الحمد لله.