سلامٌ عليكم يا أهل دُوما
مجاهد مأمون ديرانية
كنت قبل عشرة أسابيع في الرياض؛ دعاني إخوة كرام للمشاركة في مهرجان ثوري لرابطة أبناء دمشق، وفي اليوم التالي تكرم عليّ إخواني من الجالية الدومانية فدعَوني لحضور مهرجان خاص بهم، ثم زادوني تشريفاً فطلبوا مني إلقاء كلمة في الحاضرين.
لمّا وقفت على المنبر وجدت إلى جانبي شاشة كبيرة راحت تتقلب عليها صور أبناء دوما، من أطفال وشباب ورجال وكهول وشيوخ، عشرات من الصور وعشرات بعضها وراء بعض، تُصوّر الشهداء الذين قدمتهم دوما للثورة خلال السنة الأولى من عمرها، فتضاءلتُ واستحييت من الناس وصَغُرَت نفسي في عين نفسي حتى هممت بترك المنبر، فماذا يصنع مثلي أمام أولئك الأبطال؟ لقد قدّم أهل الأفعال ما يُعجِز أهلَ الأقوال، وقطع الرجالُ قولَ كل قائل كما قطعت جهيزة قول كل خطيب، فلم يبقَ لقائل مثلي مقال.
ما تزال دوما تتلقى الضربات بعد الضربات وما تزال تحاصَر حصاراً من بعد حصار، فقد علم العدو أنها له بالمرصاد وأن أبطالها قد رفعوا راية الجهاد فنصرٌ أو استشهاد، وعلم أن الغوطة هي أرض الملحمة في هذا الزمان وفي آخر الزمان وأنها على ثراها ستكون -بإذن الله- مصارع البُغاة الجُناة المجرمين، فضرب الغوطةَ كلها، وخص قصبتَها الأبيّة دُوما بالنصيب الأوفر من الإجرام والعدوان، فما هان في دوما إنسانٌ ولا لان، ولا انحنى على أرضها رأسٌ للبغي والغيّ والطغيان.
أمَا إن أهل دوما ليَضربون لأهل سوريا الأمثال في الصدق والمروءة والإخلاص. لو شاؤوا لقالوا، ولكنهم أبَوا إلا أن يعملوا صامتين، وأن يجاهدوا صامتين، وأن يقدموا الشهداء بعد الشهداء صامتين. لقد كانت دوما هي أول بؤرة ثورية كبيرة انفجرت بعد درعا، يوم كانت المدن الثائرة أقل من القليل، وفي دوما سقطت أول كوكبة كبيرة من الشهداء بعد درعا، يوم كان الشهداء يُعَدّون بالآحاد، فقدّمت ستة عشر شهيداً من الشهداء في الأول من نيسان، يوم جمعة الشهداء، وكان ذلك هو العدد الأكبر من الشهداء الذين سقطوا في يوم واحد في مكان واحد حتى ذلك اليوم خارج أرض حوران، مهد الثورة وحاضنتها الأولى.
لقد كانت جمعة الشهداء هي جمعة شهداء دوما بامتياز. وفي اليوم التالي، السبت الثاني من نيسان، أضربت دوما، وكان ذلك هو أول إضراب ناجح في سوريا منذ ثلاثين عاماً. أما مظاهرات التشييع التي شهدتها المدينة في ذلك اليوم وفي الشهور التالية فقد كانت لوحات يعجز عن وصفها البيان. واليوم تحتل دوما المرتبة الحادية عشرة في عدد الشهداء من بين مدن سوريا أجمعين، فلئن كانت مدينةً صغيرةً قليلةَ السكان مقارنة بمدن سوريا الكبار فإنها كبيرة في المروءات والتضحيات. اليوم نقول: رحمة الله عليكم يا شهداء دوما الأبرار، وغداً سيقول قرّاء التاريخ: يا لذلك السهم الكبير الذي ساهمت به تلك الرقعة الصغيرة من الأرض التي تسمى “دوما” في معركة الحرية. رقعة صغيرة بمساحتها، ولكنها بعظمة أفعالها وهِمَم ساكنيها أكبر من القارات الواسعات.
ولئن ذكرنا دوما فلسنا ننسى أختيها حرستا وعربين، والأخوات الصغيرات: سقبا وزملكا وكفربطنا وحمورية ومسرابا وعين ترما وحزّة وجسرين، وكلهنّ جواهر في تاج الكرامة والفخار، وكلهنّ قد كُتبَت أسماؤهنّ بحروف الذهب في سجلات المجد والخلود.
يا أهل دوما الأوفياء: سلام عليكم، لقد ظلمناكم فلم ننصفكم ولا وفيناكم حقكم علينا وعلى الثورة. لقد كبر دَينكم وحق علينا الوفاء. بوركتِ يا دوما وبورك أهلك الكرام، رحمة الله على من قضى منهم والعزّ والمجد والنصر للباقين.
مجاهد مأمون ديرانية
كنت قبل عشرة أسابيع في الرياض؛ دعاني إخوة كرام للمشاركة في مهرجان ثوري لرابطة أبناء دمشق، وفي اليوم التالي تكرم عليّ إخواني من الجالية الدومانية فدعَوني لحضور مهرجان خاص بهم، ثم زادوني تشريفاً فطلبوا مني إلقاء كلمة في الحاضرين.
لمّا وقفت على المنبر وجدت إلى جانبي شاشة كبيرة راحت تتقلب عليها صور أبناء دوما، من أطفال وشباب ورجال وكهول وشيوخ، عشرات من الصور وعشرات بعضها وراء بعض، تُصوّر الشهداء الذين قدمتهم دوما للثورة خلال السنة الأولى من عمرها، فتضاءلتُ واستحييت من الناس وصَغُرَت نفسي في عين نفسي حتى هممت بترك المنبر، فماذا يصنع مثلي أمام أولئك الأبطال؟ لقد قدّم أهل الأفعال ما يُعجِز أهلَ الأقوال، وقطع الرجالُ قولَ كل قائل كما قطعت جهيزة قول كل خطيب، فلم يبقَ لقائل مثلي مقال.
ما تزال دوما تتلقى الضربات بعد الضربات وما تزال تحاصَر حصاراً من بعد حصار، فقد علم العدو أنها له بالمرصاد وأن أبطالها قد رفعوا راية الجهاد فنصرٌ أو استشهاد، وعلم أن الغوطة هي أرض الملحمة في هذا الزمان وفي آخر الزمان وأنها على ثراها ستكون -بإذن الله- مصارع البُغاة الجُناة المجرمين، فضرب الغوطةَ كلها، وخص قصبتَها الأبيّة دُوما بالنصيب الأوفر من الإجرام والعدوان، فما هان في دوما إنسانٌ ولا لان، ولا انحنى على أرضها رأسٌ للبغي والغيّ والطغيان.
أمَا إن أهل دوما ليَضربون لأهل سوريا الأمثال في الصدق والمروءة والإخلاص. لو شاؤوا لقالوا، ولكنهم أبَوا إلا أن يعملوا صامتين، وأن يجاهدوا صامتين، وأن يقدموا الشهداء بعد الشهداء صامتين. لقد كانت دوما هي أول بؤرة ثورية كبيرة انفجرت بعد درعا، يوم كانت المدن الثائرة أقل من القليل، وفي دوما سقطت أول كوكبة كبيرة من الشهداء بعد درعا، يوم كان الشهداء يُعَدّون بالآحاد، فقدّمت ستة عشر شهيداً من الشهداء في الأول من نيسان، يوم جمعة الشهداء، وكان ذلك هو العدد الأكبر من الشهداء الذين سقطوا في يوم واحد في مكان واحد حتى ذلك اليوم خارج أرض حوران، مهد الثورة وحاضنتها الأولى.
لقد كانت جمعة الشهداء هي جمعة شهداء دوما بامتياز. وفي اليوم التالي، السبت الثاني من نيسان، أضربت دوما، وكان ذلك هو أول إضراب ناجح في سوريا منذ ثلاثين عاماً. أما مظاهرات التشييع التي شهدتها المدينة في ذلك اليوم وفي الشهور التالية فقد كانت لوحات يعجز عن وصفها البيان. واليوم تحتل دوما المرتبة الحادية عشرة في عدد الشهداء من بين مدن سوريا أجمعين، فلئن كانت مدينةً صغيرةً قليلةَ السكان مقارنة بمدن سوريا الكبار فإنها كبيرة في المروءات والتضحيات. اليوم نقول: رحمة الله عليكم يا شهداء دوما الأبرار، وغداً سيقول قرّاء التاريخ: يا لذلك السهم الكبير الذي ساهمت به تلك الرقعة الصغيرة من الأرض التي تسمى “دوما” في معركة الحرية. رقعة صغيرة بمساحتها، ولكنها بعظمة أفعالها وهِمَم ساكنيها أكبر من القارات الواسعات.
ولئن ذكرنا دوما فلسنا ننسى أختيها حرستا وعربين، والأخوات الصغيرات: سقبا وزملكا وكفربطنا وحمورية ومسرابا وعين ترما وحزّة وجسرين، وكلهنّ جواهر في تاج الكرامة والفخار، وكلهنّ قد كُتبَت أسماؤهنّ بحروف الذهب في سجلات المجد والخلود.
يا أهل دوما الأوفياء: سلام عليكم، لقد ظلمناكم فلم ننصفكم ولا وفيناكم حقكم علينا وعلى الثورة. لقد كبر دَينكم وحق علينا الوفاء. بوركتِ يا دوما وبورك أهلك الكرام، رحمة الله على من قضى منهم والعزّ والمجد والنصر للباقين.