هام جداً: الثورة السورية و تحديات التنازع و الفرقة
عندما يطول الزمن و تتجمد الحركة و تبدأ مشاعر اليأس و الاحباط تظهر على السطح، يظهر لدى كثير من الناس شعور طبيعي بالتساؤل، و يميلون الى الاختلاف في الرأي و الاعتراض على القيادة، و ربما الخروج عليها في بعض الاحيان.
و هذا شعور طبيعي في الناس في مثل هذه الظروف.
و لكن السؤال هو: ما هو هدي الاسلام في مثل هذه المواقف؟
و لفهم هذا فاننا يجب ان نبحث في كتاب الله و في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم
فنجد الاية الكريمة تقول:
قال تعالى ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)) الانفال/46
فيجب ان يكون الانسان صبوراً و لا يفقد صبره و يتجه الى التنازع فيتعرض الى الهزيمة امام العدو
و لكن الصبر و عدم المنازعة لا يعني ان الانسان يحرم عليه ان يتشاور مع الاخرين، بل على العكس
فالاية الكريمة تقول
(( والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون الشورى)) / 38
فهي تصف المؤمنين بانهم يستجيبون لله و يقيمون الصلاة و يتشاورون في الامور الهامة و يتصدقون، فهذا يعطينا الانطباع عن الميل الى الهدوء و الصبر و الصلاة و التشاور و الانفاق على المحتاجين هو صفة هؤلاء المؤمنين. لان الصلاة و الصدقة تعطي الانسان هدوء و حلم و سكينة، تمكنه من التفكير الهادئ و اكتشاف حيل العدو و خدعه و اماكن الخلل و كيفية علاجها
و الاية الكريمة تقول:
((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً)) آل عمران:103
و هذه الاية تذكر المسلمين بان المصدر الوحيد لوحدتهم و قوتهم هو حبل الله و هو دينه و شرعه و كتابه
ثم هناك الاحاديث الشهيرة التي تدعو الى لزوم الجماعة و عدم الفرقة و التشرذم
مثل حديث (عليكم بالجماعة فإن الذئب لا يأكل من الغنم إلا القاصية)
من هذا كله نفهم ان الاسلام يطلب من الناس ان يكونوا جماعة صبورة و حليمة، تتشاور فيما بينها و لا تتنازع و تهتدي بكتاب الله، و بهذه الطريقة يكونون اقوياء
و كلما كبرت الجماعة و ازدادت الشورى فيما بينها كلما كان صوابها اكثر من خطأها
و إذا نظرنا الان الى ما يحصل و ميل بعض الثوار هداهم الله الى التشرذم و الانقسام بدلاً من التجمع و التوحد، فهذا طبعاً سيقود الى الهزيمة و الفشل لا محالة.
و ربما نلتمس لاخوتنا هؤلاء عذر عدم القدرة على التواصل مع الاخرين بسبب محاصرة عصابات الاسد و استعانتهم بالجواسيس و وسائل التجسس على الاتصالات و خبراء التجسس من ايرانيين و روس و غيرهم.
و لكن يجب على الاقل تنسيق المواقف، او في اسوأ الاحوال عدم اظهار الخلافات الى السطح من باب فاتقوا الله ما استطعتم
و أما اظهار التمرد على القيادة و دعوة الاخرين الى التمرد مع عدم ايجاد قيادة بديلة متفق عليها، فهذا قد يعد خيانة و اجراماً
فالموقف لا يحتمل مثل هذه التصرفات الطائشة.
و عصابة الاسد المجرمة ستكون سعيدة كل السعادة بهذه الانشقاقات و التشققات في جبهة الثوار
و عندها ستقوم بما كانت تقوم به دائماً و هو ارتكاب الفظاعات و الصاقها بالثوار مستغلة غياب من يمثلهم و ينفي عنهم مثل تلك الجرائم.
و هذا ما قامت به في الثمانينات عندما اوهمت الناس و العالم بان المعتدي و الارهابي و المخرب هي جماعة الاخوان المسلمون، بينما اتضح بعد ذلك ان عصابة الاسد كانت تقف وراء معظم تلك الاعمال الطائشة و المقصودة لتشويه صورة الثوار.