تدمى القلوب مع مشاهد مجزرة الحولة في حمص. لكن هذا المشهد المهيب من
مشاهد الملحمة السورية الكبرى يأتي هذه المرة في سياقٍ مختلفٍ عن المجازر
الأخرى. ثمة تحولٌ مفصلي في مسار الثورة السورية في الأسابيع القليلة
الماضية، وهو يؤثر إيجابيًا على الثورة وسلبيًا على النظام، سواء تعلق
الأمر بتصاعد الحراك السلمي كميًا ونوعيًا، أو توسع مساحات سيطرة الجيش
الحر على الأرض، أو على الصعيد المعنوي، حيث بدأت الحالة المعنوية للثوار
ترتفع بدرجةٍ هائلةٍ ملحوظة، في مقابل هبوطٍ ساحق لمعنويات النظام وأزلامه.
هناك دلالات كبرى تتعلق بقضية الحالة المعنوية يجدر بالجميع الانتباه إليها وتوظيفها بذكاء ومهارة.
ففي مثل هذه الظروف الدقيقة، تؤدي هذه القضية مهمتين استراتيجيتين في غاية
الحساسية. إذ يصبح انهيار المعنويات، بحد ذاته، سلاحًا فتاكًا يطعن النظام
في قلبه ويصيبه بما هو أشبه بالسرطان المعنوي الذي يحطم جسده المنهك أصلاً،
لأن ذلك الانهيار يزرع الخوف والشك والحيرة والقلق والفوضى بين صفوفه.
والقرائن المؤكدة على هذا الواقع تتواتر كما يظهر من الوقائع الكثيرة على
الأرض. يكفي هنا مثالاً مانقله الزميل إياد شربجي على صفحته كما يلي:
“حدثني صديق التقى جنديًا انشق البارحة في حرستا يقول بأن الجندي أخبره
بأن معنويات ضباط الجيش باتت في الحضيض، وهم مذعورون و لا يأمنون حتى
جنودهم ويتمترسون أغلب الوقت بعيدًا عنهم ويتواصلون معهم باللاسلكي، حتى
عناصر الأمن والقناصة المرافقون لهم هكذا حالهم، وأنهم باتوا أكثر تمردًا
على قادتهم ويتشاجرون مع بعضهم طيلة الوقت..
يضيف الجندي أن كثيرًا جدًا من زملائه يريدون الانشقاق بعد ما شاهدوه
بأم الأعين من جرائم، وأن ما يمنعهم من ذلك الآن هو فقط خشيتهم من الحساب
بعد ما اقترفوه وتورطوا هم فيه، وإلى ضمان أن يجدوا ملاذًا آمنًا لدى الجيش
الحر والأهالي.
الجندي قال أيضًا أن هناك ضابطًا برتبة ملازم أول قتل رائدًا وعقيدًا
قبل أسبوعين في دوما ثم انتحر بعد أن أصيب بحالة عصبية غريبة علمًا بأنهم
جميعًا من أشد الموالين للنظام، وأنه تفاجأ وزملاءه عندما سمعوا على إذاعة
شام إف إم أن هؤلاء الضباط قتلوا على أيدي العصابات المسلحة على الحدود مع
تركيا. أعتقد أن في هذا الكلام الكثير من الدلائل والإشارات.
تحليلي الشخصي بعد العديد من الشهادات المماثلة أن النظام يتآكل بسرعة
من الداخل رغم كل ما يحاول إظهاره من تماسك.. أحسب أنه في أضعف حالاته الآن
أكثر من أي وقت مضى..”.
انتهى النقل، وكلام إياد مجرد شهادة واحدة من شهادات تتواتر إلى الجميع
من الداخل. والتحليل الذي يشير إليه هو تحديدًا المهمة الاستراتيجية
الثانية التي تؤديها مسألة المعنويات. فهي بطبيعتها مرآة دقيقة تعكس مايجري
على أرض الواقع بعفويةٍ ووضوح.
لايتناقض هذا مع تصعيد النظام لعمليات القتل الجماعي كما حصل في الحولة،
بل قد يكون دلالة تأكيدٍ للحقيقة التي نتحدث عنها. فالنظام الذي يحشرج
يصاب بالجنون، ويلجأ إلى استعمال كل مايظنه أسلوبًا مناسبًا لإخماد الثورة.
وفي ظل عمى البصيرة الذي يحرك النظام ويصنع قراراته، ينسى أن تأثير
المجازر على الثورة والثوار مختلفٌ تمامًا في هذه المرحلة عنه في المراحل
السابقة. ففي حين كانت هذه الممارسات سببًا لخفض معنويات الثوار قبل التحول
المفصلي الميداني الذي تحدثنا عنه، تصبح الآن بكل معنى الكلمة وقودًا
للثورة، ودافعًا لمزيدٍ من الإصرار والعزيمة.
ثمة واقعةٌ حصلت الخميس الماضي تحمل في طياتها الكثير من الإشارات. فبكل
الحسابات السياسية، كان يوم انعقاد مايسمى بمجلس الشعب الجديد فرصةً
تاريخية يقوم فيها النظام بإخراج عملية دعاية سياسية كبرى يحتاج إليها جدًا
في هذه المرحلة. فيظهَرَ علنًا في قاعة المجلس برأسه وجميع أركانه، ويرسل
بهذا رسالة تحدٍ في غاية القوة، تثبت أنهم جميعًا حاضرون في قلب المشهد،
وأنهم لايزالون على قلب رجلٍ واحد بكبارهم وصغارهم -وكلهم صغار-.. وأنهم
يأمنون التجول في شوارع العاصمة، ولايخافون من أحد سواء كان من المعارضة أو
من أزلامهم.
كان يمكن لمثل ذلك المشهد أن يرسل ألف رسالة ورسالة. لكنهم لم يفعلوا
ذلك، ولاشيئًا منه. وإنما كانت بضاعتهم مزجاةً، فلم تتجاوز قدرتهم إخراجًا
هزيلاً نرى فيه أعضاء المجلس يؤدون القسم أمام رأس النظام، بعد أن سحبوا
سحبًا كالأغنام إلى قفصه الذي لم يعد يستطيع الخروج منه!..
للنظام السوري نقول: (خَلصِت).. ولأهلنا في الحولة الصابرة وفي سوريا
العظيمة الكبيرة نقول: “لاتحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم” صدق العظيم
الجبار.
د. وائل مرزا
مشاهد الملحمة السورية الكبرى يأتي هذه المرة في سياقٍ مختلفٍ عن المجازر
الأخرى. ثمة تحولٌ مفصلي في مسار الثورة السورية في الأسابيع القليلة
الماضية، وهو يؤثر إيجابيًا على الثورة وسلبيًا على النظام، سواء تعلق
الأمر بتصاعد الحراك السلمي كميًا ونوعيًا، أو توسع مساحات سيطرة الجيش
الحر على الأرض، أو على الصعيد المعنوي، حيث بدأت الحالة المعنوية للثوار
ترتفع بدرجةٍ هائلةٍ ملحوظة، في مقابل هبوطٍ ساحق لمعنويات النظام وأزلامه.
هناك دلالات كبرى تتعلق بقضية الحالة المعنوية يجدر بالجميع الانتباه إليها وتوظيفها بذكاء ومهارة.
ففي مثل هذه الظروف الدقيقة، تؤدي هذه القضية مهمتين استراتيجيتين في غاية
الحساسية. إذ يصبح انهيار المعنويات، بحد ذاته، سلاحًا فتاكًا يطعن النظام
في قلبه ويصيبه بما هو أشبه بالسرطان المعنوي الذي يحطم جسده المنهك أصلاً،
لأن ذلك الانهيار يزرع الخوف والشك والحيرة والقلق والفوضى بين صفوفه.
والقرائن المؤكدة على هذا الواقع تتواتر كما يظهر من الوقائع الكثيرة على
الأرض. يكفي هنا مثالاً مانقله الزميل إياد شربجي على صفحته كما يلي:
“حدثني صديق التقى جنديًا انشق البارحة في حرستا يقول بأن الجندي أخبره
بأن معنويات ضباط الجيش باتت في الحضيض، وهم مذعورون و لا يأمنون حتى
جنودهم ويتمترسون أغلب الوقت بعيدًا عنهم ويتواصلون معهم باللاسلكي، حتى
عناصر الأمن والقناصة المرافقون لهم هكذا حالهم، وأنهم باتوا أكثر تمردًا
على قادتهم ويتشاجرون مع بعضهم طيلة الوقت..
يضيف الجندي أن كثيرًا جدًا من زملائه يريدون الانشقاق بعد ما شاهدوه
بأم الأعين من جرائم، وأن ما يمنعهم من ذلك الآن هو فقط خشيتهم من الحساب
بعد ما اقترفوه وتورطوا هم فيه، وإلى ضمان أن يجدوا ملاذًا آمنًا لدى الجيش
الحر والأهالي.
الجندي قال أيضًا أن هناك ضابطًا برتبة ملازم أول قتل رائدًا وعقيدًا
قبل أسبوعين في دوما ثم انتحر بعد أن أصيب بحالة عصبية غريبة علمًا بأنهم
جميعًا من أشد الموالين للنظام، وأنه تفاجأ وزملاءه عندما سمعوا على إذاعة
شام إف إم أن هؤلاء الضباط قتلوا على أيدي العصابات المسلحة على الحدود مع
تركيا. أعتقد أن في هذا الكلام الكثير من الدلائل والإشارات.
تحليلي الشخصي بعد العديد من الشهادات المماثلة أن النظام يتآكل بسرعة
من الداخل رغم كل ما يحاول إظهاره من تماسك.. أحسب أنه في أضعف حالاته الآن
أكثر من أي وقت مضى..”.
انتهى النقل، وكلام إياد مجرد شهادة واحدة من شهادات تتواتر إلى الجميع
من الداخل. والتحليل الذي يشير إليه هو تحديدًا المهمة الاستراتيجية
الثانية التي تؤديها مسألة المعنويات. فهي بطبيعتها مرآة دقيقة تعكس مايجري
على أرض الواقع بعفويةٍ ووضوح.
لايتناقض هذا مع تصعيد النظام لعمليات القتل الجماعي كما حصل في الحولة،
بل قد يكون دلالة تأكيدٍ للحقيقة التي نتحدث عنها. فالنظام الذي يحشرج
يصاب بالجنون، ويلجأ إلى استعمال كل مايظنه أسلوبًا مناسبًا لإخماد الثورة.
وفي ظل عمى البصيرة الذي يحرك النظام ويصنع قراراته، ينسى أن تأثير
المجازر على الثورة والثوار مختلفٌ تمامًا في هذه المرحلة عنه في المراحل
السابقة. ففي حين كانت هذه الممارسات سببًا لخفض معنويات الثوار قبل التحول
المفصلي الميداني الذي تحدثنا عنه، تصبح الآن بكل معنى الكلمة وقودًا
للثورة، ودافعًا لمزيدٍ من الإصرار والعزيمة.
ثمة واقعةٌ حصلت الخميس الماضي تحمل في طياتها الكثير من الإشارات. فبكل
الحسابات السياسية، كان يوم انعقاد مايسمى بمجلس الشعب الجديد فرصةً
تاريخية يقوم فيها النظام بإخراج عملية دعاية سياسية كبرى يحتاج إليها جدًا
في هذه المرحلة. فيظهَرَ علنًا في قاعة المجلس برأسه وجميع أركانه، ويرسل
بهذا رسالة تحدٍ في غاية القوة، تثبت أنهم جميعًا حاضرون في قلب المشهد،
وأنهم لايزالون على قلب رجلٍ واحد بكبارهم وصغارهم -وكلهم صغار-.. وأنهم
يأمنون التجول في شوارع العاصمة، ولايخافون من أحد سواء كان من المعارضة أو
من أزلامهم.
كان يمكن لمثل ذلك المشهد أن يرسل ألف رسالة ورسالة. لكنهم لم يفعلوا
ذلك، ولاشيئًا منه. وإنما كانت بضاعتهم مزجاةً، فلم تتجاوز قدرتهم إخراجًا
هزيلاً نرى فيه أعضاء المجلس يؤدون القسم أمام رأس النظام، بعد أن سحبوا
سحبًا كالأغنام إلى قفصه الذي لم يعد يستطيع الخروج منه!..
للنظام السوري نقول: (خَلصِت).. ولأهلنا في الحولة الصابرة وفي سوريا
العظيمة الكبيرة نقول: “لاتحسبوه شرًا لكم بل هو خير لكم” صدق العظيم
الجبار.
د. وائل مرزا