حفلت الصحف الغربية الصادرة أمس الأحد بتغطية واسعة لمجزرة الحولة التي
ارتكبتها قوات موالية للأسد والتي قد تقلب المعادلة في سوريا لصالح
المعارضة بعد أن لقيت تلك المذبحة، التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص بينهم
عشرات الأطفال دون سن العاشرة، إدانة دولية واستنكارًا شديدين.
وكرست الصحافة البريطانية صفحاتها لتغطية الفظائع التي ارتكبت في
الحولة، وكانت التغطية الأبرز في صحيفة “الإندبندنت أون صنداي” التي أفرغت
صفحتها الأولى لطرح سؤال: “العالم يغض النظر عن سوريا.. فهل ستتغاضى أنت
أيضًا؟” في انتقاد للموقف الدولي الهزيل من الأحداث في سوريا والصمت عن
المجازر التي ترتكب هناك ضد المدنيين.
وفي الداخل نشرت ثلاث صور جنبًا إلى جنب، الأولى للأسد وهو يرتدي بدلة
فاخرة والثانية لقرينته أسماء الأخرس في كامل زينتها وترتدي نظارات شمسية
وساعة ذهبية في معصمها، والثالثة لأطفال المجزرة حيث تراصت جثثهم على الأرض
في مشهد مفجع. واعتذرت الصحيفة لقرائها لقرارها نشر صورة الأطفال وأجسادهم
مضرجة بالدماء، لكنها بررت الأمر مخاطبة القارئ: “قد تعتقد أن ذوقنا غير
سليم.. لكننا نؤمن بأننا أحيانًا بحاجة إلى أن نشعر بالصدمة”. وأضافت:
“علينا النظر إلى فشل المجتمع الدولي في حماية هؤلاء الأطفال”.
وتناولت الصحيفة علاقة الأسد وقرينته أسماء مع شعبهما السوري، وتقول:
“إنه الرئيس وهي السيدة الأولى، أما هؤلاء فهم أطفال قتلى، الرئيس يحكم
لكنه لا يوفر الحماية أما هي (أسماء) فهي تتبضع من الأسواق دون أن تعير أي
انتباه لما يجري من حولها من أحداث”. وتضيف أن “والد الأسد (حافظ) كان
ديكتاتورًا، ووالدها كان طبيبًا في شارع هارلي الشهير في لندن، أما آباء
الأطفال فهم ثكلى. والرئيس سينام في فراشه وأسماء أيضًا، أما الأطفال
فسيرقدون في قبورهم”.
وتضيف الصحيفة أن “هؤلاء الأطفال كانوا أحياء منذ يومين وهم الآن قتلى،
أما بشار الأسد وقرينته ففي قصرهما ينعمان بحياة مرفهة، أما الأطفال فكانوا
في بيوتهم المتواضعة يعانون شظف العيش لكنهم على قيد الحياة حتى وصلت قوات
الأسد لينتهي الأطفال كما يظهرون عليه في الصورة”.
كما أجرت الصحيفة مقابلة حصرية مع الجنرال روبرت مود رئيس فريق مراقبي الأمم المتحدة في سوريا.
وجاءت المقابلة مع مود ضمن تقرير أعده مراسل الصحيفة في دمشق باتريك
كوكبورن تحت عنوان “الأسد مسؤول عن قتل الأبرياء”. ويستهل التقرير محذرًا
من أن مجزرة الحولة الوحشية ربما تضع سوريا على شفا حرب أهلية. ويسأل كاتب
التقرير رئيس فريق مراقبي الأمم المتحدة في سوريا عما إذا كان مقتل أطفال
في الحولة صحيحًا، وأكد مود تلك الأنباء قائلاً: “ذهبت دورياتي إلى القرية
ويمكنني أن أجزم أنهم أحصوا 32 جثة لأطفال تقل أعمارهم عن العاشرة. علاوة
على أكثر من 60 جثة لبالغين”. ورغم أن مود لم يعط تفاصيل عن كيفية مقتل
المدنيين في الحولة، ولكنه وصف ما حصل بأنه “حدث مروع”، وأنه أسوأ أحداث
العنف في سوريا منذ اندلاع الثورة ضد الأسد منتصف مارس آذار العام الماضي
لأنها تتضمن هذه المرة القتل العمد لأطفال.
وتنقل الصحيفة عن الجنرال مود أن القتال في الحولة تم باستخدام الأسلحة
الثقيلة كالدبابات والمدفعية، الأمر الذي يدل على أن القوات الحكومية هي
التي شنت الهجوم لأن الجيش السوري الحر المعارض لا يمتلك أسلحة ثقيلة كهذه.
واعتبرت الصحيفة أن مجزرة الحولة ستعطي زخمًا للمعارضة السورية في الداخل
والخارج وحذرت من تبعاتها لأنها ستزيد العداوة بين السنة والعلويين.
وبدورها تحدثت صحيفة “الغارديان” البريطانية عن ردود الأفعال الدولية
على المجزرة ونقلت إدانة وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ، الذي من
المقرر أن يلتقي نظيره الروسي سيرغي لافروف اليوم في ما يعتقد بأنه لبحث
الأزمة السورية، كما أن وزارة الخارجية البريطانية كانت قد استدعت القائم
بالأعمال السوري للتنديد بمذبحة الحولة.
وأما صحيفة “صنداي تليغراف” البريطانية فنشرت تحليلاً أعده مراسلها
لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر الذي اعتبر أن مذبحة الحولة ربما تكون
رهانًا خاسرًا للرئيس السوري.
ويقول التقرير إن نظام الأسد لطالما راهن على الفوضى والاضطرابات في
سوريا، لتقليل فرص التدخل الدولي لا سيما أن الدول الأوروبية الآن تعاني
ضغطًا اقتصاديًا يهدد منطقة اليورو. لكن كاتب المقال يتساءل حول إذا ما كان
رهان الأسد خاطئًا هذه المرة. ويضيف أن دولاً أخرى راهنت على أن الأمم
المتحدة لن تتمكن من التعامل مع الفوضى على أراضيها، لكن زعماء هذه الدول
يخضعون الآن لمحاكمات في لاهاي.
ويرى المقال أن تفسير ما حصل في الحولة هو التكتيك ذاته الذي مارسته
القوات السورية الحكومية في القرى والبلدات المحيطة بمدينة حمص حيث تهاجم
القوات السورية الجيش السوري الحر، ثم تدخل على أثر ذلك ميليشيات الشبيحة
الموالية للأسد لارتكاب المجازر دون رحمة.
ويرجح كاتب المقال أن يكون مرتكبو هذه المجازر جنودًا محدودي التعليم،
ويوضح قائلاً إنه كان في دمشق خلال الشهر المنصرم وإنه استمع من أشخاص
متعلمين وعاقلين وأهل للثقة أن “دولاً خليجية” قد “وضعت مخدرات في أطعمة
المقاومة كي يصابوا بالجنون”، ويضيف إذا كان هذا هو حال المتعلمين المثقفين
الذين لم يخطر ببالهم أن هذه مجرد شائعات يروجها النظام، فما بالك بالجنود
وهم في الغالب محدودو التعليم، وبالإمكان إقناعهم وبالذي دفعهم لارتكاب
مثل هذه المجازر.
أما صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية فقد وصفت المجزرة بأنها “الأسوأ”
في فصول الانتفاضة السورية التي اندلعت منذ 15 شهرًا. ونقلت الصحيفة عن
التلفزيون السوري الحكومي اتهاماته للمعارضة بارتكاب المذبحة، لكنها أشارت
إلى أن اتهامات الأمم المتحدة المباشرة للحكومة السورية دحضت ادعاءات
النظام. كما أشارت الصحيفة إلى جدوى استمرار الهدنة لوقف القتال بين
الحكومة السورية والمعارضة بعد وقوع المجزرة.
وأضافت رغم أنها المرة الأولى التي يدين فيها المراقبون وبسرعة المجزرة
ورغم أن الأمم المتحدة ألقت باللوم على السلطات السورية فإن قلق السوريين
حول وجودهم أخذ يتصاعد طالما أن القتل وقع رغم وجود المراقبين في مدينة
حمص.