قال رئيس المجلس الوطني السوري المستقيل برهان غليون في مقابلة مع وكالة
فرانس برس الخميس أن المجلس الوطني أبرز تحالفات معارضة الذي تشقه
“انقسامات” ويعتمد طريقة عمل جامدة جدًا “لم يتمكن من أن يرقى إلى تضحيات
الشعب السوري”.
وأوضح غليون الذي تعرض لانتقادات والمدرك أنه لم يعد موضع “إجماع” داخل
المجلس الوطني السوري الذي كان جدد له في منصب رئاسته لولاية ثالثة، أنه
استقال للتعبير عن ضرورة تغيير قوانين المجلس محذرًا من الانقسامات التي
تشقه. وأضاف غليون “فكرت في هذه الاستقالة لإجبار المجلس على تغيير هيكليته
والمضي قدمًا ودمج عناصر أخرى وتعديل قوانينه ليصبح ديموقراطيًا”.
واعتبر أن المجلس الوطني السوري عرقلته “قاعدة التوافق”، في حين أنه يجب
أن يدار على أساس قاعدة “الانتخاب”، برأيه. وأوضح “أن الصيغة الحالية هي
صيغة ائتلاف عدة أحزاب أو تشكيلات سياسية تحتكر القرار ولا تعطي أي فرصة
للأعضاء في المشاركة فعليًا في القرار، ما أدى إلى جمود كبير”. وسبب ذلك
بحسب غليون هو الصراعات بين مختلف تشكيلات المعارضة السورية عمومًا.
وأضاف أنه منذ تأسيس المجلس من قبل لجان التنسيق المحلية التي تشرف على
التظاهرات الميدانية والليبراليين وجماعة الإخوان المسلمين والأحزاب
الكردية والآشورية والمستقلين “لم ننجح في استقطاب قوى أخرى، نحن نتحدث عن
ذلك طوال الوقت لكن في الواقع هناك مقاومة حقيقية للأمر وكل طرف يريد
الحفاظ على امتيازاته”.
وأعرب غليون عن الأسف لكون المجلس الوطني السوري “لم يحقق تقدمًا كثيرًا
لإدماج الشباب الذين ينظمون التظاهرات في الميدان”. ورأى أن سبب ذلك يعود
إلى انقسامات بين علمانيين وإسلاميين داخل المجلس.
وأوضح غليون الذي يصنف ضمن اليسار القومي العربي وبرز في تشرين الأول
أكتوبر باعتباره “الشخصية” القادرة على الجمع بتأييد من الإخوان المسلمين،
أنه كتب في رسالة الاستقالة أنه لا يقبل أن يكون “مرشح الانقسام”. وأوضح
“قدمت استقالتي لكي أقول أن طريق الانقسام هذه بين الإسلاميين والعلمانيين
لا تجدي واعتقد أن النظام السوري هو الرابح لأنه حاول منذ البدء اللعب على
هذا الانقسام”.
وأوضح “مع الأسف أن بعض العلمانيين وحتى في أوساط المقربين مني لعبوا
هذه اللعبة وباتوا اليوم يشكلون تهديدا بشق صفوف الثورة إلى جناحين قد
يتواجهان حتى قبل الفوز، بدلا من أن يتعاونا”.
وفي نهاية آذار مارس، اعترف أغلب ممثلي المعارضة السورية بالمجلس الوطني
السوري بوصفه “ممثلاً رسميًا” للشعب، وفي نيسان أبريل في آخر اجتماع دولي
لمجموعة “أصدقاء الشعب السوري” في إسطنبول، تم الاعتراف بالمجلس باعتباره
“ممثلاً شرعيًا للسوريين كافة”.
ويقرّ غليون بأن الأزمة الكامنة منذ عدة أشهر لها انعكاسات على المستوى
الدولي. ويقول “منذ بعض الوقت جعلتنا عدم قدرة المجلس الوطني السوري على
الانفتاح الحقيقي على باقي القوى وعلى التقدم، نفقد شيئًا من مصداقيتنا”.
وكانت لجان التنسيق وبعيد التجديد لغليون، تحدثت عن “أخطاء” ارتكبها
المجلس الوطني. ويرد غليون أن المجلس الوطني السوري أحرز “نجاحات”، مشيرًا
إلى أنه “نجح في توحيد غالبية المعارضة السورية على الأقل وانتزاع اعتراف
دولي كما تمكنا من تنظيم المساعدة الإنسانية بل وعملنا على توحيد الجيش
السوري الحر”.
غير أنه يقرّ بان المجلس ومنذ إنشائه لم ينجح في أن يكون بمستوى طموحات
شعبه. وقال غليون بعدما أمضى سبعة أشهر في رئاسة المجلس “لم نتمكن أن نرقى
إلى مستوى تضحيات الشعب السوري”. وأضاف “بالتأكيد لم نلب بالسرعة الكافية
وبشكل كاف احتياجات الثورة” و”صحيح أنه لم يكن هناك تنسيق كبير (مع
المعارضة في الداخل) كنا بطيئين، فالثورة تسير 100 كم في الساعة ونحن 100
متر في الساعة، ربما بسبب عرقلة قاعدة التوافق هذه”.
لكن غليون يرفض اتهامات أشارت إلى أن المجلس الوطني السوري لا يمثل
معارضي الداخل، مؤكدًا أن “هذا غير صحيح”. وأوضح “كانوا غاضبين لأنه حين تم
إنشاء المجلس الوطني السوري كانوا يفكرون في المجلس الوطني الانتقالي
الليبي، وبعد بعض الوقت سيساعد في تأمين تدخل عسكري أجنبي وتحرير سوريا من
هذا النظام الدموي. لكن الحالة السورية ليست الحالة الليبية، الأمور لم تسر
بهذه الطريقة، وبرزت مخاوف”.
وغليون أستاذ في علم الاجتماع في جامعة السوربون في فرنسا حيث يقيم منذ
نحو ثلاثين عامًا. وهو معروف باتجاهاته اليسارية القومية العربية. وقد
اختير رئيسًا للمجلس لدى تأسيسه في تشرين الأول أكتوبر على أساس قدرته على
الجمع بين أطياف المعارضة المتنوعة من إسلامية وليبرالية وقومية ومستقلة.
وجرى التمديد له من المكتب التنفيذي في شباط فبراير الماضي، قبل أن
تنتخبه الأمانة العامة للمجلس الاثنين رئيسًا لولاية جديدة من ثلاثة أشهر،
بأكثرية 21 صوتًا مقابل 11 للمرشح المنافس جورج صبرا القيادي في حزب الشعب
الديموقراطي أحد مكونات تجمع إعلان دمشق. وأثارت إعادة انتخابه انتقادات من
بعض أركان المعارضة الذين نددوا بـ”الاستئثار بالقرار” وبعدم احترام
التداول الديموقراطي. كما انتقدوا محاولة جماعة الإخوان المسلمين، إحدى
أكبر مكونات المجلس، الهيمنة على قرار المعارضة.