فضلاً عن قمعه الوحشي للشعب السوري، فإن
لدى نظام بشار الأسد سجلاً مشيناً بشأن حرية الصحافة. ووفقاً لمنظمة
“مراسلون بلا حدود”، تحتل سوريا المرتبة 176 من بين 179 دولة في حرية
الصحافة. ورغم هذا القمع نجح ناشطو المعارضة خلال العام الماضي في التأثير
على شبكات التواصل الاجتماعي والاتصال بالإنترنت، من خلال قيامهم ببث وشرح
وتعزيز الانتفاضة أمام العالم.
كما ردوا أيضاً على هجوم النظام بتوجيه هجمات إلكترونية، ونجحوا في
استخدام الأدوات التي يستعملها قراصنة الإنترنت الموالون للأسد وتحويلها ضد
النظام. وعلى الرغم من أن هذه التدابير لم تمنع من ذبح الآلاف، إلا أن
جرائم الأسد كانت ستصبح أسوأ من ذلك من دون تسليط الضوء عليها بواسطة
“يوتيوب” وغيرها من التقنيات. ولذلك فمن مصلحة واشنطن تقديم الأجهزة والدعم
التقني المطلوب للمعارضة لمواصلة الحملة الإلكترونية ضد الأسد.
* الخلفية:
خلافاً للمعارضة المصرية، التي أقامت هواتف للاتصال عبر الأقمار
الصناعية واتصالات عن طريق الهواتف الأرضية من خلال مزودي خدمات الإنترنت
في أوروبا وإسرائيل كتدابير احتياطية بعد وقت قليل من اندلاع الثور، وجدنا
أن المعارضة السورية قد استخدمت أنظمة هواتف وأجهزة مودم تعمل بواسطة
الأقمار الصناعية كوسيلة رئيسية للاتصال منذ البداية.
ووفقاً للناشط شكيب الجابري، تجري 60 بالمائة تقريباً من اتصالات
المعارضة عبر “سكايب” وهواتف “الثريا” التي تعمل بالأقمار الصناعية.
بالإضافة إلى ذلك كان السوريون المقيمون بالقرب من الحدود مع لبنان وتركيا
يستخدمون في الغالب ملقمات تلك الدول للوصول إلى شبكات الإنترنت والهواتف
المحمولة بينما يتفادون الرقابة السورية على شبكة الإنترنت.
وتعتمد المعارضة بقوة على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث أصبحت وثائق
الفيديو المتعلقة بعنف النظام التي يتم تحميلها على “يوتيوب” و”الفيسبوك”
وغيرها من المواقع، المصدر الرئيس للمعلومات بشأن التطورات في البلاد. فعلى
سبيل المثال في إحدى صفحات الـ “فيسبوك” يعرض “مركز معلومات الانتفاضة
السورية 2011″ سرداً يومياً لعدد قتلى المعارضة والمدنيين ويخطط موقع كل
احتجاج على خارطة غوغل. ويتردد أيضاً أن الناشطين قد أنشأوا برنامج «آي
فون» باسم “سوريا وبس” لِبث معلومات حول الحوادث، ودحض بصورة فورية تفسيرات
الحكومة لتلك الأحداث. وفي غضون أسابيع قليلة من نشر هذا البرنامج حظر
النظام كلية استعمال «آي فون» وهدد بمقاضاة كل من تثبت استخدامه لجهاز
كهذا.
* الهجمات عن طريق الشبكة العنكبوتية:
قدَّرت منظمة “مراسلون بلا حدود” أن ما يزيد عن 17 بالمائة من السوريين
-قرابة 4 ملايين من أصل 22 مليون نسمة- يستخدمون الإنترنت. وعلى الرغم من
أن هؤلاء الأفراد يستخدمون التكنولوجيا بكثافة وبصورة مبتكرة إلا أن
المستوى المنخفض لانتشار الإنترنت في المجتمع السوري يجعل من السهل نسبياً
على النظام أن يتعقب نشاطات السكان على الشبكة العنكبوتية.
ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، فإن نقطة الضعف هذه قد حثت الكثير من
الناشطين على إقامة العديد من الحسابات على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي.
وإذا ما تم القبض على ناشط أو اختطافه، فعندئذ يمكن إزالة حسابات معينة
دون حذف الوجود الكامل للفرد على الإنترنت.
وقد وزع المحتجون في سوريا وغيرها في المنطقة وعلى نطاق واسع، معلومات
عن تنظيم وعقد الاحتجاجات متأكدين من إخفاء الهوية على الإنترنت ومتفادين
محاولات غلق الشبكة العنكبوتية باستخدام هواتف الأقمار الصناعية واتصالات
الإنترنت عن طريق خطوط الهاتف الأرضية.
وبالإضافة إلى ذلك، أفاد “مركز مراقبة حرب المعلومات” أن المعارضة هاجمت
صفحات “فيسبوك” التابعة لأفراد من “الجيش الإلكتروني السوري”، وهو قوة
إلكترونية موالية للأسد.
كما حصلت المعارضة أيضاً على برنامج قرصنة أنشأه “الجيش الإلكتروني
السوري”، وقامت بتغييره ليشن هجوم “حجب الخدمة الموزعة” على المواقع
الموالية للنظام. وأثناء هذا الهجوم يتم قصف الموقع بقدر هائل من البيانات
بما يمنع المرور ويحطم الموقع في نهاية المطاف. وفي فبراير تسلل أيضاً
الناشطون المعادون للنظام إلى خدمة الرسائل النصية التابعة لشبكة محطة
التلفزيون الحكومي “الدنيا”.
وفي هجوم أصبح الآن مشهورا، فإن جماعة المعارضة المعروفة بـ “المجلس
الأعلى للثورة” اعترضت على مدى أشهر آلاف الرسائل الإلكترونية من حسابات
الرئيس السوري والسيدة الأولى. وقد شكلت تلك الرسائل الإلكترونية (التي
أُعلن عنها في فبراير وكشفت رحلات تسوّق أسماء الأسد وجهود النظام لاستقطاب
الصحفيين الأمريكيين المتعاطفين معه وازدراء بشار الأسد للشعب السوري
والإصلاح السياسي فضلاً عن تبادلاته الرومانسية مع إمرأة مجهولة) ضربة في
العلاقات العامة لدمشق.
* أنشطة جماعات قراصنة الإنترنت وشركات الشبكة العنكبوتية:
تلعب شبكات قراصنة الإنترنت دوراً أساسياً في مساعدة المعارضة على نشر
رسالتها. فعلى سبيل المثال استخدمت “تيليكوميكس”، وهي مجموعة فضفاضة من
ناشطي الإنترنت المنظمين، مواقع “تويتر” و”فيسبوك” لنشر معلومات الاتصال
الهاتفي وأرقام “سكايب”، مما سمح للسوريين أن يتركوا رسائل للمجموعة تقوم
“تيليكوميكس” بعد ذلك بنشرها عبر “تويتر” إلى العالم بأجمعه.
وفي أغسطس 2011، أرسلت المجموعة رسائل إلكترونية إلى 6000 من الناشطين
السوريين مع معلومات حول تفادي القمع الإلكتروني من جانب الحكومة. وفي وقت
لاحق أنشأت موقعاً خصصته لأدوات التأمين عبر الإنترنت لاستخدامها في نفس
الغرض. وفي أكتوبر، أفادت “تيليكوميكس” أنها أصدرت بيانات تثبت أن النظام
كان يستخدم التكنولوجيا الغربية لتعقب ناشطي الإنترنت السوريين.
كما ساعدت “رابطة أخبار الناشطين” -مجموعة أخرى مقرها في القاهرة- على
نشر أخبار صادرة من سوريا من خلال إطلاق فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي
وإرساله إلى منافذ إعلامية احترافية مثل قناة “الجزيرة”.
وقد لعب مديرو “يوتيوب” دوراً مباشراً في مساعدة المعارضة. فعندما تم
إزالة الفيديو المروع عن حمزة الخطيب البالغ من العمر 13 عاماً، الذي تعرض
للتعذيب وقُتل على يد النظام في مايو 2011، استجاب “يوتيوب” للمطالب
الشعبية وأعاد نشره.
وكما أوضح متحدث باسم “يوتيوب” في وقت لاحق بأنه على الرغم من أن لدى
الموقع سياسة تمنع [نشر] “محتوى مروع ومثير للاشمئزاز” إلا أن “يوتيوب”
يعمل استثناءات لأشرطة الفيديو التي لها “قيمة تعليمية أو وثائقية أو علمية
أو فنية واضحة”.
وثمة شركات أخرى تتبنى سياسات أكثر أشكالية تجاه المعارضة. فعلى سبيل
المثال تطلب “فيسبوك” و”غوغل پلس”، من المستخدمين تقديم أسمائهم القانونية
بدلاً من أسماء مستعارة مما يجعل النشطاء أكثر عرضة للاعتقال من قبل
الحكومة. ولحسن الحظ من الصعب تنفيذ هذه السياسة، وعادة يتم تطبيقها فقط
عندما تكون هناك شكوى من مستخدمين آخرين – في هذه الحالة نشطاء النظام أو
النشطاء المؤيدين له.
* التوصيات المتعلقة بالسياسات:
في اجتماع “أصدقاء سوريا” في 1 أبريل، صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية
هيلاري كلينتون قائلة: “سوف تقدم الولايات المتحدة ما هو أكثر من مجرد
مساعدات إنسانية وذلك بتوفيرها معونات إضافية تشمل أجهزة اتصالات ستساعد
النشطاء على التنظيم وتفادي هجمات النظام والتواصل مع العالم الخارجي.”
وبالفعل، فإن [شعبة] منح حرية الإنترنت التابعة لوزارة الخارجية
الأمريكية تدعم عددا من مبادرات الاتصال لاستخدامها داخل الدول القمعية بما
في ذلك سوريا. وثمة تقنية حديثة مبتكرة معروفة بـ “زر الذعر” للهواتف
المحمولة تسمح للناشطين بمحو قوائم الاتصال بسرعة في حالة القبض عليهم.
وهناك مبادرة أخرى تهدف إلى التغلب على الهجمات الإلكترونية على مواقع
الانترنت، حيث تمكّن الناشطين من استخدام المواقع دون اعتراض. وقد موّلت
وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً برمجيات التشفير لـ “پي سايفون” لمساعدة
الناشطين على تجنب حملات قمع الإنترنت، وهذا النظام هو قيد الاستخدام في
سوريا.
وبالإضافة إلى ذلك، قدمت واشنطن منحة قدرها مليوني دولار لتطوير
“الإنترنت في الحقيبة”، وهو نظام مدمج يتيح اتصالاً لاسلكياً باستخدام جهاز
الحاسوب المحمول أو الهاتف المحمول من دون محور مركزي، متجاوزاً شبكة
الدولة الرسمية.
وعلى الرغم من أن هذه الخطوات مفيدة، إلا أنه من الممكن اتخاذ المزيد
منها، بل وينبغي القيام بذلك. ونظراً لاعتماد المعارضة على هواتف تعمل
بالاقمار الصناعية، والاستخدام الواضح لإشارات الأقمار الصناعية من قبل
النظام من أجل استهداف المدنيين، نجد أن توفير أدوات التفادي ينبغي أن يكون
أولوية كبرى لدى الولايات المتحدة.
وتحقيقاً لهذه الغاية يجب على واشنطن أن تشجع شركات هواتف الأقمار
الصناعية على ضمان سرية مواقع المستخدمين بتعزيز التشفير وتعطيل ميزات تعقب
الهواتف. كما ينبغي أن توفر للنشطاء أجهزة التشويش لـ”نظام تحديد المواقع
العالمي” لمنع النظام السوري من تحديد موقع إشارات الأقمار الصناعية.
وبالإضافة إلى ذلك ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجع مواقع شبكات
التواصل الاجتماعي ذات السياسات التعريفية الإشكالية لتعديل شروطها بطريقة
تضمن إخفاء هوية شخصيات المعارضة. وأخيراً ينبغي على واشنطن العمل مع
الأردن وتركيا لتعزيز “إشارات أبراج المحمول” على طول حدودها وتمكين
الناشطين في سوريا من الاستفادة بشكل أفضل من تلك الشبكات.
وهذه الخطوات لن تنهي نظام الأسد في حد ذاتها، ولكن دعم الحملة
الإلكترونية للمعارضة سيضمن على الأقل تدفقاً مستمراً للمعلومات حول
الأعمال الوحشية التي يقوم بها النظام.