ظهر الموقف الذي أعلنه رئيس الحكومة
اللبنانية نجيب ميقاتي ردا على رسالة السفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار
الجعفري وكأنه يعبر عن نشوء صراع بين لبنان وسوريا على خلفية التطورات
السورية وتداعياتها اللبنانية.
تجيء الرسالة والرد عليها في وقت تشهد فيه الساحة اللبنانية حساسية مفرطة نظرا لتجدد الانقسام اللبناني على خلفيات الأحداث السورية.
تأثير تاريخي
ويرى الكاتب إبراهيم بيرم أن “لبنان يدفع دائما ثمن الخلافات التاريخية
مع سوريا، فبسبب الانقلابات التي كانت تحصل فيها، اعتبرت سلطاتها أن لبنان
مصدر اضطراب لها سواء من الوضع العسكري أو السياسي. والانقلابات التي كانت
تحصل كانت تخطط في لبنان”.
وقال “من جانب آخر هناك شريحة كبيرة في لبنان ترتاب من موقف سوريا بأن
لها أطماعا تاريخية في لبنان، وهي عقدة حكمت العلاقة بين الطرفين منذ
استقلال لبنان وانفصاله عن سوريا”.
وأوضح أنه “في القرن العشرين ناصرت فئة من اللبنانيين الحركة الناصرية
عام ١٩٥٨، بينما ناصرت فئة أخرى خصوم الناصرية: حلف بغداد”. وأدى الانقسام
إلى أحداث واضطرابات استمرت زهاء ستة أشهر، وعرفت الحركة باسم “الثورة”.
ووصف إبراهيم بيرم موقف الرئيس ميقاتي بـ”المفاجئ”. واستدرك قائلا “كان
ما قاله الرئيس اللبناني ردة فعل لأنه اعتبرها نوعا من تأجيج الخلافات بين
البلدين”.
ما بين ١٩٦٨ و١٩٧٥ وقع انقسام لبناني حاد عندما ناصرت فئات حركة
المقاومة الفلسطينية إثر تجمع آلاف الفلسطينين في لبنان عقب حرب ١٩٦٧
وأحداث أيلول الأسود ١٩٧٠. في حين رفضت فئات أخرى الوجود الفلسطيني، خصوصا
المسلح.
وأدى الانقسام الحاد إلى الحرب الأهلية اللبنانية منذ عام ١٩٧٥، ولا تزال تداعيات تلك الحرب تتردد حتى اليوم.
مخاوف التفجير
في المرتين اللتين سبق ذكرهما (١٩٥٨ و١٩٧٥) أشعل الانقسام اللبناني الساحة على خلفية الوضع الإقليمي، وهدد الكيان اللبناني باستمرار.
وتعتقد فيرا يمين -عضو المكتب السياسي لتيار المردة برئاسة الوزير
الأسبق سليمان فرنجية- أن “ما يثير المخاوف من الخلافات الرسمية بين لبنان
وسوريا هو الانقسام اللبناني القائم الذي بات ينعكس في تحركات وتململ في
الشارع”.
وقالت “الوضع ملتهب، وعوامل التفجير قائمة بعد مرور أكثر من سنة على
التطورات السورية، والخلاف الذي برز مؤخرا يعطي دفعا للتفجير وإن لم يكن هو
السبب المباشر له”.
وقد بدأت ملامح الانقسام نفسه تتكرر اليوم فيما يخص التطورات السورية،
ويعتبر الموقفان السوري (الجعفري) واللبناني (ميقاتي) أحد تجليات هذا
الخلاف في هذا الظرف الحساس الذي تمر به البلاد والمنطقة.
وأعقب ظهور هذا الخلاف أحداث لبنانية تنذر بالأخطار، ويعتقد الدكتور
خلدون الشريف -المستشار السياسي لميقاتي- أن “الوضع السوري الملتهب يؤثر
على لبنان”.
وقال الشريف “حين تطورت الأحداث في سوريا كان واضحا أن المجتمع اللبناني
منشطر بين مؤيد ومعارض للنظام السوري، فاعتمد الرئيس ميقاتي سياسة النأي
بالنفس التي تحمي اللبنانيين من هذا الانقسام، وليكون الموقف اللبناني
الرسمي موقفا متوازنا بين الفرقاء اللبنانيين”.
يذكر أن الجعفري تقدم برسالة إلى الأمم المتحدة عرض فيها رؤيته لاستخدام
لبنان قاعدة تدعم المعارضة السورية في صراعها مع النظام، فرد الرئيس
ميقاتي منتقدا الرسالة لأنها تؤجج الخلافات بين البلدين.
ورأى الشريف أن كلام السفير السوري تطلب ردا من رئيس الحكومة “لإعادة
التوازن إلى الموقف الرسمي اللبناني المتمسك بسياسة النأي بالنفس والذي
يعني أننا لا نريد أن يقاتل لبنانيون مع المعارضين السوريين ولا أن يكون
هناك مقاتلون لبنانيون مع النظام السوري”.
ورأى أنه لا يتوقع تأثيرا كبيرا على لبنان بسبب رد ميقاتي، لأن “النظام السوري ليس في وضع يمكنه من التأثير بقوة”.