سالمنا آل الأسد ، وتركنا لهم البلد ، فأرادوا أن يحكمونا إلى الأبد :
بقلم : أبو ياسر السوري
من أشدِّ ما يثيرُ استغرابي ، تلك الآراءُ التي لا تَفتأُ تُصِرُّ على دعوة الشعبِ السوري ، المطالبِ بحريته وكرامته ، إلى الاستمرار في النضال السلمي ، مفترضةً أنَّ هذا (النظام الحاكم) سيستجيب في النهاية لمطالب شعبه ، بعد أمَدٍ ما ، طالَ أم قَصُرَ ... وقد قرأتُ مقالاتٍ لبعضهم ، يُخَطِّئُ فيها كل من دعا إلى تسليح الثورة ، وينسبه إلى الغفلة ومجانبة الصواب ، حتى اطَّلَعْتُ أخيراً على مقالٍ للدَّاعية الكبير الأستاذ عصام العطار ، بعنوان : " الشريك الآخر في إطالة أمد الألم السوري " ( حذر فيه من مغبة الوقوع في شرك النظام وحمل السلاح في وجهه . وأرادها ثورة سلمية شعبية هادرة ، مثل تلك التي حدثت في تونس ومصر، يشترك فيها كل قطاعات وفئات الشعب . ثورة من الحرية والى الحرية ، فلا يمكن لأي مواطن سوري أن يرفضها لأنها تطالب بحقه وكرامته ، التي انتزعها نظام الاستبداد منذ أكثر من نصف قرن .. )
ونظراً لما أُكِنُّهُ في نفسي لهذا الرَّجُلِ من إجلال وتقدير ، ونظراً لثقتي الكبيرة باعتدال فكره ، وثاقب نظره ، وطولِ تجربته مع النظام السوري ، وعمقِ معرفته بتركيبته المافيوية ، فقد فضَّلتُ أن أتَّهمَ رأيي ، وأرجعَ إلى رأيه ورأيِ كوكبةِ المثقفين ، المنادين بالاقتصارِ على الحراك السلمي , والحذر من حمل السلاح في وجه هذا النظام .
وعلى الرغم من ذلك ، فما زال لديَّ من هذا الحراك السلمي شيء ، وما زلت موقناً أنه لا فائدة منه البتَّة ، وفي يقيني أيضاً أننا لو بقينا الدهر نهتفُ مطالبين بالحرية والكرامة ، فلن نجني من هتافاتنا غير الاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية وقلب البلد رأسا على عقب ، ووالله إن بشار الأسد والعصابة الحاكمة معه ، لا ترى بأسا في قتل نصف الشعب السوري على أن يبقوا في الحكم إلى الأبد . بل لا بأس لديهم أن يُبادَ الشعبُ كله ، ويُستبدَلَ به شعب آخر من شيعة إيران أو من نصيرية لواء اسكندرون ..
والخلافُ في هذه القضية بيني وبين من يخالفني الرأي فيها ، هو أني مؤمنٌ بأن سوريا لا تُحكَمُ بدستور ولا بقانون ، وإنما ترضخ لحكم عصابة من المافيا ، وحفنة من القتلة المجرمين ... بينما يرى غيري أننا نخضع لنظام حاكم ، وأنه لا بدَّ أن يرضخ في نهاية المطاف إلى تحكيم القيم الإنسانية ، والمبادئ الأخلاقية ، وأنَّ مسالمتنا له ستحمله على الرجوع إلى النصفة والعدل ... وأصحابُ هذا الرأي يُراهنون على موقف المجتمع الدولي أيضا ، ويَرَونَ أنه لو رَفَضَ النظامُ الاستجابةَ لمطالب الشعب ، ولجأ إلى القمع بالعنف ، فإنَّ الأسرة الدولية لن تُقرَّهُ على انتهاك حقوق مواطنيه ، والتمادي في قتلهم وإبادتهم ..!!
وها قد مرَّ على الثورة 15 شهراً ، فماذا كان من النظام .؟ وماذا كان من المجتمع الدولي.؟ أما النظام الحاكم ، فما زال يشنُّ حرباً على شعبه ، حرباً تُستخدَمُ فيها كافةُ الأسلحة والمعدات الحربية ، حتى الطيران والصواريخ ، حرباً تُدمَّرُ فيها المدن والقرى ، ويُعتدَى فيها على الإنسان والحيوان والزرع والشجر والحجر ... حرباً قُتِلَ فيها من السوريين خلالَ سنة ونيف ، أكثرَ مما قتلت إسرائيل من الفلسطينيين على مدى أربع وستين سنة ...
وأما المجتمع الدولي ، فقد ظهر أخيراً للعيان ، أنه ساكتٌ على ما يجري ، سكوتَ المُقِرِّ ، لا سكوتَ المُستنكِر . بدليلِ أنَّ هذا المجتمع لم يقم بأيِّ إجراءٍ يردعُ النظامَ المجرم ، سوى عقوباتٍ لا تقدِّمُ ولا تؤخر . بل إنها لتضر بالمواطنين أكثرَ مما تضر بالنظام عشر مرات ...
فإلى متى نصبرُ على مسالمة نظامٍ ماضٍ في قتلنا.؟ ومجتمعٍ دولي غيرِ شاعر بمعاناتنا ، ولا مكترثٍ بآلامنا .؟ لهذا ، كنت وما زلت ميالا إلى تحكيم السلاح ، وأن يسلح الشعب الثائر كله ، وأن يكون الجيشُ الحرُّ ردءاً لشعبه ، والشعبُ ملاذاً لجيشه . وأن نقاوم هذا الاستعمار الداخليَّ بكل ما نملك ، بالأظافر ، بالحجارة ، بالسكاكين ، بالسلاح ... نعم هذا ما أراه ، وإن خطَّأني في ذلك كل من أحبهم وأجلهم ...
في عام 1963 خرج قادتُنا الدينيون والسياسيون ، وفرَّ بعضُ كبار التجار من البلد ... وكان ممن خرجَ يومها من سوريا عمالقة الفكر والسياسة ، من أمثال : الأستاذ عصام العطار والشيخ علي الطنطاوي ، والأستاذ معروف الدواليبي ، والشيخ مصطفى الزرقا ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والدكتور أمين المصري ، والأستاذ عبد الرحمن حبنكه الميداني .. وخلق كثير من ذوي القامات المديدة ... خرج هؤلاء جميعا من سوريا ، تاركين السرح لعصابة من الذئاب ... خرجوا فما حزن لخروجهم نظام البعث ، ولم يُعِرْ لغيابهم أيَّ اهتمام ، بل لم يفكر بالسماح لهم بالعودة إلى سوريا بعد ذلك ، مع أن خروج أمثال هؤلاء الرجال من سوريا ، كان خسارة وطنية بكل المقاييس ...
فلماذا خرجنا من البلد آنذاك ، وتركناها لحافظ الأسد وأمثاله ؟؟ لماذا لم نحملِ السلاحَ يومها ونَنتزِعْ حقوقنا انتزاعا ، بَدَلَ أنْ نلتمسها بالمسالمة واللين ؟ نحن أقوى من النظام مهما مَلَكَ من أسباب القوة ، وكان على قادتنا الفكريين والسياسيين أن لا يخرجوا من سوريا ، كان عليهم أن يثقوا بقوة الشعب ، وضعف الحاكم ، بل الحق أقول : إنهم لو كانوا على دراية بهذه الحقيقة لما خرجوا آنذاك . ولتمكنوا من انتزاع الحق من غاصبيه بالقوة والغلبة ، فما أُخِذَ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة ، وهذا ما عناه أبو الطيب بقوله :
مَنْ أطاقَ التِماسَ شيءٍ غِلاباً : وَاغْتِصاباً لم يَلْتَمِسْهُ سُؤالا
إن الفكرة القائلة ( بضرورة مسالمة النظام الحاكم على كل حال ) هي التي منعتنا أن نقاوم مشروع حافظ الأسد ورفاقه الطائفيين في الستينات من القرن الماضي . وهذه الفكرةُ بعينها ، هي التي جعلتنا نسكتُ على عملية التوريث لبشار الأسد فيما بعد ... وهذه الفكرةُ نفسُها ، هي التي ما زالت مسيطرةً على عقلية الغالبية العظمى منا ، ولو بقينا مستسلمين لها فلن نخرج من القمقم الذي وُضِعْنَا فيه أبدا ...
لهذا أهيب بكل سوري شريف ، له من الأمر شيء ، أن يفكر في استراتيجية جديدة لحلِّ هذه المعضلة ، ووضعِ حَدٍّ لهذه المآسي ، وإيجادِ خطة جديدة للخلاص من هذا النظام الاستعماري ، المؤيد من الشرق والغرب . والمدعوم من القاصي والداني . فالقانون الإلهي يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) صدق الله العظيم .
بقلم : أبو ياسر السوري
من أشدِّ ما يثيرُ استغرابي ، تلك الآراءُ التي لا تَفتأُ تُصِرُّ على دعوة الشعبِ السوري ، المطالبِ بحريته وكرامته ، إلى الاستمرار في النضال السلمي ، مفترضةً أنَّ هذا (النظام الحاكم) سيستجيب في النهاية لمطالب شعبه ، بعد أمَدٍ ما ، طالَ أم قَصُرَ ... وقد قرأتُ مقالاتٍ لبعضهم ، يُخَطِّئُ فيها كل من دعا إلى تسليح الثورة ، وينسبه إلى الغفلة ومجانبة الصواب ، حتى اطَّلَعْتُ أخيراً على مقالٍ للدَّاعية الكبير الأستاذ عصام العطار ، بعنوان : " الشريك الآخر في إطالة أمد الألم السوري " ( حذر فيه من مغبة الوقوع في شرك النظام وحمل السلاح في وجهه . وأرادها ثورة سلمية شعبية هادرة ، مثل تلك التي حدثت في تونس ومصر، يشترك فيها كل قطاعات وفئات الشعب . ثورة من الحرية والى الحرية ، فلا يمكن لأي مواطن سوري أن يرفضها لأنها تطالب بحقه وكرامته ، التي انتزعها نظام الاستبداد منذ أكثر من نصف قرن .. )
ونظراً لما أُكِنُّهُ في نفسي لهذا الرَّجُلِ من إجلال وتقدير ، ونظراً لثقتي الكبيرة باعتدال فكره ، وثاقب نظره ، وطولِ تجربته مع النظام السوري ، وعمقِ معرفته بتركيبته المافيوية ، فقد فضَّلتُ أن أتَّهمَ رأيي ، وأرجعَ إلى رأيه ورأيِ كوكبةِ المثقفين ، المنادين بالاقتصارِ على الحراك السلمي , والحذر من حمل السلاح في وجه هذا النظام .
وعلى الرغم من ذلك ، فما زال لديَّ من هذا الحراك السلمي شيء ، وما زلت موقناً أنه لا فائدة منه البتَّة ، وفي يقيني أيضاً أننا لو بقينا الدهر نهتفُ مطالبين بالحرية والكرامة ، فلن نجني من هتافاتنا غير الاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية وقلب البلد رأسا على عقب ، ووالله إن بشار الأسد والعصابة الحاكمة معه ، لا ترى بأسا في قتل نصف الشعب السوري على أن يبقوا في الحكم إلى الأبد . بل لا بأس لديهم أن يُبادَ الشعبُ كله ، ويُستبدَلَ به شعب آخر من شيعة إيران أو من نصيرية لواء اسكندرون ..
والخلافُ في هذه القضية بيني وبين من يخالفني الرأي فيها ، هو أني مؤمنٌ بأن سوريا لا تُحكَمُ بدستور ولا بقانون ، وإنما ترضخ لحكم عصابة من المافيا ، وحفنة من القتلة المجرمين ... بينما يرى غيري أننا نخضع لنظام حاكم ، وأنه لا بدَّ أن يرضخ في نهاية المطاف إلى تحكيم القيم الإنسانية ، والمبادئ الأخلاقية ، وأنَّ مسالمتنا له ستحمله على الرجوع إلى النصفة والعدل ... وأصحابُ هذا الرأي يُراهنون على موقف المجتمع الدولي أيضا ، ويَرَونَ أنه لو رَفَضَ النظامُ الاستجابةَ لمطالب الشعب ، ولجأ إلى القمع بالعنف ، فإنَّ الأسرة الدولية لن تُقرَّهُ على انتهاك حقوق مواطنيه ، والتمادي في قتلهم وإبادتهم ..!!
وها قد مرَّ على الثورة 15 شهراً ، فماذا كان من النظام .؟ وماذا كان من المجتمع الدولي.؟ أما النظام الحاكم ، فما زال يشنُّ حرباً على شعبه ، حرباً تُستخدَمُ فيها كافةُ الأسلحة والمعدات الحربية ، حتى الطيران والصواريخ ، حرباً تُدمَّرُ فيها المدن والقرى ، ويُعتدَى فيها على الإنسان والحيوان والزرع والشجر والحجر ... حرباً قُتِلَ فيها من السوريين خلالَ سنة ونيف ، أكثرَ مما قتلت إسرائيل من الفلسطينيين على مدى أربع وستين سنة ...
وأما المجتمع الدولي ، فقد ظهر أخيراً للعيان ، أنه ساكتٌ على ما يجري ، سكوتَ المُقِرِّ ، لا سكوتَ المُستنكِر . بدليلِ أنَّ هذا المجتمع لم يقم بأيِّ إجراءٍ يردعُ النظامَ المجرم ، سوى عقوباتٍ لا تقدِّمُ ولا تؤخر . بل إنها لتضر بالمواطنين أكثرَ مما تضر بالنظام عشر مرات ...
فإلى متى نصبرُ على مسالمة نظامٍ ماضٍ في قتلنا.؟ ومجتمعٍ دولي غيرِ شاعر بمعاناتنا ، ولا مكترثٍ بآلامنا .؟ لهذا ، كنت وما زلت ميالا إلى تحكيم السلاح ، وأن يسلح الشعب الثائر كله ، وأن يكون الجيشُ الحرُّ ردءاً لشعبه ، والشعبُ ملاذاً لجيشه . وأن نقاوم هذا الاستعمار الداخليَّ بكل ما نملك ، بالأظافر ، بالحجارة ، بالسكاكين ، بالسلاح ... نعم هذا ما أراه ، وإن خطَّأني في ذلك كل من أحبهم وأجلهم ...
في عام 1963 خرج قادتُنا الدينيون والسياسيون ، وفرَّ بعضُ كبار التجار من البلد ... وكان ممن خرجَ يومها من سوريا عمالقة الفكر والسياسة ، من أمثال : الأستاذ عصام العطار والشيخ علي الطنطاوي ، والأستاذ معروف الدواليبي ، والشيخ مصطفى الزرقا ، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة ، والدكتور أمين المصري ، والأستاذ عبد الرحمن حبنكه الميداني .. وخلق كثير من ذوي القامات المديدة ... خرج هؤلاء جميعا من سوريا ، تاركين السرح لعصابة من الذئاب ... خرجوا فما حزن لخروجهم نظام البعث ، ولم يُعِرْ لغيابهم أيَّ اهتمام ، بل لم يفكر بالسماح لهم بالعودة إلى سوريا بعد ذلك ، مع أن خروج أمثال هؤلاء الرجال من سوريا ، كان خسارة وطنية بكل المقاييس ...
فلماذا خرجنا من البلد آنذاك ، وتركناها لحافظ الأسد وأمثاله ؟؟ لماذا لم نحملِ السلاحَ يومها ونَنتزِعْ حقوقنا انتزاعا ، بَدَلَ أنْ نلتمسها بالمسالمة واللين ؟ نحن أقوى من النظام مهما مَلَكَ من أسباب القوة ، وكان على قادتنا الفكريين والسياسيين أن لا يخرجوا من سوريا ، كان عليهم أن يثقوا بقوة الشعب ، وضعف الحاكم ، بل الحق أقول : إنهم لو كانوا على دراية بهذه الحقيقة لما خرجوا آنذاك . ولتمكنوا من انتزاع الحق من غاصبيه بالقوة والغلبة ، فما أُخِذَ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالقوة ، وهذا ما عناه أبو الطيب بقوله :
مَنْ أطاقَ التِماسَ شيءٍ غِلاباً : وَاغْتِصاباً لم يَلْتَمِسْهُ سُؤالا
إن الفكرة القائلة ( بضرورة مسالمة النظام الحاكم على كل حال ) هي التي منعتنا أن نقاوم مشروع حافظ الأسد ورفاقه الطائفيين في الستينات من القرن الماضي . وهذه الفكرةُ بعينها ، هي التي جعلتنا نسكتُ على عملية التوريث لبشار الأسد فيما بعد ... وهذه الفكرةُ نفسُها ، هي التي ما زالت مسيطرةً على عقلية الغالبية العظمى منا ، ولو بقينا مستسلمين لها فلن نخرج من القمقم الذي وُضِعْنَا فيه أبدا ...
لهذا أهيب بكل سوري شريف ، له من الأمر شيء ، أن يفكر في استراتيجية جديدة لحلِّ هذه المعضلة ، ووضعِ حَدٍّ لهذه المآسي ، وإيجادِ خطة جديدة للخلاص من هذا النظام الاستعماري ، المؤيد من الشرق والغرب . والمدعوم من القاصي والداني . فالقانون الإلهي يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) صدق الله العظيم .