بعد أكثر من تسعة أشهر من إعلان الرئيس أوباما ضرورة تنحي الرئيس بشار الأسد،
بات من الواضح عدم قدرة الدبلوماسية وحدها أو العقوبات وحدها على خلع
الحاكم السوري المستبد. على الجانب الآخر، لا يزال قتل الأسد للشعب مستمرا،
ولا يلوح أي أمل في تسوية دبلوماسية، مما يدفع سوريا نحو حرب أهلية طائفية
طويلة دموية إلى أن يتحول ميزان القوى داخل البلاد ليصبح ضده. للأسف لم
تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء حاسم لتأليب الجيش ضد الأسد، ولا تقوم أي
دولة أخرى أو تحالف من الدول بما يكفي في ظل غياب القيادة الأميركية.
وفي ما يلي استنتاجاتي بعد زيارتين للشرق الأوسط خلال الشهر الماضي،
تقابلت خلالهما مع قادة من المجلس الوطني السوري المعارض والجيش السوري
الحر، ولاجئين سوريين هربوا مؤخرا إلى تركيا ولبنان، وشباب سوري شجاع يشارك
في تنظيم المقاومة في بلدهم، وقادة دول كبيرة في المنطقة. من الرسائل التي
تلقيتها من المعارضة السورية وشركاء الولايات المتحدة على حد سواء إحباطهم
من عدم قيام الولايات المتحدة، التي دعت الأسد إلى التنحي، بالكثير لتحقيق
ذلك. وتساءلوا عما إذا كان ذلك يرجع إلى استعداد واشنطن إلى التوصل إلى
اتفاق مع إيران لوقف برنامجها النووي في مقابل الإبقاء على الأسد في
السلطة، وهل من أسباب ذلك الضغط الإسرائيلي لحماية الأسد على أساس أن
الشيطان الذي يعرفونه خير من الذي لا يعرفونه. نظريات المؤامرة هذه لا تمت
للحقيقة بصلة، كما أوضح مسؤولون أميركيون وإسرائيليون رفيعو المستوى، لكنها
توضح مدى عمق شعور السوريين بأن العالم تخلى عنهم. ما يحدث في سوريا كارثة
إنسانية، حيث بلغ عدد القتلى 10 آلاف على الأقل، وجاوز عدد النازحين
المليون، ويتم ارتكاب انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان يوميا، منها استخدام
الاغتصاب المنتشر المتعمد وأشكال العنف الجنسي الأخرى كأسلحة.
تتسم الأحداث التي تشهدها سوريا بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى المنطقة، حيث سيمثل سقوط الأسد أكبر نكسة شهدتها إيران خلال ربع قرن.
على الجانب الآخر، تشعر المعارضة السورية بالقلق من أن يؤدي امتداد
الصراع في هذا الاتجاه إلى المزيد من التكتل والتطرف داخل المجتمع السوري،
ويفتح الباب لتنظيم القاعدة وفروعه، وينذر بتحويل الدولة إلى دولة فاشلة
تتسبب في تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط. إنه سيناريو مخيف بالنظر إلى
مخزون سوريا الهائل من الأسلحة الكيميائية. لهذا لا تمثل الحيلولة دون
انزلاق سوريا إلى حرب أهلية وفوضى مهمة إنسانية فحسب، بل أيضا ضرورة للأمن
القومي الأميركي.
أولا يجب أن نزيد من جهودنا الرامية إلى تزويد المعارضة السورية بما
يمكنها من الدفاع عن نفسها أمام الأسد، بحيث يصبح من الواضح أنه غير قادر
على الفوز بالمعركة، وأن عليه التفاوض على كيفية الخروج. ومثلما حدث في
ليبيا لا ينبغي أن تدخل قوات أميركية سوريا، ولا ينبغي لها أن تتدخل وحدها.
لدى شركائنا في المنطقة الأموال والأسلحة والأراضي اللازمة لبذل جهود
واسعة النطاق في تدريب وتجهيز المقاومة ضد الأسد وضمان استمراريتها وقدرتها
ومهنتيها وشموليتها. وتبدو تلك الدول على استعداد للقيام بذلك، لكن ما
نفتقر إليه، وما تعتقد كل من المعارضة السورية وحلفاؤنا الإقليميون أن
الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على تقديمه، هو القيادة والتنظيم
والاستراتيجية. أعلنت إدارة أوباما العام الحالي التزامها بتقديم دعم «غير
مميت» للمعارضة.
ومع ذلك فإن الدعم «غير المميت» وحده لا يكفي. هناك حاجة إلى تنسيق
الجهود مع شركائنا الإقليميين وجعلها أكثر شمولا لدعم المقاتلين من المعسكر
المناهض للأسد بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية المرحلية والمساعدات
القتالية الأخرى. وتشير بعض التقارير إلى أن الجهود تتجه نحو تكثيف هذه
المحاولات على الأقل. وسيمثل هذا في حال حدوثه تطورا مرحبا به جديرا بدعم
الكونغرس. وستسهم مهمة التدريب والتجهيز، التي تتولى الولايات المتحدة
تنسيقها، في تحسين توحيد صفوف المعارضة وجعلها أكثر اتساعا، بحيث تشمل كل
الأطراف الفاعلة في المجتمع السوري وتؤثر على سلوكها.
يجب على المقاتلين السوريين الذين يريدون المساعدة رفض «القاعدة»
والإرهاب، والامتناع عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال القتل
الثأرية، والامتثال لقيادة المعارضة المدنية وتسليم أي أسلحة تقع عليها
أيديهم. وفي الوقت الذي ينبغي أن تكون الأولوية فيه لتقوية وتوحيد المعارضة
المسلحة على الأرض، ربما لا يكفي ذلك لتغيير ميزان القوى ضد الأسد بالسرعة
المطلوبة. لهذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تبدأ مناقشات مع شركائنا
حول شن حملة جوية لمنع الأسد من قيادة قواته وإقامة مناطق آمنة على طول
الحدود مع سوريا، بحيث تتمكن المعارضة من تنظيم صفوفها داخل بلدها.
سيكون الطريق صعبا، فهناك العديد من العقبات التي تحول دون توفير
المساعدة لمقاتلي المعسكر المعارض داخل بلادهم. ومن المؤكد أن سوريا ستواجه
الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية خلال حقبة ما بعد الأسد. وسيتضمن
أي تدخل مخاطر، لكن من الواضح أنه من دون تدخل أكبر، سوف يقودنا المسار
الحالي إلى خطر أكبر متمثل في كارثة إنسانية واستراتيجية تتعلق بقيمنا
الأخلاقية ومصالح أمننا القومي. ويمكن تفادي هذه النتيجة من خلال تغيير
ميزان القوى العسكري داخل سوريا سريعا، ويعتمد هذا بالأساس على القيادة
الأميركية.
جوزيف ليبرمان
عضو مستقل في مجلس الشيوخ عن ولاية كونيتيكت الأميركية
خدمة «واشنطن بوست»
بات من الواضح عدم قدرة الدبلوماسية وحدها أو العقوبات وحدها على خلع
الحاكم السوري المستبد. على الجانب الآخر، لا يزال قتل الأسد للشعب مستمرا،
ولا يلوح أي أمل في تسوية دبلوماسية، مما يدفع سوريا نحو حرب أهلية طائفية
طويلة دموية إلى أن يتحول ميزان القوى داخل البلاد ليصبح ضده. للأسف لم
تتخذ الولايات المتحدة أي إجراء حاسم لتأليب الجيش ضد الأسد، ولا تقوم أي
دولة أخرى أو تحالف من الدول بما يكفي في ظل غياب القيادة الأميركية.
وفي ما يلي استنتاجاتي بعد زيارتين للشرق الأوسط خلال الشهر الماضي،
تقابلت خلالهما مع قادة من المجلس الوطني السوري المعارض والجيش السوري
الحر، ولاجئين سوريين هربوا مؤخرا إلى تركيا ولبنان، وشباب سوري شجاع يشارك
في تنظيم المقاومة في بلدهم، وقادة دول كبيرة في المنطقة. من الرسائل التي
تلقيتها من المعارضة السورية وشركاء الولايات المتحدة على حد سواء إحباطهم
من عدم قيام الولايات المتحدة، التي دعت الأسد إلى التنحي، بالكثير لتحقيق
ذلك. وتساءلوا عما إذا كان ذلك يرجع إلى استعداد واشنطن إلى التوصل إلى
اتفاق مع إيران لوقف برنامجها النووي في مقابل الإبقاء على الأسد في
السلطة، وهل من أسباب ذلك الضغط الإسرائيلي لحماية الأسد على أساس أن
الشيطان الذي يعرفونه خير من الذي لا يعرفونه. نظريات المؤامرة هذه لا تمت
للحقيقة بصلة، كما أوضح مسؤولون أميركيون وإسرائيليون رفيعو المستوى، لكنها
توضح مدى عمق شعور السوريين بأن العالم تخلى عنهم. ما يحدث في سوريا كارثة
إنسانية، حيث بلغ عدد القتلى 10 آلاف على الأقل، وجاوز عدد النازحين
المليون، ويتم ارتكاب انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان يوميا، منها استخدام
الاغتصاب المنتشر المتعمد وأشكال العنف الجنسي الأخرى كأسلحة.
تتسم الأحداث التي تشهدها سوريا بأهمية استراتيجية بالنسبة إلى المنطقة، حيث سيمثل سقوط الأسد أكبر نكسة شهدتها إيران خلال ربع قرن.
على الجانب الآخر، تشعر المعارضة السورية بالقلق من أن يؤدي امتداد
الصراع في هذا الاتجاه إلى المزيد من التكتل والتطرف داخل المجتمع السوري،
ويفتح الباب لتنظيم القاعدة وفروعه، وينذر بتحويل الدولة إلى دولة فاشلة
تتسبب في تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط. إنه سيناريو مخيف بالنظر إلى
مخزون سوريا الهائل من الأسلحة الكيميائية. لهذا لا تمثل الحيلولة دون
انزلاق سوريا إلى حرب أهلية وفوضى مهمة إنسانية فحسب، بل أيضا ضرورة للأمن
القومي الأميركي.
أولا يجب أن نزيد من جهودنا الرامية إلى تزويد المعارضة السورية بما
يمكنها من الدفاع عن نفسها أمام الأسد، بحيث يصبح من الواضح أنه غير قادر
على الفوز بالمعركة، وأن عليه التفاوض على كيفية الخروج. ومثلما حدث في
ليبيا لا ينبغي أن تدخل قوات أميركية سوريا، ولا ينبغي لها أن تتدخل وحدها.
لدى شركائنا في المنطقة الأموال والأسلحة والأراضي اللازمة لبذل جهود
واسعة النطاق في تدريب وتجهيز المقاومة ضد الأسد وضمان استمراريتها وقدرتها
ومهنتيها وشموليتها. وتبدو تلك الدول على استعداد للقيام بذلك، لكن ما
نفتقر إليه، وما تعتقد كل من المعارضة السورية وحلفاؤنا الإقليميون أن
الولايات المتحدة هي وحدها القادرة على تقديمه، هو القيادة والتنظيم
والاستراتيجية. أعلنت إدارة أوباما العام الحالي التزامها بتقديم دعم «غير
مميت» للمعارضة.
ومع ذلك فإن الدعم «غير المميت» وحده لا يكفي. هناك حاجة إلى تنسيق
الجهود مع شركائنا الإقليميين وجعلها أكثر شمولا لدعم المقاتلين من المعسكر
المناهض للأسد بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية المرحلية والمساعدات
القتالية الأخرى. وتشير بعض التقارير إلى أن الجهود تتجه نحو تكثيف هذه
المحاولات على الأقل. وسيمثل هذا في حال حدوثه تطورا مرحبا به جديرا بدعم
الكونغرس. وستسهم مهمة التدريب والتجهيز، التي تتولى الولايات المتحدة
تنسيقها، في تحسين توحيد صفوف المعارضة وجعلها أكثر اتساعا، بحيث تشمل كل
الأطراف الفاعلة في المجتمع السوري وتؤثر على سلوكها.
يجب على المقاتلين السوريين الذين يريدون المساعدة رفض «القاعدة»
والإرهاب، والامتناع عن ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان وأعمال القتل
الثأرية، والامتثال لقيادة المعارضة المدنية وتسليم أي أسلحة تقع عليها
أيديهم. وفي الوقت الذي ينبغي أن تكون الأولوية فيه لتقوية وتوحيد المعارضة
المسلحة على الأرض، ربما لا يكفي ذلك لتغيير ميزان القوى ضد الأسد بالسرعة
المطلوبة. لهذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تبدأ مناقشات مع شركائنا
حول شن حملة جوية لمنع الأسد من قيادة قواته وإقامة مناطق آمنة على طول
الحدود مع سوريا، بحيث تتمكن المعارضة من تنظيم صفوفها داخل بلدها.
سيكون الطريق صعبا، فهناك العديد من العقبات التي تحول دون توفير
المساعدة لمقاتلي المعسكر المعارض داخل بلادهم. ومن المؤكد أن سوريا ستواجه
الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية خلال حقبة ما بعد الأسد. وسيتضمن
أي تدخل مخاطر، لكن من الواضح أنه من دون تدخل أكبر، سوف يقودنا المسار
الحالي إلى خطر أكبر متمثل في كارثة إنسانية واستراتيجية تتعلق بقيمنا
الأخلاقية ومصالح أمننا القومي. ويمكن تفادي هذه النتيجة من خلال تغيير
ميزان القوى العسكري داخل سوريا سريعا، ويعتمد هذا بالأساس على القيادة
الأميركية.
جوزيف ليبرمان
عضو مستقل في مجلس الشيوخ عن ولاية كونيتيكت الأميركية
خدمة «واشنطن بوست»