يسود التوتر شمال لبنان حيث قتل الأحد رجل دين سني برصاص حاجز للجيش،
وقطع مواطنون غاضبون طرقًا بالإطارات المشتعلة في طرابلس، أكبر مدن الشمال،
ومنطقة عكار حيث وقع الحادث، وعلى الطريق الساحلي جنوبًا وفي منطقة البقاع
شرقًا وفي بيروت.
وذكر مراسل وكالة فرانس برس أن سكان عدد كبير من المناطق السنية في
طرابلس وقضاء عكار في الشمال قطعوا عددًا من الطرق بالإطارات المشتعلة
والعوائق والأتربة، معبرين عن غضبهم من مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد والشيح
محمد المرعب الذي كان يرافقه.
وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن “عددًا من المحتجين قطعوا طرقًا” عدة
في غرب بيروت ووسطها بالإطارات المشتعلة احتجاجًا على مقتل الشيخ عبد
الواحد. كما شهدت مناطق في البقاع والطريق الساحلي الذي يوصل إلى الجنوب
عمليات قطع طرق. وأعيد فتح طريق الجنوب بعد ساعتين على إقفالها.
ويستمر التوتر رغم صدور دعوات عديدة من كل الشخصيات السنية في الحكومة
والمعارضة إلى التهدئة، وإعلان قيادة الجيش فتح تحقيق في مقتل الشيخ عبد
الواحد. وذكر مصدر أمني أن عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش تعمل على إعادة
فتح الطرق أمام حركة السير. ويكثف القياديون والمسؤولون اتصالاتهم من أجل
التهدئة.
ودعا رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي إثر اجتماع وزاري أمني ترأسه في
مقر رئاسة الحكومة المواطنين إلى “تحكيم العقل والإحساس بالمسؤولية
الوطنية”، وإلى “ضرورة فتح الطرق وعدم التعرض لمصالح الناس والمرافق
العامة”. وقال للصحفيين أن مقتل الشيخ عبد الواحد ورفيقه “محزن على جميع
اللبنانيين، والمؤلم أكثر أن الحادث وقع مع قوة من الجيش اللبناني في ظروف
مؤسفة لا بدّ أن تتضح معالمها من خلال التحقيق الذي يتولاه القضاء العسكري
المختص”. وأشار إلى أن هذا القضاء “لن يتوانى في اتخاذ الإجراءات المناسبة
في حق من يثبت تورطهم. لا حصانة لأحد والقانون يبقى فوق الجميع”. وأكد أن
“الحكومة ملتزمة تنفيذ هذه الإجراءات المسلكية منها والجزائية من دون أي
تلكؤ أو محاباة”.
وناشد الجميع “عدم تمكين أعداء لبنان من تحقيق مآربهم”، داعيًا إلى
التعامل مع الجيش اللبناني “تعامل الأبناء والاخوة”. وقال ميقاتي
“المسؤولية التي يتحملها السياسيون توازي المسؤولية التي يتحملها القادة
الأمنيون، وكما أن الخطأ الذي يتحمله الأمنيون قد يكون قاتلاً كذلك الخطأ
الذي يتحمله السياسيون يمكن أن يكون قاتلاً”، داعيًا إلى “وقف الخطاب
المتشنج”.وأضاف أن “الأولوية هي لصيانة السلم الأهلي وصيانة الاستقرار في
البلد”.
وكان مصدر في أجهزة الأمن اللبنانية أفاد أن الشيخين عبد الواحد والمرعب
قتلا برصاص عناصر من الجيش عندما رفض موكبهما التوقف على حاجز للجيش عند
بلدة الكويخات في منطقة عكار. إلا أن مرافق الشيخ عبد الواحد أكد لوسائل
الإعلام أن السيارة توقفت عند الحاجز الذي سمح لها بمتابعة سيرها، ثم عاد
بعض عناصر الحاجز وأوقفوها “وتعرضوا للشيخ بكلام غير مهذب وطلبوا منه
النزول من السيارة”. وعندما رفض الشيخ النزول وهمّ بأن يعود أدراجه
بالسيارة، “أطلقت النار بغزارة”.
والمعروف عن الشيخ عبد الواحد أنه من المنتقدين للنظام في سوريا، وينشط
في مساعدة النازحين السوريين. وشارك في مناسبات عدة داعمة “للثورة
السورية”. وكان الشيخ عبد الواحد لدى وقوع الحادث متوجهًا إلى مدينة حلبا
للمشاركة في احتفال للمعارضة اللبنانية.
وعبرت قيادة الجيش اللبناني “عن أسفها الشديد لسقوط الضحيتين، وتوجهت
بأحر مشاعر التضامن والتعازي إلى ذويهما”. وأعلنت أنها “بادرت على الفور
إلى تشكيل لجنة تحقيق من كبار ضباط الشرطة العسكرية، وبإشراف القضاء
المختص”.
وقال النائب المعارض خالد الضاهر في تصريح أدلى به بعد الحادث “لن نسمح
بأن نستهدف بهذه الطريقة” متهمًا عناصر الجيش بـ”استهداف” الشيخ عبد الواحد
ومضيفًا “ليسقط عملاء سوريا وإيران”.
ودعا رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى “عدم الانزلاق نحو أي فتنة أو تدهور أمني”.
واستنكر رئيس الحكومة السابق وزعيم تيار المستقبل سعد الحريري (سني)،
وهو أبرز أركان المعارضة، الحادث. وطالب “بمحاسبة العناصر التي أطلقت النار
على الشيخين الشهيدين ومن أمر بإطلاق النار عليهما”. إلا أنه نبّه “من
الانجرار إلى أي ردود فعل تستهدف نقل الفوضى”، مضيفًا “من الواضح أن هناك
مخططًا للنيل من مناطق لبنانية بعينها واستجرار الأحداث والمشاكل إليها
خدمة للنظام السوري وأدواته”.
وعقد اجتماع لفاعليات الشمال في منزل مفتي طرابلس مالك الشعار الذي أكد
بعد الاجتماع “أن العمل المجرم الذي تصرف به بعض من أفراد الجيش اللبناني
لن يزعزع ثقتنا بالجيش اللبناني ولا بالمؤسسة العسكرية”. وطالب الشعار،
باسم المجتمعين، رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وقائد الجيش ومؤسسة
القضاء “الإسراع بمعاقبة المسؤولين عن تلك الجريمة النكراء”. كما ناشد
المجتمعون “أهل عكار وطرابلس والشمال ضبط النفس وأن لا ينجروا إلى ردات
فعل”، محرمين قطع الطرق.
ويأتي هذا التوتر بعد أيام على توقف المعارك في مدينة طرابلس بين سنة
مناهضين للنظام السوري وعلويين من انصار النظام أوقعت عشرة قتلى. وتسبب
التوتر بانتشار الشائعات في البلد، وتم تناقل رسالة عبر الهاتف الخليوي حول
إقفال كل المدارس والجامعات غدًا الاثنين، إلا أن وزير التربية نفى ذلك.
في المقابل، أعلنت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية (سنية) “إقفال جميع
مدارسها في بيروت والمناطق غدًا الاثنين، حدادًا على استشهاد الشيخ أحمد
عبد الواحد، وبسبب قطع الطرق التي تؤدي إلى المدارس، وذلك حرصًا على سلامة
التلاميذ”.