الكل يشعر بأن فوق رأسه علامة استفهام؛ هل تفجيرات دمشق من صناعة النظام
السوري المتصدع أم هي أفعال تنظيم القاعدة؟ وهل هناك فرق بين الإرهاب الذي
تنفذه الأنظمة المعترف بها دوليا والتي تمتلك سفارات منتشرة حول العالم
وعلما يرفرف أمام مبنى الأمم المتحدة، وإرهاب المنظمات السرية المختبئة في
الكهوف والغابات والملاحقة دوليا؟
نظريا الإرهاب هو الإرهاب حتى لو ارتكبه بان كي مون.
إذا لم يسقط النظام السوري عاجلا لن يكون إرهاب تنظيم القاعدة أسوأ مما
سيحصل للسوريين، «القاعدة» في الأساس لم تكن غريبة على سوريا التي كانت
محطة لعبور أفواج من التنظيم من وإلى العراق، ولن يكون من المستغرب أن
يستعين بها النظام لتخويف الغرب وابتزازه. سيكون تنظيم القاعدة واحدا من
الضيوف المدعوين، ستتحول سوريا كلها إلى منظمة إرهابية، ستصبح نقطة تجمع
وانتشار للإرهاب، وسيستوطنها أهل الجريمة والعصابات الهاربة من العدالة
فتصير كالصومال واليمن وأفغانستان.
النظام السوري وحلفاؤه يعرفون أن الوضع في سوريا لن يعود كما كان، لن
ترجع الشرعية للأسد، ولا يستطيع أحد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ولن
يجد بشار الأسد دولة عربية أو إقليمية تحترم القانون وحقوق الإنسان تعامله
كرئيس. عمليا انتهى دور بشار الأسد كرئيس دولة، هو الآن رئيس فصيل يكسب
يوما ويخسر آخر أمام خصومه. هذا الوضع الضبابي ليس سيئا بالنسبة لحليفته
الأكبر إيران كما تبدو الصورة، والتي تطمع في أن تحقق من سوريا العليلة
أكثر مما حققته من سوريا المتعافية. الواقع أن إيران ما دخلت قرية إلا
وأفسدتها، وحولتها إلى كائن مريض، فتخلخل قواها، وتتسلل إلى عمقها
الاجتماعي فتضعفها وتمزقها، وهنا تحيا وتنتعش وتؤثر، ويصبح لها بالنهاية
اليد العليا على أبناء الدولة نفسها.
إيران تريد من سوريا أن تكون شوكة أخرى في الخاصرة العربية، منقوصة
السيادة كما فعلت بلبنان، ومعقلا لتسمين الإرهابيين كما في اليمن، وغرفة
توليد لخلايا نائمة لاستخدامها وقت الحاجة كما في البحرين، وورقة لابتزاز
أميركا والغرب كما هو حال العراق. سيكون من دواعي سرور النظام الإيراني أن
يضيف سوريا إلى قائمته.
الغرب مشغول بمراقبة خطوات طهران في رحلتها نحو بوابة التسلح النووي،
وهو يراها في كل خطوة تخطيها في هذا الاتجاه تزرع ألغاما في كل مكان. فما
قيمة بوابة النووي إن تحولت كل المنطقة إلى مواقع قابلة للانفجار؟ لن يكون
هناك خط رجعة لأحد، لا لإيران ولا لغيرها.
إيران تخادع العالم بملفها النووي وتمارس المراوغة منذ عام 2005 وقت
اكتشاف بنائها لمفاعلات نووية. كلما حاصرها الغرب بسبب مستوى تخصيب
اليورانيوم أشعلت بغداد بالعنف، كلما صرح الأميركيون بأن إيران بعيدة عن
امتلاك القوة النووية سارعت بإعلان تركيبها لمزيد من أجهزة الطرد المركزي،
كلما أذيع خبر صفقات تسليح لدول الخليج مع أميركا أو أوروبا عمدت إيران إلى
إطلاق صاروخ روسي الصنع إيراني الاسم قادر على حمل رؤوس نووية. لقد خسرت
المنطقة من التفاوض مع إيران في ملفها النووي أكثر من خسارتها لو أصبح لكل
دولة في المنطقة درعها النووية الخاصة.
ظنت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي أن إيران تشاغب في المنطقة
العربية لتقوي موقفها على طاولة المفاوضات بشأن نشاطها النووي، في حين أن
العكس هو الصحيح، أي أنها تساوم على ملفها النووي من أجل فرض مشاريعها
التوسعية في الدول العربية.
السوريون يذبحون كل يوم أمام المجتمع الدولي على يد شبيحة النظام السوري
والحرس الثوري الإيراني، والولايات المتحدة الأميركية – الملوم الأول –
تلاحق البنوك الإيرانية ورجال الأعمال السوريين المحسوبين على النظام
بالتضييق عليهم وتجميد أرصدتهم! منذ اندلاع الثورة السورية، دعا الرئيس
الأميركي باراك أوباما، بشار الأسد للتنحي أكثر من عشر مرات، وكذلك فعلت
وزيرة خارجيته، ومندوبته في الأمم المتحدة. الأميركيون يتعاملون مع شخصية
إرهابية مثل الأسد بالنداءات والمناشدة. أميركا بسياستها الناعمة وانحيازها
للرغبة الإسرائيلية بالإبقاء على نظام الأسد ستدفع الثمن غاليا.
والديمقراطيون الذين يعايرون الجمهوريين بالعراق وأفغانستان ارتكبوا إثما
أكبر بتراخيهم في القضية السورية. كل دول الجوار لن يأمنوا بالنوم بجانب
سوريا التي تريدها إيران. حتى العراق الذي يعيش اليوم فترة نقاهة من عنف
دام عشر سنوات عليه أن يتذكر أنه كان يحذر سوريا آنذاك بأن لا تكون محطة
عبور لفلول «القاعدة» التي كانت تستهدف حياة العراقيين.
أبدا، لن تسلم اليد التي تعبث بنار الإرهاب.
إن التعجيل بإسقاط نظام الأسد ليس فقط انتصارا إنسانيا للشعب السوري
المغلوب والمقهور الذي يستصرخ كل يوم، ولا تحقيقا لمبادئ القانون الدولي
الذي يسعى للعدالة والسلام، بل هو ضرورة استراتيجية لاستقرار وأمن المنطقة
والعالم.
أمل عبد العزيز الهزاتي