إلى الأخ الدكتور برهان غليون
أخاطبك أخي وأقول لك ، لقد كنتُ ممن رفع شعار المجلس الوطني يمثلني, ومازلت أؤمن بثلاثية الحراك الشعبي والجيش السوري الحر والمجلس الوطني كمكونات تحمل في طياتها النصر لثورتنا بإذن الله.
علاوة على ذلك, فلقد كنت من المتابعين لأعمالك منذ سنين مضت, وتابعت بشغف مقابلاتك مع قناة الجزيرة قبل الثورة السورية بسنين. عندها دار حديث بيني وبين أصدقاء لي بعد السماع لأفكارك الرافضة للاستبداد, خلاصته كانت أن لعن الله آل الأسد الذين حرموا سوريا من آلاف المثقفين أمثالك وأن شخصاً مثلك وجب أن يكون داخل الوطن يدرس في جامعاته ويساهم بتقدم التحصيل العلمي فيه.
أما الآن, وبعد مضي أكثر من ستة أشهر على إنشاء المجلس الوطني ورئاستكم له, فمن حقنا لا بل من واجبنا أن نقف سوية لنقيم أداء المجلس تحت رئاستكم وتوجيهاتكم.
قد يقول البعض أن ستة أشهر هي فترة قصيرة لا تمكن زعيماً ما من إنجاز ما هو ملموس على الأرض. هذا قد يكون صحيحاً في حالة تزعم دولة فيها مئات المؤسسات وملايين البشر, وإرث من المشاكل ولائحة طويلة من المتطلبات. أما في حالتكم أخي, فالمهمة كانت واضحة رغم عدم سهولتها. ألا وهي البرهنة على القدرة على القيادة أولاً... قيادة الثورة والثوار, والقدرة على الإدارة ثانياً... إدارة الأزمات, إدارة المجلس لنفسه, وإدارة نشاطات المجلس كاملة وتنسيقها مع الثورة على أقل تقدير. فنحن في معركة تقيم بشكل يومي حتى وليس شهري.
هل تدركون ما هي نظرة الثوار في الداخل للمجلس الوطني؟ متى آخر مرة رأيت مظاهرة في الداخل تطالبكم بالتحرك؟ هل تدري لماذا؟ لأن ثوار الداخل استكانوا إلى حقيقة أن المجلس قد تخلف عن ركب الثورة بأشواط طويلة وهذا أسوء مكان يكون فيه المجلس الذي من المفترض أن يساهم معنا في قيادة هذه الثورة. فالثوار لم يعودوا مهتمين حتى بالتعبير عن خيبة أملهم بأداء المجلس, بل نسوه....وهذا تحذير بأن المجلس قد فشل بمهمته القيادية.
هذه الستة أشهر كانت بمثابة أطول مقابلة عمل في تاريخ سوريا. لقد طلبتم من الشعب السوري أن يستمع لما عندكم ويعطيكم فرصة بتقدمكم لهذا الشاغر, شاغر القيادة العامة للثورة وربما قيادة البلد بعد الثورة. لقد استمعنا إليكم عبر هذه المقابلة الطويلة, ورأينا بأم أعيننا كيف فشلتم بإعادة هيكلة المجلس, وكيف دبت الخلافات بين الأعضاء وكيف اضطر بعضهم للانشقاق, وكيف ذهبتم من مؤتمر لآخر لتصدر التصاريح الفعالة ليس منكم, بل من دول لا علاقة لها بالثورة سوى دعمها المعنوي لنا, كالسعودية وقطر. كل هذا, ولم يمر يوماً واحداً لم يسقط فيه شهداء منّا هنا داخل سوريا. أما أنتم, فقد أعلنتموها صراحة أنكم فشلتم حتى بأمر بسيط كإعادة الهيكلة ل 300 شخص!
لا أريد أن أقول لك ما هي نتيجة هذه المقابلة, ولكن سأسألك شخصياً, وأنت الأكاديمي المخضرم, ماذا سيكون رأيك بفريق عمل ورئيسه إن استعرضت منجزاتهم في هذه الفترة التجريبية. كيف سيديرون بلد أو يعيدون هيكلته وهم فشلوا في فعل هذا لمجلس كيانه 300 شخص, وهم من أسسه أصلاً؟ فالتأسيس الأصلي فشل مما تطلب إعادة هيكلة, وإعادة الهيكلة فشلت مما يتطلب, برأي, استقالات ومحاسبة على هذا الوقت المهدور والتقصير بحق آلاف الشهداء. فالمجلس فشل إدارياً.
لقد ثرنا على نظام غابت عنه الشفافية والديمقراطية وقام على أساس المحسوبيات وغياب المحاسبة, وحول الفشل نجاحاً وتبريرات التقصير كانت دائماً جاهزة. لقد كان يقال لنا أن القائد هو أدرى من الشعب بمصلحته, وأننا في ظروف مواجهة فلا وقت لدينا لكماليات مثل الديمقراطية أو حقوق مواطن أو محاسبة مقصر. لم يكن هناك صوت يعلو على صوت القائد. فهو الأدرى بالظروف الدولية والمحلية مننا جميعاً. ولا أريد أن أسقط كل هذا على المجلس والظرف الحالي, ولكن الفكرة وصلت.
هذه الستة أشهر هي في الحقيقة وقت طويل جداً. فنحن بحالة معركة حقيقية ولا وقت للتجارب وللتمرن على القيادة في ظروفنا هذه. القيادة أخي هي خاصية تولد بالفطرة مع الشخص, أو يتعلمها ويتقنها كمهنة. ولكنها بالنهاية ليست للجميع, شأنها بهذا هو شأن أي ميزة إنسانية أخرى, قد يتقنها بعضنا وقد لا يتقنها. اختيار هذا القائد المناسب هو جزء من واجبنا جميعاً. فغياب القيادة الفعالة يهدد مستقبل الثورة ويهددها بالتفتت.
المجلس الوطني ككيان هو ملك الثورة. كن يا أخي على عهدنا الأول بك كإنسان واع, أثبت إنسانيته وكراهيته للاستبداد. كفاكم تجارب في هذا الوقت الثمين. كن على قدر من المسؤولية كما كان ساركوزي عندما تحمل مسؤولية فشل حزبه كاملة. نعم, نحن لسنا على دراية بالتفاصيل الدولية والخطوط الحمراء التي قد تكون رسمت لكم كمجلس أو لشخصكم كرئيس للمجلس, ولكننا على دراية لأين أوصلتم المجلس. فهو في الخلف, ونحن نريده في الأمام.
أطلب منك أخي الدكتور أن تفسح مجالاً لأحد آخر أن يقود هذا المجلس, وسيكون لك مكان آخر في الثورة تبدع فيه إن شاء الله. وليكن الإخلاص والغيرية هما عنوان المرحلة القادمة. فأنتم مدينون لنا جميعاً, فالمجلس الوطني يمثلنا .... ولكن.
الثائر المتفائل