يجهز النظام السوري، بالتعاون مع حلفائه الإقليميين، منظومة متكاملة من
البلاغات والبيانات، التي تشبه البيان الرقم واحد في عصر الانقلابات، وذلك
في محاولة التفافية على حقيقة الأوضاع في سورية، بقصد إنتاج حقيقة خاصة به،
واعتبارها أساساً للتفاوض مع المجتمع الدولي، ومن خلفه السوريون الثائرون
عليه.
مفاد هذه الحقيقة سيطرة النظام على الوضع وانتهاء الأمر لمصلحته، وأن
قضايا من نوع تنحي رأس النظام أو إسقاط النظام برمته، أصبحت وراءه، وما على
الآخرين سوى أن يبحثوا عن مخرج «لحفظ ماء الوجه» على اعتبار أن النظام قد
قضى على الثورة وانتهى الأمر إلى غير رجعة، وأن النظام، فوق هذا، خرج أقوى
مما كان وعلى الآخرين أن يتحسسوا رؤوسهم!
وقد تم تدشين هذه المنظومة والإعلان عن بدء العمل بها عقب زيارة رأس
النظام إلى بابا عمرو، ثم تبعته تصريحات حسن نصرالله عن سيطرة النظام على
الوضع، وتأكيد الناطق باسم الخارجية السورية بأن معركة إسقاط الدولة قد
انتهت! لتكمله بعد ذلك تصريحات كل من المالكي ولافروف، ما يؤكد صدور أمر
عمليات واحد لكل هذه الأطراف.
وفي الحقيقة لا يعدو هذا النمط من البروباغندا السياسية كونه نوعاً من
استراتيجية القفز إلى الأمام، المقصود بها إغراق الطرف الآخر في حالة من
الإحباط، والإيهام بأن الأمور على الارض آلت لمصلحة النظام. والواضح أن
جلاوزة النظام وكهنته قد بنوا هذه الرواية بناءً على قراءتهم للواقع
الدولي، وحالة العجز الكبيرة التي يصدر عنها هذا الواقع في معالجته الأزمة
السورية، وليس بناءً على وقائع الميدان في سورية والتي هي في اتجاه مختلف
تماماً.
لم يلمس الواقفون على الأرض السورية أي تغيير من هذا القبيل، بل على
العكس، ثمة معطيات باتت ثابتة تؤكد أن النظام يمر في أسوأ أحواله، وأن
الثورة على رغم كل الجراح التي أصابتها نتيجة القتل والتدمير الممنهجين،
باتت أكثر قدرة على التجذر والصمود وأشد اقتراباً من الأهداف التي رسمتها
لنفسها. وإذا كان النظام يجعل من دخوله إلى بابا عمرو معياراً لانتصاره،
فالحقيقة أن أحداً في سورية لم يتوقع أن يصمد هذا الحي أمام قوة غاشمة أكثر
من ساعات معدودة. أما وقد صمد قرابة الشهر فذلك أعطى مؤشراً عكسياً لقوى
الثورة، استفادت من تجربته، وهي تفتتح عشرات بابا عمرو في أنحاء سورية
الأربعة.
إضافة إلى ذلك، فإن الجيش الحر بالنسبة للنظام بات أشبه بعدو شبحي قد
يستنزف ذخائره وعتاده من دون أن يحقق انتصارات واضحة عليه لما يمتلكه من
مرونة في التنظيم والحركة. ثم إن المكون العسكري في الثورة السورية هو مكون
طارئ أفرزته حالة التمرد داخل الجيش نتيجة عصيان الأوامر القاضية بقتل
المدنيين، ولم يكن في حساب الثورة أو من ضمن خياراتها، وقد عملت الثورة على
تطوير قدراتها في مسارات ومسالك مختلفة، وأصبح الجيش الحر فيما بعد إضافة
إلى قوة الثورة وليس ركيزتها الأساسية.
ترى أين الثورة التي انتهت في سورية، وما هي ملامح نهايتها، هل في إخلاء
حمص وإدلب وحماة ودرعا من سكانها، هل هي في تكدس هؤلاء المهجرين في دمشق
وحلب، ألا يدرك النظام أن الثورة بدأت تعيد صوغ نفسها بتنظيم أكبر، وأنها
أضافت إلى محفزاتها قوة جديدة؟ ألم ير النظام أن الثورة صارت تحت شرفة قصر
الرئاسة؟
غازي دحمان
البلاغات والبيانات، التي تشبه البيان الرقم واحد في عصر الانقلابات، وذلك
في محاولة التفافية على حقيقة الأوضاع في سورية، بقصد إنتاج حقيقة خاصة به،
واعتبارها أساساً للتفاوض مع المجتمع الدولي، ومن خلفه السوريون الثائرون
عليه.
مفاد هذه الحقيقة سيطرة النظام على الوضع وانتهاء الأمر لمصلحته، وأن
قضايا من نوع تنحي رأس النظام أو إسقاط النظام برمته، أصبحت وراءه، وما على
الآخرين سوى أن يبحثوا عن مخرج «لحفظ ماء الوجه» على اعتبار أن النظام قد
قضى على الثورة وانتهى الأمر إلى غير رجعة، وأن النظام، فوق هذا، خرج أقوى
مما كان وعلى الآخرين أن يتحسسوا رؤوسهم!
وقد تم تدشين هذه المنظومة والإعلان عن بدء العمل بها عقب زيارة رأس
النظام إلى بابا عمرو، ثم تبعته تصريحات حسن نصرالله عن سيطرة النظام على
الوضع، وتأكيد الناطق باسم الخارجية السورية بأن معركة إسقاط الدولة قد
انتهت! لتكمله بعد ذلك تصريحات كل من المالكي ولافروف، ما يؤكد صدور أمر
عمليات واحد لكل هذه الأطراف.
وفي الحقيقة لا يعدو هذا النمط من البروباغندا السياسية كونه نوعاً من
استراتيجية القفز إلى الأمام، المقصود بها إغراق الطرف الآخر في حالة من
الإحباط، والإيهام بأن الأمور على الارض آلت لمصلحة النظام. والواضح أن
جلاوزة النظام وكهنته قد بنوا هذه الرواية بناءً على قراءتهم للواقع
الدولي، وحالة العجز الكبيرة التي يصدر عنها هذا الواقع في معالجته الأزمة
السورية، وليس بناءً على وقائع الميدان في سورية والتي هي في اتجاه مختلف
تماماً.
لم يلمس الواقفون على الأرض السورية أي تغيير من هذا القبيل، بل على
العكس، ثمة معطيات باتت ثابتة تؤكد أن النظام يمر في أسوأ أحواله، وأن
الثورة على رغم كل الجراح التي أصابتها نتيجة القتل والتدمير الممنهجين،
باتت أكثر قدرة على التجذر والصمود وأشد اقتراباً من الأهداف التي رسمتها
لنفسها. وإذا كان النظام يجعل من دخوله إلى بابا عمرو معياراً لانتصاره،
فالحقيقة أن أحداً في سورية لم يتوقع أن يصمد هذا الحي أمام قوة غاشمة أكثر
من ساعات معدودة. أما وقد صمد قرابة الشهر فذلك أعطى مؤشراً عكسياً لقوى
الثورة، استفادت من تجربته، وهي تفتتح عشرات بابا عمرو في أنحاء سورية
الأربعة.
إضافة إلى ذلك، فإن الجيش الحر بالنسبة للنظام بات أشبه بعدو شبحي قد
يستنزف ذخائره وعتاده من دون أن يحقق انتصارات واضحة عليه لما يمتلكه من
مرونة في التنظيم والحركة. ثم إن المكون العسكري في الثورة السورية هو مكون
طارئ أفرزته حالة التمرد داخل الجيش نتيجة عصيان الأوامر القاضية بقتل
المدنيين، ولم يكن في حساب الثورة أو من ضمن خياراتها، وقد عملت الثورة على
تطوير قدراتها في مسارات ومسالك مختلفة، وأصبح الجيش الحر فيما بعد إضافة
إلى قوة الثورة وليس ركيزتها الأساسية.
ترى أين الثورة التي انتهت في سورية، وما هي ملامح نهايتها، هل في إخلاء
حمص وإدلب وحماة ودرعا من سكانها، هل هي في تكدس هؤلاء المهجرين في دمشق
وحلب، ألا يدرك النظام أن الثورة بدأت تعيد صوغ نفسها بتنظيم أكبر، وأنها
أضافت إلى محفزاتها قوة جديدة؟ ألم ير النظام أن الثورة صارت تحت شرفة قصر
الرئاسة؟
غازي دحمان