بأنها تتحجج وتتهرب من اتفاق مع المعارضة السورية لا سيما مع المجلس الوطني
السوري، بسبب خوفها من الوقوع في مطب التخندقات، وتاليا أن تُجبر على
الوقوف مع طرف ضد طرف آخر في المعارضة، فتح المجلس الوطني الكردي بعد
اجتماعه الاعتيادي الذي عقده في القامشلي قبل أيام الباب مع المعارضة على
مصراعيه بناء على ما قرأناه في بيانه السياسي المرحلي الذي يتلخص في
التعامل السلس والبعيد عن الحساسية والتشنج المفرط مع المعارضة. لم يقف
الكرد في حدود هذا الوضوح في آلية التعامل مع المعارضة، إنما فككوا رموز
الفيدرالية ومسألة حق تقرير المصير، التي صارت مذمة تعلق بعض الجهات عليها
لتشويه صورة الكرد السوريين على أنهم أصحاب نوايا مبيتة بطرحهم مبدأ حق
تقرير المصير مع أن هذا حق للفرد، فكيف إذا كانوا شعبا؟
أوضح الكرد من خلال بيانهم الناضج والمهم، أنهم يريدون من الطرف العربي
في المعارضة السورية أن يقبلوهم على أنهم القومية الثانية في البلاد ويجب
أن يتمتعوا بحقوقهم وفق ما يشرع لهم في العهود والمواثيق الدولية. ونعتقد
أن ما يطلبه الكرد صار واضحا ولا تشوبه الضبابية والغموض، والأهم أنهم
استوعبوا كم أن الشعارات القابلة للاجتهادات الكثيرة تتعب أصحابها قبل
غيرهم، وأن مفهوم «اللامركزية السياسية» الذي طرحه المجلس الوطني الكردي
فتح الباب أمام التأويلات وأعاد إلى الأذهان ما كان يقال عن الكرد قبل
الثورة السورية؛ إذ إن غالبية الشرائح السورية كانت تصدق ما كان يقوله
النظام عن الكرد. ولعل طرح هذا المفهوم دون الخوض في فك شروط تطبيقه
والأسباب التي دفعت بالكرد لتبني مثل هذا المفهوم، ترك للقوميين العرب
والإسلاميين النظر إلى الكرد على أنهم عامل مهدد وليسوا عاملا يساعد في
بناء الانسجام الوطني في الوقت الذي يفرض وضع بلادنا التفكير الجدي في بناء
حالة من الانسجام الوطني عموديا أفقيا (أقصد في حالة المعارضة)، وذلك لعدم
ترك مصير شعوبنا في سوريا تحت رحمة الحروب الأهلية والصراعات المحلية.
يمكن القول، إنه منذ يومين صارت الشرائح الواسعة من النخبة الكردية
تتنفس الصعداء لأن بقاء الكرد وشعاراتهم في حالة من الدوامة يدفع بالنخب
الحزبية والسياسية الكردية إلى أن تبقى متحيرة؛ فالبقاء في الوسط في حالة
العواصف له عواقب وخيمة، وتبعا لذلك، يفترض على الجميع أن يبنوا حالة
الثبات السياسي والتصوري لمصير البلاد والعباد.
ولا نستغرب أن المعارضة السورية قد ساعدت الكرد كثيرا في نقل حالهم إلى
الشفافية والوضوح، وأن الأوراق والوثائق التي أصدرتها المعارضة السورية في
الفترة الأخيرة، صارت ورقة الضغط من قبل الشارع الكردي على مؤسساتهم التي
يأمل الكرد أن تكون الممثل الشرعي لشارعهم السياسي والشعبي. وثيقة المجلس
الوطني الخاص بالكرد وورقة الدكتور حازم نهار، ورؤية هيئة التنسيق الأخيرة
في باريس.. هكذا اقترب الكرد إلى المعارضة. والحق أن هذه الأوراق والوثائق
تمت صياغتها بلغة وثقافة راقية جدا، لذلك، فإن عدم انسجام الكرد وابتعادهم
عن المعارضة السياسية (الكرد منسجمون مع حالة الثورة بمقدار مائة في
المائة) هو من مسؤولية المعارضة السورية قبل أن يكون من مسؤولية المعارضة
الكردية، ولعل الشارع الكردي يقول إن وضع المعارضتين سيكون أحسن لو تقبل
المجلس الوطني نقل مكان مشورته من إسطنبول إلى إحدى العواصم العربية حيث إن
النفوذ التركي في المجلس الوطني، ودون إعطاء الضمانات للكرد، بات يشغل
الكرد ويعوق تواصل الطرفين؛ فمسألة الكرد السوريين مسألة سورية بامتياز.
ولو احتاج الطرفان إلى أخذ مشورة أوسع آفاقا، فلعله يجب اللجوء إلى العرب
ومؤسساتهم وليس إلى الترك الذين يحسبون مائة حساب لكي لا يبلغ الكرد مكان
صنع القرار السوري. ومن الجانب الكردي، برأ مسعود بارزاني لوفد المجلس
الوطني ذمته وأكد على إيجابيته في التعاون، لكنه أصر على أن الكرد السوريين
هم من يقررون كيف يكون وضعهم وليس بارزاني. أما جانب المعارضة، فهو ما زال
في حالة من الارتباك في مقاربته للقضية الكردية، وهذا ما لا يخدم الوضع
وطنيا وسياسيا، والسؤال: متى سنتحرر من التبعية السياسية للجهات الإقليمية
التي هي أيضا تتعامل مع وضعنا بأجندات مصلحية مثلها مثل الدول العظمى؛
روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة… إلخ؟
بقي القول إنه لم يعد بين الطرفين من التباس في الفهم السياسي، وربما،
في الاجتماع المزمع عقده مع الجامعة العربية، يترتب على كل من أطراف
المعارضة الانتقال إلى المرحلة الأخرى من التنسيق وبناء الشراكة السياسية،
وسيكون جميلا لو تتم توافقات في الرؤى بين هذه المعارضة؛ على أن لا نسمع في
الأيام المقبلة مصطلح «المعارضة الداخلية» و«المعارضة الخارجية»، وأن لا
تخرج الأجندات خارج الإطار السوري والعربي، وهذا ما سيكون مفتاحا لبناء
الشراكة السياسية بين كل أطياف المعارضة الديمقراطية والثورية والقومية.
والسؤال: هل بات سؤال وحدة المعارضة أمرا يؤخذ في أولويات الترتيبات لدى
المعارضة في الوقت الذي ما زال فيه السوط يفعل فعله؟ أوَلم يستفد السوريون
من خطة أنان أي فائدة؛ حتى الآن على الأقل؟!
فاروق حجي مصطفى