الايام القليلة الماضية في كل من دمشق وحلب خصوصاً، ان حل الازمة المندلعة
منذ زهاء 15 شهراً لا يزال بعيد المنال او هكذا يبدو، سواء الحل الامني
الذي تعتمده السلطات او الحل الدولي – العربي الذي يتعثر عند بنده الاول.
فالحكم السوري يستخدم كل ما لديه من قوة وقدرة سياسية من أجل فرض حله،
من دون ان يتمكن من الوصول الى هدفه. المعارضة الداخلية لا تزال معبأة في
الشارع حيث يمكنها ذلك، فتتظاهر وتقدم الضحايا، من دون ان تتمكن من فرض
وتيرة اصلاحية تطالب بها. و»الجيش الحر» الذي اعلن ان مهمته حماية
المتظاهرين يجد نفسه عاجزاً حتى عن حماية أنصاره من آلة القتل الرسمية. اما
المعارضة السياسية في الخارج، خصوصاً «المجلس الوطني»، فهي مشغولة
بأوضاعها وخلافاتها والتفاوت في تقديراتها وتكتيكاتها اكثر من التركيز على
كيفية الخروج من مأزق اللاحل. والمجتمع الدولي وصل الى اقصى ما تسمح به
الظروف الحالية، عبر اجماع مجلس الامن على خطة كوفي انان، لكنه ما زال
عاجزاً عن تثبيت تنفيذ البند الاول من اجل الانتقال الى الحل السياسي.
الواقع ان الحكم السوري لا يزال قادراً على فرض وتيرته على الوضع،
انطلاقاً من تصوره للحل الممكن. وليس من دون معنى، انه يعتبر ان البلاد
تستعيد عافيتها، والسلطات الحكومية اعادت فرض سيطرتها والمواطنين مقتنعون
بخطواته الاصلاحية، الى حد انه دعاهم الى الاقتراع في انتخابات تشريعية
غداً. وبغض النظر عن هذه الخطوة السوريالية المتعلقة بانتخابات في مثل هذا
المناخ الذي يحاكي الحرب الاهلية، يقوم الحكم في الوقت نفسه بحملات أمنية
واسعة تركز اساساً على ضرب معاقل «الجيش الحر» وعلى اعتقالات واسعة في صفوف
النخبة. ما يعني بالنسبة اليه ان القمع الدموي وكتم الانفاس هما الوجه
الآخر للاصلاح الذي ينوي القيام به. ولتتحول انتخابات الغد جزءا لا يتجزأ
من الحل الامني المعتمد منذ اليوم الاول لانتفاضة الشعب السوري. وبذلك يكون
هذا الحكم وفياً لنظرته الى ادارة الشؤون السورية منذ «الحركة التصحيحية»
في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1970. اذ شكّل العنف أداة الحكم ولم تكن
الانتخابات و»الجبهة الوطنية» الا الواجهة التي تخفي هذا العنف السلطوي.
فالحركة التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد أطلق عليها اسم «التصحيحية»،
في اشارة الى مهمتها الاصلاحية التي انحرف عنها الرفاق في الحكم قبل 1970.
وحصيلة هذا الاصلاح كانت إنهاء أي دور للأحزاب والنقابات والمعارضة عموماً
والزج في السجون لأي صوت مختلف، وتغول الاجهزة الامنية على كل المستويات،
وصولاً الى حملات أمنية واسعة على مناطق «متمردة»، كما حصل في حماة ومناطق
أخرى.
كل ذلك باسم الاصلاح وحماية الكادحين والفقراء والفلاحين الذين ازدادوا
فقراً وتراجعاً في وضعهم المعيشي لمصلحة فئات ذات نشاط اقتصادي هامشي داخل
الحكم أو متحالفة معه راكمت الثروات الطائلة.
وظل الحكم الحالي، برئاسة الدكتور بشار الأسد، وفياً لهذه النظرة الى
الحكم، وربما اكثر تمسكاً بها بعدما انهارت نظرية «الممانعة» التي ظلت
لسنوات، مثل الاصلاح والتصحيح، الغطاء لطبيعة الحكم.
ومن هنا، يعتبر الحكم ان أي تراخ أمني، مثل وقف النار أو الامتناع عن
مطاردة المعارضين (سلميين أو مسلحين) واعتقالهم وقتلهم، يتوازى في الأهمية
مع أي تراخ على المستوى السياسي. اذ كلاهما يشكل بداية النهاية لهذا النوع
من الحكم. وبذلك تكون وظيفة انتخابات الغد هي نفسها التي تنفذها الدبابات
والأسلحة الثقيلة في مواجهة الحركة الاحتجاجية.
عبد الله اسكندر