في مثل هذه الأيام من العام المنصرم نفذ النظام السوري مجزرة مروعة في
حق أبناء القرى الشرقية من محافظة درعا. هذه المجزرة تتجاوز مجازر الصهاينة
في فلسطين ومجازر جورج بوش في العراق. أو مجازر جنكيز خان في بلاد
المسلمين. إذ علينا أن نتفق أن أولمرت دمر غزة مفترضاً أن أهل فلسطين هم من
الأعداء الذين يجب مقاتلتهم ومن الرؤية ذاتها انطلق المجرمون الذين يفتكون
بالبشر والحجر الأمريكيون أو الصهاينة أوغيرهم. لكن بشار الأسد ارتكب
المجزرة بحق الشعب الذي من المفترض أن يدافع عنه بوصفه رئيساً للبلاد في
تلك الآونة. ولكل ما سبق فإننا نود أن نعيد التوكيد أن المجزرة سابقة
تاريخية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
وقعت مجزرة صيدا يوم 29/4/2011، حيث تعرضت مدينة درعا لمحاصرة شبيحة
الأسد وكتائبه، ومنعت من الطعام والشراب، وقطعت عنها الكهرباء والماء.
واستغاث أهلها بعموم أهل حوران من أجل إدخال الطعام إليها، ولنقل على الأقل
إدخال حليب الأطفال والخبز. ولقد لبى أهل محافظة حوران ذلك النداء واجتمع
أهل القرى الشرقية واتفقوا على الذهاب إلى مدينة درعا، فنصبت لهم كتائب
الأسد كميناً عند مساكن الضباط في قرية صيدا، وهناك هاجمتهم بإطلاق النار
الحي فقتلت عشرين ومائة شهيد بدم بارد.
للأسف فإن كثيرا من وسائل الإعلام تجاهلت تلك المجزرة، ولم تعطها حقها
من التغطية، ولعل ذلك راجع إلى تغطية النظام على الجريمة، إذ عمد إلى إعادة
الجثث للأهالي على دفعات ليخفف من صدمة المذبحة التي ارتكبها،ولعل ذلك
ناجم أيضاً عن عدم اتخاذ مواقف سياسية واضحة في تلك المرحلة من ثورة الشعب
السوري.
في تلك المجزرة تم اعتقال الطفل حمزة الخطيب من قرية الجيزة المحاذية
لقريتي \”الطيبة\”. لكن أحدا لم يكن ليتصور أن شبيحة الأسد ما هم إلا وحوش
في أشكال آدمية، فقد انقضوا على من تبقى من مظاهرة فك الحصار عن درعا،
وتقصدوا أن يعتقلوا الأطفال بالذات تأكيداً على ما عملوه سابقاً من اعتقال
أطفال درعا الذين كتبوا عبارة \”جاك الدور يا دكتور\” على جدران مدارسهم.
أيضاً فإن الأوامر كنت تقضي باعتقال الأطفال بقصد إذلال أهليهم، وتعهدهم
بالسكوت المطلق على جرائم النظام. لكن الأسد لم يدرك أن شعار محافظة درعا
كان \”الموت ولا المذلة\”.
عاد حمزة الخطيب بعد أسابيع إلى أهله جثة هامدة لا حراك فيها، وكان قد
تعرض لأقسى أنواع التعذيب الذي لا يتقنه الشيطان نفسه، وأقل شيء تعرض له،
أن قوات الأسد جبّت ذكره. ولا نعرف على وجه التحديد ما معنى هذه العقوبة،
حيث يعتقد علماء النفس أن رغبة الكبير بجب ذكر الصغير ناتجة في غالب
الأحوال عن أن الكبير عنين\” بكسر العين وتشديد النون \” ولكنه عنين
نفسياً. وليس مجال هذه المادة الحديث عن ذلك المرض الغريب.
كلما تذكرت الشهيد حمزة الخطيب والعذاب الذي تعرض له تذكرت كلمة ألقاها
بشار في قمة غزة التي عقدت في الدوحة عام 2009، وكان مما قاله في تلك
الكلمة\” كيف يمكن لنا كأمة عربية أن نقدم الرد المناسب على جرائم الاحتلال
ونحن نرى جثث الأطفال وأشلاءهم تتناثر في كل مكان ونلمح في عيون من بقي
منهم حياً ملامح الذعر التي تختلط بالرجاء في أن تمتد إليهم يد جسورة
تنقذهم من مصيرهم المحتوم بعد أن افتقدوا الأمان في غزة المنكوبة
الباسلة\”.
فالأسد إذاً حزين لرؤية جثث الأطفال وهو متألم لرؤية الذعر في وجوههم،
لكنه لا يأبه لاستشهاد حمزة الخطيب وثامر الشرعي وهاجر الخطيب وألف طفل
آخرين ساهم في قتلهم.
لقد قامت قوات بشار بقتل عدد من الأطفال تجاوز كل أولئك الذين استشهدوا
في غزة إثر العدوان الصهيوني عليها. لم يعد الطفل السوري قادراً على
الابتسام بسبب ما رآه من إجرام عصابات الأسد.
في ذلك اليوم بالضبط يوم وصلت جثة حمزة الخطيب إلى أهله مات الأسد
فعلياً في عيون الشعب السوري عامة وفي عيون أهل درعا خاصة. ولذلك يكتب
لحمزة الخطيب الفتى الباسل بأنه قتل الأسد باستشهاده، بينما عاش هو إلى
الأبد.
اليوم يفتخر الناس أنهم من بلاد حمزة الخطيب، ويفتخر أهل درعا أنهم من
محافظة حمزة الخطيب، وأفتخر شخصياً أن قرية حمزة الخطيب تحاذي قريتي. أما
أهل حمزة الخطيب فقد أصبحوا تاج الحرية في سورية ورمزها.
حمزة اليوم أيقونة من أيقونات الثورة، ورمز من رموزها ولقد ساهم
استشهاده في انطلاق الثورة وتوقد نارها في أرجاء سورية كلها، وسيساهم أيضا
في إسقاط نظام الأسد الذي نراه قريباً.
وبينما ذهبت روح حمزة إلى الأعالي جالت صورته وقصته بلاد العالم كلها،
من لا يعرف حمزة الخطيب اليوم لا يعرف شيئاً. ليت مجلة التايم الأمريكية
انتبهت، أن الشهيد حمزة أكثر شخصية مؤثرة في العالم، فقد قلبت هذه الشخصية
الطاولة على نظام الأسد إلى غير رجعة، وهزت أركان الدنيا، وعاش حمزة وسقط
جلادوه.
د. عوض السليمان … دكتوراه بالاعلام – فرنسا