نقلت صحيفة “النهار” عن مسؤول غربي وثيق
الإطلاع على مضمون الاتصالات الجارية حالياً بين موسكو وواشنطن وباريس
وعواصم أخرى، تأكيده أن “المسؤولين الروس يبدون أكثر واقعية وصراحة في
حديثهم عن مصير الرئيس السوري بشار الأسد عندما يناقشون هذه المسألة المهمة
مع المسؤولين الأميركيين والفرنسيين، فالقيادة الروسية تقبل بصور…ة غير
معلنة مبدأ تنحي الأسد عن السلطة وهي مستعدة للإنخراط مع الدول البارزة
المعنية بالملف السوري في عملية سياسية تشمل رحيل الرئيس السوري لأنها
مقتنعة بأنه لم يعد قادراً فعلاً على ممارسة مسؤوليات الحكم بعد كل ما فعله
وكل ما حدث في سوريا وتدرك أهمية رفض الكثير من السوريين والغالبية العظمى
من دول العالم بقاءه”. وأضاف: “ويرفض المسؤولون الروس التخلي علناً عن
الأسد في هذه المرحلة، لكنهم يعترفون في اتصالاتهم السرية مع الجهات
الغربية المعنية بأنهم سيستخدمون نفوذهم لإقناعه بالرحيل عندما تكتمل عناصر
الحل السلمي للأزمة السورية”.
وأوضح المسؤول أن الموقف الروسي الحقيقي من مصير الأسد يتضمن العناصر الأساسية الآتية:
أولاً – “يرفض المسؤولون الروس الدفاع عن الأسد في محادثاتهم مع
الغربيين ومع المعارضة السورية لأنهم يدركون ان الرئيس السوري ارتكب أخطاء
فادحة ليس ممكناً إصلاحها وأفرط في استخدام القوة المسلحة ضد المحتجين
وأضاع كل الفرص المتاحة أمامه للتوصل الى تفاهمات داخلية مع السوريين
وخصوصاً في المرحلة الأولى من انطلاق حركة الاحتجاج السلمية، ولم يستجب
للدعوات الى إجراء الإصلاحات الضرورية ولم يأخذ بنصائح عدة أسدتها اليه
موسكو”.
ثانياً – “الرئيس الروسي المنتخب فلاديمير بوتين والمسؤولون الكبار في
موسكو قلقون جدياً من التدهور الخطير للأوضاع العسكرية والأمنية
والإقتصادية والإجتماعية في سوريا ومنزعجون من فشل الأسد في السيطرة على
البلد وإخراجه من محنته، وهم يدركون ان إنقاذ الدولة السورية يتطلب التفاوض
والتفاهم مع الدول البارزة على مصير نظام الأسد وعلى ضرورة تغيير تركيبته،
ويرفضون أن يتحملوا مسؤولية سقوط هذا البلد في الفوضى الواسعة مما يهدد
الأمن والإستقرار في المنطقة وينعكس سلباً على مصالحهم الإستراتيجية وعلى
دورهم الإقليمي والعالمي”.
ثالثاً – “المسؤولون الروس يريدون حلاً سلمياً جدياً للأزمة ويدركون
انهم ليسوا قادرين على إنجازه وحدهم لذلك يمتنعون عن طرح مشروع تسوية
ويرغبون في التوصل الى تفاهمات مع الدول المؤثرة وأبرزها أميركا وفرنسا
وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر تؤدي الى عقد صفقة متكاملة حول سوريا
مقبولة لدى مختلف الأطراف”.
رابعاً – يدعم الروس بقوة مهمة المراقبين الدوليين الذين كلفهم مجلس
الأمن الإشراف على وقف الخيار العسكري في سوريا وعلى تنفيذ كل بنود خطة
المبعوث الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية الى سوريا كوفي
أنان التي تساندها موسكو لأنها تشكل الإطار الأفضل لإنجاز الحل السلمي
للأزمة. وقد أكد المسؤولون الروس لأنان إنهم يؤيدون التفاهم بين ممثلي
النظام والمعارضة السورية على مرحلة إنتقالية تتألف خلالها حكومة وحدة
وطنية حقيقية تشرف على انتخابات نيابية ورئاسية تعددية في ظل رقابة دولية
لضمان حريتها ونزاهتها ومن أجل الإنتقال الى إقامة نظام جديد ديموقراطي
تعددي يحقق التطلعات المشروعة للسوريين. وأكد الروس لجهات غربية وإقليمية
انهم يدعمون تطبيق حل للأزمة السورية مشابه للحل اليمني الذي شمل إستقالة
رئيس الدولة من منصبه”.
وأفاد المسؤول الغربي أنه “في انتظار إنجاز الصفقة السلمية المنشودة،
يوفر المسؤولون الروس الحماية لنظام الأسد، لكنهم في الوقت عينه يوجهون الى
الرئيس السوري إنتقادات لأنه إرتكب الكثير من الأخطاء وتجاوز الخطوط الحمر
ويتفاوضون سراً مع خصومه ويضغطون عليه لتطبيق كل بنود خطة أنان وللتعاون
جدياً مع المراقبين ويحذرونه من ان فشل الحل السلمي يقود الى حرب أهلية
مدمرة لن يخرج النظام منتصراً منها”. وخلص الى القول: “تحرص القيادة
الروسية على مصالحها في سوريا، لكنها تريد الحفاظ في الوقت عينه على علاقات
الشركة الإستراتيجية مع أميركا والإتحاد الأوروبي وعلى روابطها الجيدة مع
دول عربية وإقليمية عدة وتدرك ان لديها مسؤوليات دولية ضمن إطار مجلس الأمن
وخارجه وتريد الإضطلاع بدور مهم في بناء سوريا الجديدة بالتفاهم مع خصوم
الأسد مما يحقق لها مكاسب عوض أن تتمسك من غير جدوى ببقاء الرئيس السوري في
السلطة فتكون خاسرة”.