ياسر سعد الدين
نظام الأسد، وبعد أكثر من عام من تفجر ثورة الحرية والكرامة، ومع
استخدامه لكل أنواع القمع والتنكيل والتدمير والبطش والاعتداء على الأعراض
والمحرمات، والتي زادت من إصرار الشعب الثائر على ضرورة الإطاحة بحكمه
الفاجر، وصل لقناعة راسخة بعجزه عن إخماد الثورة بالقوة والعنف القاتل.
النظام يراهن الآن على تسويات سياسية يتمكن من خلالها من اختراق الثورة
وزرع الانقسامات في صفوف الثائرين والمعارضين والتقاط الأنفاس ليتمكن من
توجيه ضربة قاتلة بعد الوصول لتسوية خادعة سرعان ما ينقلب عليها بحجج واهية
حين تسنح له الفرص. إشارات متعددة وردت من أطراف محسوبة على النظام تتحدث
عن ضرورة الوصول لتسوية وهي في طياتها تحمل إشارات عن إرهاق وتعب وصل إليه
النظام وما خفي كان أعظم.
قدري جميل، المعارض المدلل لنظام القتلة، وبعد زيارته لموسكو قال إن
ميزان القوى في سوريا يؤكد أن على الأطراف الجلوس حول طاولة الحوار، وكالة
سانا الرسمية نقلت تصريحاته بضرورة جلوس جميع الأطراف حول طاولة الحوار،
والذي ثبت أنه الطريق الوحيد لحل الأزمة بحسب مزاعمه. لاحظ عبارة ميزان
القوى لرجل متواصل مع النظام وأجهزته الأمنية بالرغم من التقصير العربي
والدولي تجاه الثورة واعتمادها شبه الكامل على إمكانات ذاتية محدودة في
مواجهة نظام مدجج بالسلاح ومدعوم بشراسة إيرانيا وروسيا.
أما مفتي الأسد أحمد حسّون، فقد عبر في إذاعة “النور” التابعة لحزب الله
عن ثقته بأن بشار “مستعد للتخلي عن الحكم في حال استطاعت المعارضة أن تأتي
ببرنامج مقنع للشعب ودخلت في الحوار وقالت للرئيس الأسد أننا جئنا بهذا
البرنامج والشعب رضي به، إما أن تزول وإما أن نحاربك فإن الرئيس سيتنحى
ويذهب ليتابع علمه وعمله”. مع التذكير بأن حسون نفى تصريحات نقلتها عنه
مجلة دير شبيغل الألمانية في نوفمبر الماضي عن نية بشار بالتنحي بعد
استكماله لإصلاحاته المزعومة. حديث حسون الجديد عن تنحي بشار ودعوة
المعارضة لطرح برنامجها هو محاولة بتقديري لحسم الثورة سياسيًا من خلال
إدخالها في مفاوضات وحوارات مع نظام عرف بالغدر واشتهر بالكذب وبعدم احترام
الاتفاقات والعهود.
في الصفحة الأخيرة لصحيفة الوطن التي يمتلكها رامي مخلوف مقالة بعنوان
“أين الحكماء”، يتحدث كاتبها عن الحاجة لحل سوري ومما جاء فيه: “من المؤكد
أن حالة الاصطفاف التي حدثت خلال كل الفترة الماضية وما راكمته من أخطاء
فادحة جعلت فئة من السوريين يقفون في حالة حيرة أكثر منها حالة حياد ولم
يكن من الممكن الاستماع إليهم من كل الأطراف بل إنهم تلقوا من “التوبيخ” ما
يكفي من الطرفين، هذا يسميهم جبناء وذاك يسميهم رماديين ومنتظري الغالب..
الآن ربما حان الوقت للاستماع إليهم واعتبارهم مراقبين سوريين، وإن شئت فإن
التسمية التي تعبر عنهم بدقة “حكماء” سورية.. فلا يمكن أن نصدق أن
السوريين إما مندسون أو شبيحة ولا يمكن أن يتم تصنيف السوري إما متآمر أو
بوق سلطة!! الشعب السوري يملك شخصيات كثيرة وطنية ومخلصة وأمينة وموضوعية
ولديها ما يكفي من الحكمة لتكون قادرة على إدارة حوار مثمر، وفوق كل ذلك
ليست مرتبطة بمصالح ولا أجندات.. أتساءل لماذا لا نبدأ رحلة ثقة بين
السوريين أنفسهم.. لدينا أسباب كثيرة ووجيهة لنثق بأنفسنا ولدينا أسباب
أكثر لعدم الثقة بالآخرين! منذ بداية الأزمة وحتى اللحظة أبعدت هذه النماذج
عن التدخل في كثير من مناحي الأزمة، وابتعدت لأنها غير قادرة على إيصال
صوتها كما أنها لم تستطع لأسباب كثيرة من التأثير الإيجابي في الشارع أو في
الشوارع التي احتلتها الأصوات العالية والمحتقنة والغاضبة لدرجة التطرف”.
وإذا تذكرنا أن النظام السوري أمني بامتياز، وأن الأمن يتدخل بكل
التفاصيل اليومية من إعلام مبرمج إلى توجهات مفتي يعمل بالريموت كونترول
إلى معارض مصنّع ومعلّب ويتحرك باتجاه الحليف الروسي، لاستطعنا بكل علمية
استنتاج أن النظام مرهق ومتعب ويائس من حله الأمني والعسكري والتدميري. هذا
حال النظام بالرغم من أن الجيش الحر لا ينال من “أصدقاء الشعب السوري”
سندًا ولا دعمًا، فيما المعارضة في مجملها تشتكي أنيميا حادة ساهمت في
إطالة عمر النظام. فكيف يكون الأمر لو أن دعمًا فعليًا وصل إلى المرابطين
والمصابرين وتعافت معارضتنا من نرجسيتها وأمراضها وقامت بدورها المنشود في
نصرة الثورة وخدمة ثوارها؟