يرى محللون أن بعثة المراقبين الدوليين إلى سوريا، الأولى من نوعها في
الأمم المتحدة، خطوة لا بد منها في المرحلة الحالية في غياب أي حل بديل
للأزمة، على الرغم من أنها تتيح للنظام كسب مزيد من الوقت وتثير شكوكا حول
إمكان نجاحها.
ويقول مدير مركز بروكينغز للأبحاث في الدوحة سلمان شيخ لوكالة فرانس برس
أن “المجتمع الدولي مستمر في إعطاء دفع لمهمة المراقبين لأنها القاسم
الأدنى المشترك في الوقت الحالي، والأمر الوحيد الذي يوافق عليه الجميع”.
ويشير في الوقت نفسه إلى “تباعد كبير في قراءة دور البعثة واحتمالات
نجاحها. في الغرب ولدى بعض الدول العربية، هناك شعور قوي بأنها خطوة ضرورية
حتى لو انتهت بالفشل. في الجانب الروسي، يسود الاعتقاد بأنها الفرصة
الأفضل لفرض واقع وجود الأمم المتحدة على الأرض وإرساء نوع من الاستقرار”.
وأقر مجلس الأمن الدولي الأسبوع الماضي إرسال 300 مراقب إلى سوريا
للتحقق من وقف إطلاق النار وتطبيق خطة الموفد الدولي الخاص كوفي عنان لحل
الأزمة. وكان أقر الأسبوع الفائت إرسال فريق صغير من ثلاثين مراقبًا
للتحضير للبعثة، وهو القرار الأول الذي يصدر عنه خلال 14 شهرًا من اضطرابات
تسببت بمقتل أكثر من أحد عشر ألف شخص. وتعرقل الصين وروسيا، حليفتا النظام
السوري، صدور أي قرار يدين النظام أو يفرض عقوبات عليه بسبب قمعه الحركة
الاحتجاجية القائمة منذ منتصف آذار مارس 2011.
ويقول بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية للأبحاث (إنترناشونال
كرايزيس غروب) “في غياب أي سياسة بديلة واضحة ومقبولة في الوقت الحاضر،
مهمة المراقبين هي الخيار الوحيد المتاح”. ويضيف “الأهداف المعلنة لهذه
البعثة هي حل الأزمة، لكن الأهداف الواقعية أكثر تواضعًا وهي تعزيز نوع من
التوافق الدولي، والحصول على موطىء قدم على الأرض، وإيجاد فسحة جديدة
للعودة إلى السياسة”.
إلا أن الخبراء يأخذون على خطة عنان أنها تسمح للنظام السوري بكسب
الوقت، وهو بالضبط ما يسعى إليه. ويقول شيخ “ما تقوم به هذه البعثة هو شراء
الوقت للأسد ليواصل القيام بما يقوم به”، معتبرًا أن “حصيلة القتلى
اليومية باتت تخضع لما يعتبر “مقبولا” في معايير المجتمع الدولي، بينما على
هذا المجتمع أن يشدد معاييره لكي يصبح سقوط قتيل واحد أمرًا غير مقبول”.
ويضيف أن على المجتمع الدولي “أن يتحلى بالشجاعة الكافية ليقول بوضوح: هذا
ليس وقف إطلاق نار، والوضع لا يتحسن”.
ورغم انحسار أعمال العنف بعض الشيء، سقط في سوريا أكثر من 300 قتيل في
أقل من أسبوعين منذ بدء تطبيق وقف إطلاق النار. وتنص خطة عنان على سحب
الآليات الثقيلة من الشوارع، ووقف العنف من كل الأطراف، والسماح بالتظاهر
السلمي ودخول المساعدات الإنسانية، وإطلاق المعتقلين، وبدء حوار حول عملية
سياسية انتقالية. ولم يتم الالتزام بأي بند من هذه البنود بشكل كامل، بحسب
مراقبين وناشطين. ويقول شيخ “من الآن وحتى تنفيذ هذه الأمور، لا أعرف إن
كان في استطاعتنا أن نواصل الادعاء أو الأمل بأن مراقبي الأمم المتحدة
قادرون على تحقيق السلام”.
وطالب عنان في مجلس الأمن الدولي الثلاثاء بنشر “سريع” للمراقبين
الثلاثمئة، معتبرًا أن الوضع في سوريا ما زال “غير مقبول”. ويشدد الخبراء
على “الطابع الاستثنائي” للمهمة، فهي المرة الأولى التي يرسل فيها مراقبون
غير مسلحين للنظر في نزاع داخلي فيما العنف المسلح لم ينته بعد. وهذا ما
يجعلها معرضة لأخطار كثيرة.
ويرى المتحدث السابق باسم قوات الطوارىء الدولية في لبنان تيمور غوكسيل
أن السلطات السورية “لديها خبرة كبيرة مع بعثات الأمم المتحدة في الجولان،
سيتعاملون بلطف وتحبب مع المراقبين، لكنهم سيبذلون أقصى جهدهم لمنعهم من
التحرك بحرية والذهاب إلى حيث يريدون”. ويشير إلى “أن العنف سيستمر مهما
كان مصدره، وستلام الأمم المتحدة على ذلك، وهذا أمر خطير”. ويضيف غوكسيل،
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، أن على مسؤولي الأمم
المتحدة أن يقولوا للعالم “نعم، سنرسل هؤلاء الاشخاص، وسنتحمل كل الأخطار،
لكن لا تتوقعوا العجائب ولا حل الأزمة”.