القذافي يريد إعادة الدولة العبيدية الفاطمية
بجنون العظمة وهوس التفكير
اذكر أن الدكتور أحمد نوفل المدرس بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية سئل منذ أكثر من ثلاثين سنة عن القذافي فقال هذا الرجل من بقايا الدولة العبيدية التي سكنت شمال أفريقيا. قلت صدق والله الدكتور أحمد نوفل وأشهد أنه كان يتمتع بالفطنة والفراسة العلمية، فقد كشفت الأيام عن باطنية القذافي وتبنيه للدولة الفاطمية الشيعية ففي محاضرة طويلة عن دور ليبيا الحديث ومكانتها في ريادة العالم الإسلامي بقيادة القذافي نفسه، يقول معمر القذافي:إن الدولة الفاطمية الجديدة هي تاريخنا هي ملكنا هي إرثنا نحن صنعنا الدولة الفاطمية الأولى وسنصنع الدولة الفاطمية الثانية، هذه دولتنا وليس من حق أحد أن يحتج علينا ومن يحتج علينا هو ينبح، هي دولتنا أقيمت فوق هذه الأرض اقامها أجددانا، ولولا الفاطميون ما كانت القاهرة، فالقاهرة فاطمية مائة في المائة، والأزهر هو مسجد فاطمة الزهراء وهو قلعة من قلاع الفاطمية، راجعوا كل ثقافتكم وأعيادكم ومواسمكم في شمال أفريقيا كلها شيعية، وأول دولة شيعية في التاريخ في أفريقيا هي الدولة الفاطمية، ولن نعترف بعد اليوم بإمامة أي حاكم يريد أن يعمل دولة دينية ما لم يكن من آل البيت الذين لهم الحق الإلهي في الحكم.
ولمعرفة جذور القذافي العبيدية الفاطمية نسلط الضوء بإيجاز على الدولة الفاطمية التي بشر القذافي بإقامتها في ليبيا.
لقد سلك العبيديون الفاطميون في التمهيد لدولتهم بالدعوة إلى الفكرة الشيعية في مصر والمغرب واليمن، وأصبح لها أتباع وأنصار بكل من هذه البلاد، بل استطاعوا أن يستميلوا وزراء العهد الأخير للأغالبة، وكان داعي دعاتها في المرحلة الأخيرة قبل قيام دولتهم أبو عبد الله علي بن حوشب الشيعي، فعمل على نشر الدعوة للعبيديين الفاطميين في بلاد المغرب منذ سنة 280 هـ ثم شمال إفريقية سنة 289هـ. استطاع أبو عبد الله أن يحشد جيشًا من أتباعه ويواجه دولة الأغالبة في حروب امتدت حوالي خمس سنوات حتى سنة 296، والتي استطاع فيها أن يقضي تمامًا على دولة الأغالبة، وامتد نفوذ العبيديين الفاطميين في ذلك الوقت إلى أكثر أجزاء بلاد المغرب حتى أصبحوا أصحاب السلطان المطلق في جميع الجهات الواقعة غرب مدينة القيروان. ولأن أبا عبد الله الشيعي هو صاحب الفضل الأول في التمكين لعبيد الله المهدي فقد علت مكانته بين أهالي بلاد المغرب وقبيلة كتامة (إحدى القبائل البربرية التي ساعدت عبيد الله مساعدة عظيمة). ومن ثم حنق عليه عبيد الله وخشي أن يضعف نفوذه، فأمر بقتل كل من أبى عبد الله وأخيه العباس فى جمادى الآخرة سنة 298، فثار أهالي المغرب عليه خاصة الكتاميون ولكنه استطاع أن يخمد هذه الثورة. ازدادت طموحات عبيد الله في إخضاع المغرب كله له واستطاع القضاء على نفوذ الأدارسة سنة 312 هـ على يد موسى بن أبى العافية، الذي بدوره أخذ نفوذه في الازدياد حتى خلع طاعة الفاطميين، ودخل في طاعة عبد الرحمن الناصر الأموي بالأندلس، فأرسل عبيد الله ابنه وولي عهده أبا القاسم القائم سنة 315 إلى موسى، واستطاع أن يعيد للعبيديين (الفاطميين) نفوذهم. وعبيد الله مؤسس الدولة الفاطمية، اختلف العلماء في نسبه فمن قائل: إنه من نسل على بن أبى طالب، والجمهور على أنه دعي يهودي الأصل، والبعض ينسبه إلى القرامطة، وهى فرقة باطنية شكلت خطرًاً على الأمة الإسلامية فترة من الزمان ولقد أطلق جلال الدين السيوطي في كتابه (تاريخ الخلفاء) اسم «الدولة الخبيثة» على الفاطميين، فقال:«ولم أورد أحداً من الخلفاء العبيديين لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور، منها: أنهم غير قرشيين، وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام، وإلاّ فجدهم مجوسيّ. وقال القاضي عبد الجبار البصري: «اسم جد الخلفاء المصريين سعيد أول حكامهم وكان أبوه (عبد الله بن ميمون) يهودياً حداداً نشابة». وقال القاضي أبوبكر الباقلاني: «القداح جَدّ عبيد الله الذي يسمى بالمهدي كان مجوسياً. ودخل عبيد الله المهدي المغرب وادعى أنه ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولم يعرفه أحد من علماء النسب، وسماهم جهلة الناس الفاطميين". وما أحسن ما قال المعز الفاطمي صاحب القاهرة؛ وقد سأله ابن طباطبا عن نسبهم، فجذب نصف سيفه من الغمد وقال:«هذا نسبي، ونثر على الأمراء والحاضرين الذهب، وقال: هذا حسبي».
وأكثرهم العبيديين الفاطميين زنادقة خارجون عن الإسلام، ومنهم من أظهر سب الأنبياء، ومنهم من أباح الخمر، ومنهم من أمر بالسجود له؛ والخير منهم رافضي خبيث لئيم يأمر بسب الصحابة رضي الله عنهم، ومثل هؤلاء لا تنعقد ولا تصلح لهم إمامة. وقد ذكر العلماء أصل المهدي العبيدي فقال القاضي أبو بكر الباقلاني:«كان المهدي عبيد الله باطنياً خبيثاً حريصا على إزالة ملة الإسلام، أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق، وجاء أولاده على أسلوبه: أباحوا الخمور والفجور وأشاعوا الرفض». وقال الذهبي:«كان القائم ابن المهدي شراً من أبيه زنديقاً ملعوناً أظهر سبّ الأنبياء». وقال:«وكان العبيديون شراً من التتار على ملة الإسلام». وقال أبو الحسن القابسي:«إن الذين قتلهم عبيدُ الله وبنوه من العلماء والعباد أربعة آلاف رجل ليردوهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت». وقال القاضي عياض:«سئل أبو محمد القيرواني الكيزاني من علماء المالكية عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يقتل؟ قال: يختار القتلَ، ولا يعذر أحد في هذا الأمر،..لأن المقام في موضع يطلب من أهله تعطيل الشرائع وهو لا يجوز».
وتولى أمر الخلافة العبيدية (الفاطمية) بعد القائم إسماعيل أبو طاهر المنصور سنة 334هـ، وفي سنة 337هـ أسس المنصور مدينة المنصورية واتخذها حاضرة له ولها خمسة أبواب الباب القبلي والباب الشرقي وباب زويلة وباب كتامة وباب الفتوح. وكانت جيوش العبيدين (الفاطميين) تخرج من باب الفتوح. وازدهرت بها التجارة. ثم جاء المعز بن المنصور فعمل على توطيد نفوذه في بلاد المغرب فعهد إلى جوهر الصقلي بإخضاع الأمراء الثائرين في نواحي البلاد ونجح في إقامة الدعوة للعبيديين (الفاطميين) على جميع منابر المغرب عدا سبتة وطنجة.
ولقد ثبت أن تسمية تلك الدولة بالفاطمية تسميةٌ كاذبة:أراد بها أصحابها خداع المسلمين بالتسمي باسم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد بين العلماء والمؤرخون في ذلك الزمان كذب تلك الدعوة وأن مؤسسها أصله مجوسي يدعى سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح ابن ديصان الدنوي الأهوادي، وسعيدٌ هذا تسمى بعبيد الله عندما أراد إظهار دعوته ونشرها ولقب نفسه بالمهدي. فالنسبة الصحيحة لدولته أن يقال:العبيدية. كما ذكر ذلك جملةٌ من العلماء المحققين، ويظهر من نسب مؤسسها الذي ذكر آنفاً أن انتسابهم إلى آل البيت كذب وزو، وإنما أظهروا ذلك الانتساب لاستمالة قلوب الناس إليهم .
وأما بالنسبة لنشرهم مذهبهم فقد بنوا الجامع الأزهر لينشروا من خلال هذا المركز مذهب الرفض، وكانوا يجبرون المسلمين على اعتناقه. ثم لما رجعت مصر إلى سلطة المسلمين من أهل السنة أبطل السلطان صلاح الدين مذهب الرفض وأعاد السنة إلى أرض مصر. وقد تركت الدولة العبيدية آثاراً سيئة من البدع والمنكرات ما زالت تمارس إلى زماننا هذا في مصر وغيرها. انتهت دولة العبيديين على يد صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله، فانتهى عهد الباطنية وما بقي من دولة بني عبيد، وعادت مصر إلى أهل السنة والجماعة. ثم تابع صلاح الدين والمسلمون خلفه المسيرة الجهادية حتى فتحوا القدس وأعادوا المسجد الأقصى إلى رحاب الإسلام وذلك عام 583هـ.
وفي سنة 1969م استطاع معمر القذافي السيطرة على مقاليد الحكم في ليبيا وفي رأسه أن يعيد من خلالها أمجاد الدولة الفاطمية الشيعية، ففي بداية حكمه ادعى أنه يريد تطبيق الشريعة الإسلامية فجمع العلماء من أنحاء العالم الإسلامي لتدارس تطبيق نظام الزكاة في الإسلام وكان ممن حضر العلامة الشيخ محمد أبو زهرة. وفي نفس الوقت تبنى القذافي الدعوة القومية واعتبر نفسه الأمين العام للقومية العربية ومما شجعه على هذا الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر عندما ألقى خطابا حماسيا في بني غازي قال فيه عبد الناصر:"أتركم أيها الإخوة وأنا أقول لكم أن أخي معمر هو الأمين العام على القومية العربية".
ولقد بدأ القذافي ينشر من خلال خطبه ومحاضراته الأفكار الباطنية الزنديقية مستعينا بجنون العظمة وهوس التفكير مع هواه العبيدي الفاطمي الخبيث فهاجم الفقهاء والأئمة الأربعة وغيرهم بأسلوب صادر عن نفس يسكنها شيطان الهدم للدين، وهاجم السنة النبوية ووزعم أنها لا تصلح لكي تكون مصدرا للتشريع، فأكثر السنة عنده خترع ومكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، ورفع شعار القرآن شريعة المجتمع، وأمر بكتابة الشعار في أوراق الدولة الرسمية، وعلقت يفط كبيرة في كثير من المدن الليبية، وعليها عبارة واحدة: القرآن شريعة المجتمع. وصلى العصر مرة إماماً في المسجد الكبير في طرابلس ثلاث ركعات، ولما كان بعض الناس خلفه يسبحون ظانين أنه نسي فجلس للتشهد الثالث دون أن يدري، لكن القذافي سلم والتفت وراءه وقال لما اعترضتم علي لقد صليت كما قال اللهحَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)البقرة238، ولم يبين لنا في القرآن الكريم عدد ركعات العصر، فصلاتنا صحيحة. لقد شعر الناس أنهم شخص مهووس ظالم من الصعوبة مناقشته وكشف كفره وزندقته. وهم يعرفون أنه لا يتواني عن قتل مخالفيه وتسفيههم.
وفي كثير من خطبه طالب القذافي بالقيام بثورة فكرية تنظف كتب الفقه من أمور زعم أنه لم ينزل الله بها سلطانا، وذكر من أمثلة ذلك صلاة الغائب والاستسقاء والاستخارة، وتعدد الزوجات. وزعم أن كل الفقه الذي حدث بعد وفاة النبي غلط لم يصح منه شيء. وكل ما ظهر هي تفسيرات خاطئة للإسلام والحديث الشريف على حد زعمه المهووس.
وتهجم القذافي على من يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بزعم أنه يحب الرسول وهو الذي هدانا وهو حبيب الله وهو شفيعنا، فقال القذافي هذا غلط محمد ما يشفع لأحد، من قال أن محمدا يشفع لأحد، فالله يقدر يحطك وأنت في النار، وإذا شاء حطك والنبي في الجنة. وزعم بجنونه زنديق هذه مهازل تحتاج لثورة ثقافية لتغييرها.
وفي محاضرة له في تونس وأمام تجمع من النساء التونسيات المتبرجات قال القذافي متهجما على الحجاب:الحجاب بدعة شيطانية فآدم وحواء خرجا من الجنة بدون ملابس تستر اجسامهم ولولا الشيطان ما كان الحجاب وكرر القول أن الحجاب بدعة شيطانية ولولاه ما ستر الإنسان ورقة التوت – يقصد العورة المغلظة-.
ونال القذافي بلسانه الباطني وزندقة الباطنية من فريضة الحج فالطواف بالكعبة والتعلق بأستار الكعبة من الأعمال الشركية ولا يجوز الطواف حول الكعبة بل الطواف يجب ان يكون كما يرى بباطنيته حول الأرض المقام عليها الكعبة.
ولكي ينفرد بتاريخ خاص عن العالم الإسلامي اختار أن يؤرخ من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مخالفا إجماع الأمة من عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب إلى قيام الساعة حيث أختار عمر وبمشاورة كبار الصحابة وإجماعهم التاريخ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم من مرة القذافي أمسك المصحف الشريف بيده، ويقول لما هذه الأية موجودة في هذا السورة من القرآن الكريم يجب نقلها لسورة أخرى، فهناك مكانها.
ولما كان العبيديون أصحاب تسلطٍ وجورٍ. وقد سجنوا من المسلمين من سجنوا. وحرموا الإفتاء بمذهب مالكٍ رحمه الله . ومن يتجرأ على ذلك يُضرب ويسجن ويُقتل أحياناً. وأجبروا الناس على الفطر قبل رؤية الهلال، خالف القذافي المسلمين في صيامهم وقال:يجب أن تقود الجماهيرية العالم الإسلامي لا المملكة العربية السعودية نحن نعلن بداية شهر رمضان ويوم العيد، وقال: لن اسمح للسعودية أن تتحكم في الإعلان عن بداية شهر رمضان، فإذا أعلنت السعودية الصيام الأحد سنعلن الصيام الاثنين، وإذا أعلنت السبت نعلن الأحد. وقام القذافي بملاحقة كل من يخالفه الرأي من العلماء والدعاة وغيرهم من المثقفين الليبين، فالسجن والتعذيب والقتل طال المئات من المخالفين فضلا عن اتهام مخالفيه بالسفه والجنون، بل أودع بعضهم مستشفى الجانين بقرقارش في مدينة طرابس للعلاج. وقد قتل القذافي عشرات المئات من المخالفين له منذ تولى الحكم سنة 1969م. وفي هذه الأيام يقتل الشعب الليبي المحتج على ظلمه وهوسه وجبروته، مستخدما القذافي الطائرات والبوارج البحرية والدبابات، وفي خطابه قبل عدة أيام قال سنزحف لملاحقة المحتجين من الشعب الليبي في كل بيت وزنقة وحارة.
ولعل دراسة نفسية القذافي التي تجمع بين جنون العظمة وهوس التفكير بالإضافة لمعرفة أصوله العبيدية االشيعية هي التي تكشف سر استخدامه كل الوسائل العسكرية لقتل أبناء الشعب الليبي المسلم بالجملة مرة بالعشرات وأخرى المئات وتارة بالآلاف، مستخدما المال الذي نهبه من عائدات البترول والغاز في جلب عصابات أفريقية وكرواتية مدربة على ممارسة كل انواع الإرهاب والقتل المنظم، فمارس هؤلاء مع زبانيته التي أغدق عليها بالمال الوفير كل أنواع القتل البشع ضد الشعب المسلم.
أ.د صالح الرقب
وزير الأوقاف والشئون الدينية