عندما سقط الأسبرين والكحول من بين طيات
ملابسها عند نقطة تفتيش تابعة للجيش السوري تسمرت رانيا في مكانها ونظرت
إلى سلعها المهربة على الأرض أولا ثم إلى الجندي الذي نظر مباشرة إلى
عينيها.
كانت رانيا تعرف أن تهريب الغذاء والدواء لنشطاء المعارضة السورية هو
أمر تضع قوات الامن صاحبه تحت طائلة تهمة “مساعدة الارهابيين” وتتم معاقبته
بقسوة مثلما يحدث مع مهربي السلاح.
وقالت رانيا )27 عاما( وهي تتذكر الحادثة التي وقعت على مشارف العاصمة السورية دمشق “قلت لنفسي: انتهى الأمر.
سيقتلوني.” لكن رانيا كانت محظوظة وتعاطف معها الجندي.
ونقلت رانيا عن الجندي قوله لها “اسرعي.. اجمعي الأدوية الخاصة بك وانصرفي قبل أن يعود قائدي.” وأفلتت رانيا بهذا العفو.
وتقول الأمم المتحدة إن القوات السورية قتلت أكثر من تسعة آلاف شخص خلال
13 شهرا من الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد في أعمال قتل وقصف لمناطق
المعارضة وانها اعتقلت الالاف.
وتقول السلطات السورية إن متشددين مدعومين من الخارج قتلوا أكثر من 2600
من أفراد الجيش والشرطة. وتقدم السلطات المساعدات لسكان تقول إنهم يفرون
من “إرهابيين مسلحين” لكنها منعت مرارا دخول منظمات المساعدة الدولية.
ويقول النشطاء إن معظم الذين يصابون في أعمال العنف لا يتوجهون إلى
المستشفيات الحكومية خوفا من أن يعاملوا كأعداء للأسد ويعتقلوا بدلا من
تلقيهم العلاج.
وتظهر لقطات فيديو صورها هواة مستشفيات ميدانية مكدسة في حالة سيئة في
معاقل المعارضة السورية لا يوجد بالكثير منها كهرباء بينما يتوسل الأطباء
للعالم الخارجي للحصول على مساعدات.
ورانيا وأصدقاؤها مجموعة من النساء السوريات الليبراليات اللاتي يتعمدن
ارتداء الحجاب والملابس الفضفاضة لإخفاء الدواء والغذاء والمال وتهريبه من
دمشق إلى حمص.
ولا يمكن لرانيا وأصدقائها معرفة عدد النساء السوريات اللاتي يفعلن
الشيء نفسه. وتقول رانيا وفريقها إن هذه الطريقة للتهريب هي سر معلن يعرفه
الجميع لكن السلطات غير مستعدة لتفتيش النساء خاصة المتدينات حتى لا تثير
سخطا.
وتعمل رانيا وهي محامية في فريق من أربع نساء بينهن صديقتان تعملان في متجر وتعمل صديقتهن الرابعة طبيبة.
ووافقت رانيا على إجراء مقابلة معها عبر سكايب لكنها لم تفصح عن اسمها
بالكامل خوفا من تعريض جهودها للخطر. ووافقت واحدة أخرى بالفريق اسمها علا
على الرد على الاسئلة عبر صديقة أحيانا ما تساعدهن. وطلبت هذه الصديقة عدم
ذكر اسمها.
والنساء الأربعة من حمص وهي واحدة من أكثر المناطق تضررا في سوريا وظلت القوات الحكومية تقصف أحياء في وسط المدينة لشهور.
وقالت رانيا “التقينا انا والبنات بطبيب وهو صديق من أيام الطفولة
وسألناه عن طريقة لمساعدة من يصابون أو من هم بحاجة للغذاء.” وقام الفريق
بتأجير شقة كبيرة في منطقة فقيرة في دمشق. وترك الأربعة أعمالهن باستثناء
الطبيبة التي تعمل أربع نوبات في الأسبوع.
ويقول سكان إن السلطات السورية تشك في أن الأطباء الذين يتركون عملهم ينضمون إلى المعارضة.
وقالت علا “بعنا كل ما أمكننا بيعه.. حتى مجوهراتنا. قمنا بتخزين الأرز
والسكر والمعكرونة وزيت الطعام في الشقة. تستخدم الطبيبة مصادرها للحصول
على مضادات للالتهاب وضمادات وعلاج للصدمة.” ويأكل الأربعة مرتين في اليوم
توفيرا للمال. ونادرا ما يجرين اتصالات هاتفية ولا يغادرن الشقة إلا
للضرورة ويعملن في أثناء الليل.
وعندما يقوم نشطون آخرون بزيارتهن يطلب الفريق منهم احضار طعامهم معهم لتوفير النفقات.
وقالت الصديقة التي طلبت عدم الكشف عن هويتها “التهريب مكلف.. أنت بحاجة
إلى سائق أجرة يوافق على عبور كل نقاط التفتيش للخروج من دمشق والسير
مسافة ساعتين إلى حمص. إنه أمر خطير بالنسبة له أيضا.” تبدأ العمليات في
الشقة حيث تبدل النساء الأربعة ملابسهن بملابس ذات أكمام طويلة ويرتدين
الحجاب.
وقالت الصديقة “أنا نحيلة لذا يمكنني أن أهرب الكثير من الشاش الطبي تحت
ملابسي.. تهرب إحدى البنات ضمادات قطنية في حمالة صدرها.” ويسافر الاربعة
اللاتي يخفين المضادات الحيوية في طيات ملابسهن بمفردهن في سيارة أجرة خاصة
أو حافلة ويتوجهن شمالا صوب مدينة حمص.
وقالت الصديقة “تعرف الحكومة كل شيء.. لكنها لا تريد المزيد من
المتاعب.. اعتقل أفراد أمن في دوما )ضاحية بدمشق( بعض النساء وسبب الأمر
قدرا كبيرا من العصيان المدني.” لكن ليس كل نقاط التفتيش آمنة فهناك بعض
النقاط التي قد تزج برانيا وصديقاتها في السجن.
وتقول علا “أحيانا نعتقل في نقاط التفتيش. وإما أن ندفع رشوة أو ننتظر
لنرى ماذا سيحدث لنا. وبعض نقاط التفتيش يحرسها مسلحون مؤيدون للأسد ليسوا
في الجيش النظامي.” وأضافت “لكن أسوأ حادث بالنسبة لي وقع عندما كان من
المقرر أن ألتقي مع نشط آخر لاعطائه بعض أكياس الدم والمال والغذاء.”
وأضافت أنها انتظرت في المطر لكن النشط لم يأت.
وقالت “كان الوقت متأخرا واضطررت إلى ترك الطعام على جانب الطريق لان خطر العودة به عبر نقاط التفتيش كان كبيرا للغاية.
“عدت إلى البيت وأنا أبكي.. ضاعت الرحلة هباء.”