النظام السوري.......ورقة الطائفية والفوضى الشاملة
يرى الكاتب عمر قدور أن النظام السوري يلعب ورقته الأخيرة، إذ بات الحل العسكري محفوفاً
بالفشل على صعيد استعادة السلطة، الأمر الذي سيدفع النظام للعمل على نشر الفوضى
الشاملة التي وعد بها وحشد لها ماكينته الإعلامية.
منذ ما يقارب السنة، حيث انطلقت
أول دعوات التظاهر، لم يوفر النظام السوري جهداً من أجل القضاء على الثورة معتمداً
الخيار الأمني بالدرجة الأولى، ومعززاً قواته الأمنية بالحضور الترهيبي للجيش. إلا
أن زجّ الجيش في المواجهة لم يكن غالباً، على ما يرويه شهود عيان، سوى غطاء
لممارسات القوات الأمنية أو ممارسات عناصر مختارة من الجيش كانت هي التي تطلق النار
على المتظاهرين، وهناك روايات تقول إن تلك العناصر كانت تطلق النار على الجيش
والمتظاهرين لإثبات الرواية الرسمية عن وجود مسلحين في التظاهرات، ولاستثمار صورة
ضحايا الجيش والتعاطف معه بصفته جيشاً وطنياً لم تتلوث صورته بالمطلق كما هو حال
الأجهزة الأمنية.
وعلى رغم أن سمعة الجيش قد تم
تلويثهــــــا في اقتحام درعا، ومن ثم مدن أخرى كحماة والرستن، بقيت اليد الطولى
لقوات الأمن والشبيحة. وقد ظهر جلياً أن الإقحام المبكّر للجيش أدى إلى نتائج
معــــاكسة لما توخّاه النظام، أهمها ظاهرة الانشقاقـــــات المتوالية، ثم هناك
ظاهرة الفرار من الخدمة على مستوى المجندين الصغار ويقدّر عددهم بالآلاف أيضاً،
ويتم التعتيم على فرارهم إعلامياً بينما يُلاحقون بلا هوادة. من دون حاجة قتالية
فعلية استُنفر الجيش بأكمله منذ سنة، تعرض أثناءها إلى شتى أنواع الاستنزاف، بغية
التغطية على الممارسات القذرة لجهات أخرى أولاً، والتمهيد لاستخدام الوسائط النارية
الثقيلة عند الحاجة تالياً، مع الإشارة إلى أن القيادة الفعلية للجيش ذهبت طوال
الوقت للزمرة الأمنية فضلاً عن عدم مشاركته أصلاً في القرار السياسي
الأمني.
الانشقاقات
الأمم المتحدة "ترجح" حصول
جرائم ضد الإنسانية في سوريا
ثمة إشاعات عن ضباط مقرّبين من دائرة القرار تحفظوا عن توريط الجيش وتم إقصاؤهم عن
القيادة الميدانية؛ في كل الأحوال لم يعد في أركان الجيش أو بين ضباطه الكبار أسماء
وازنة تستطيع التأثير في مجرى القرار، فمن المعلوم أن هذا النوع من الضباط سبق أن
أحيل إلى التقاعد مع مشروع التوريث. ومن المعلوم أن وزير الدفاع السابق قد استُبدل
بآخر بعد أقل من شهرين على اندلاع الانتفاضة، مع أن منصب وزير الدفاع في سورية ليس
إلا منصباً تنفيذياً حيث تذهب قيادة الجيش وفق الدستور الحالي إلى الرئيس؛ هكذا
يمكن القول إن قرار تدخل الجيش خضع مباشرة للمستوى السياسي الأعلى من دون المرور
بالاعتبارات اللوجيستية التي يقدّرها القادة العاملون فيه، ومن الواضح أن القرار لم
يأخذ بالحسبان سوى القوة العددية للجيش مع قدرات وسائطه النارية متجاوزاً كفاءته
الفعلية في خوض مواجهة غير تقليدية.
أن يكون الجيش على المستوى
العام مســــلوب الإرادة، هذا لا يعني القدرة المطلقة علـــــى التحكم به، فثمة في
العلوم العسكرية ما يُسمى «إرادة القتال»، وانعدامها أدى في غالبية الأحوال إلى
الهزيمة، بخاصة عنــــدما يتضافر انعدام الحافز مع طول مــــدة القتال. ومما يقوله
الخبراء العسكريون أيضاً إن الخوف من قتل الخصم ذو أثر لا يقلّ عن الخوف من التعرض
للقتل، وحتى في الحروب الخارجية يتم رصد الكثير من الحالات لجنود رفضوا إطلاق النار
خوفاً من أن يَقتلوا «بفتح الياء»، وبالطبع تتفاقم هذه الحالات في الحروب الداخلية
حيث الخصم لم يحدث «تمثّله» من قبل كعدو، وفي حالتنا: حيث الخصم أيضاً أعزل ولا
يشكل تهديداً بالموت. إن ما يُشاع عن قتل أفراد من الجيش على يد قوات أمنية أو
عناصر أخرى من الجيش يتعدى هنا الترويج الإعلامي لرواية السلطة عن وجود مسلحين، إذ
لا يمكن إغفال حقيقة تخوف السلطة من عصيان عسكري كبير نتيجة انعدام الرغبة في
القتال، هذا إذا استثنينا انحياز جزء من عناصر الجيش إلى أهاليهم الذي يُقتلون في
غير مكان.
نظرية المؤامرة
الخارجية
النظام السوري يراهن على
الحلول العسكرية والأمنية لقمع الثورة
الشعبية وليست
نظــــرية المؤامرة الخارجية التي يروّجها النظام ببعيدة عن هذا الاعتبار، لأنها
تحيل أبناء البلد ومطالبهم المحقة في الديموقراطية إلى ارتباطات خارجية بأعداء تمت
«أبلستهم» سابقاً إما وفق الأيديولوجيا البعثية أو وفق المواجهات الإقليمية التي
سبق أن خاضها النظام، أي أنها الطريق الأقصر والأسهل لـ «أبلسة» أبناء الوطن. مع
مستهل الشهر الحادي عشر للثورة أعلن النظام عن نيته بالحسم العسكري على نطــــاق
واسع، متذرعاً هذه المرة بسيطرة الجيش الحر على بلدات وأجزاء من بعض المدن، إلا أن
هذا الخيار الذي تم التمهيد له طويلاً لا يعني قيام الجيش بما عجز عنــــه الأمن
والشبيحة بل يعني الانتقال إلى الحــــــرب الشاملة على مجتمع الثورة ككل، فوسائط
النيران الثقيلة التي تُستخدم الآن علــــى نطاق واسع أكبر من حجم أية عملية
«جراحيــــة» يقوم بها الجيش النظامي مهما ارتفعت المبالغات حول قدرة الجيش الحر.
في حرب من هذا النوع ليس من المتوقع أساساً أن تتأذى العناصر المسلحة، فالضرر
الأكبر سيقع على المدنيين الأبرياء، وهنا بيت القصيد إذ إن النظام لا يحسب هؤلاء
حتى كخسائر مؤسفة لحربه ولا يعترف بوجودهم أصلاً، إنهم بالأحرى المستَهدفون
الحقيقيون عقاباً لهم على ثورتهم ضده، وعلى سلميتهم أيضاً!
لكنّ الخطر الأكبر الذي يمثّله
الخيار العسكري، وهذا ما يعيه النظام جيداً ويتعمد الوصول إليه، هو في الشرخ العميق
المتوقع حدوثه في صفوف الجيش لأسباب طائفية. فخلافاً للغطاء الإعلامي الرسمي الذي
يتستر بالوطنية من المعلوم أن الانتماءات الأهلية تلعب، وستلعب باضطراد، دوراً
مهماً في خيارات عناصر الجيش، ولا تغيب المسألة الطائفية عن حسابات النظام إن لم
تكن هي الأساس في ذلك، ولا تبتعد الانشقاقات المعلنة في صفوف الجيش من هذا المغزى
أيضاً بما أنها عبّرت حتى الآن عن لون طائفي واحد. إن الحرب الأهلية التي لوّح بها
النظام، وحشد ماكينته الإعلامية مبكراً من أجل الإعداد لها، قد تصل إلى حيز التنفيذ
المعمم بالخيار العسكري، من دون الوصول بالضرورة إلى مواجهة طائفية كبرى خارج
الجيش. في الواقع يلعب النظام ورقته الأخيرة، وإذا كان الحل العسكري محفوفاً بالفشل
على صعيد استعادة السلطة فربما لا يكون كذلك على صعيد إيقاع الفوضى الشاملة التي
وعد بها النظام.
بالفشل على صعيد استعادة السلطة، الأمر الذي سيدفع النظام للعمل على نشر الفوضى
الشاملة التي وعد بها وحشد لها ماكينته الإعلامية.
منذ ما يقارب السنة، حيث انطلقت
أول دعوات التظاهر، لم يوفر النظام السوري جهداً من أجل القضاء على الثورة معتمداً
الخيار الأمني بالدرجة الأولى، ومعززاً قواته الأمنية بالحضور الترهيبي للجيش. إلا
أن زجّ الجيش في المواجهة لم يكن غالباً، على ما يرويه شهود عيان، سوى غطاء
لممارسات القوات الأمنية أو ممارسات عناصر مختارة من الجيش كانت هي التي تطلق النار
على المتظاهرين، وهناك روايات تقول إن تلك العناصر كانت تطلق النار على الجيش
والمتظاهرين لإثبات الرواية الرسمية عن وجود مسلحين في التظاهرات، ولاستثمار صورة
ضحايا الجيش والتعاطف معه بصفته جيشاً وطنياً لم تتلوث صورته بالمطلق كما هو حال
الأجهزة الأمنية.
وعلى رغم أن سمعة الجيش قد تم
تلويثهــــــا في اقتحام درعا، ومن ثم مدن أخرى كحماة والرستن، بقيت اليد الطولى
لقوات الأمن والشبيحة. وقد ظهر جلياً أن الإقحام المبكّر للجيش أدى إلى نتائج
معــــاكسة لما توخّاه النظام، أهمها ظاهرة الانشقاقـــــات المتوالية، ثم هناك
ظاهرة الفرار من الخدمة على مستوى المجندين الصغار ويقدّر عددهم بالآلاف أيضاً،
ويتم التعتيم على فرارهم إعلامياً بينما يُلاحقون بلا هوادة. من دون حاجة قتالية
فعلية استُنفر الجيش بأكمله منذ سنة، تعرض أثناءها إلى شتى أنواع الاستنزاف، بغية
التغطية على الممارسات القذرة لجهات أخرى أولاً، والتمهيد لاستخدام الوسائط النارية
الثقيلة عند الحاجة تالياً، مع الإشارة إلى أن القيادة الفعلية للجيش ذهبت طوال
الوقت للزمرة الأمنية فضلاً عن عدم مشاركته أصلاً في القرار السياسي
الأمني.
الانشقاقات
الأمم المتحدة "ترجح" حصول
جرائم ضد الإنسانية في سوريا
ثمة إشاعات عن ضباط مقرّبين من دائرة القرار تحفظوا عن توريط الجيش وتم إقصاؤهم عن
القيادة الميدانية؛ في كل الأحوال لم يعد في أركان الجيش أو بين ضباطه الكبار أسماء
وازنة تستطيع التأثير في مجرى القرار، فمن المعلوم أن هذا النوع من الضباط سبق أن
أحيل إلى التقاعد مع مشروع التوريث. ومن المعلوم أن وزير الدفاع السابق قد استُبدل
بآخر بعد أقل من شهرين على اندلاع الانتفاضة، مع أن منصب وزير الدفاع في سورية ليس
إلا منصباً تنفيذياً حيث تذهب قيادة الجيش وفق الدستور الحالي إلى الرئيس؛ هكذا
يمكن القول إن قرار تدخل الجيش خضع مباشرة للمستوى السياسي الأعلى من دون المرور
بالاعتبارات اللوجيستية التي يقدّرها القادة العاملون فيه، ومن الواضح أن القرار لم
يأخذ بالحسبان سوى القوة العددية للجيش مع قدرات وسائطه النارية متجاوزاً كفاءته
الفعلية في خوض مواجهة غير تقليدية.
أن يكون الجيش على المستوى
العام مســــلوب الإرادة، هذا لا يعني القدرة المطلقة علـــــى التحكم به، فثمة في
العلوم العسكرية ما يُسمى «إرادة القتال»، وانعدامها أدى في غالبية الأحوال إلى
الهزيمة، بخاصة عنــــدما يتضافر انعدام الحافز مع طول مــــدة القتال. ومما يقوله
الخبراء العسكريون أيضاً إن الخوف من قتل الخصم ذو أثر لا يقلّ عن الخوف من التعرض
للقتل، وحتى في الحروب الخارجية يتم رصد الكثير من الحالات لجنود رفضوا إطلاق النار
خوفاً من أن يَقتلوا «بفتح الياء»، وبالطبع تتفاقم هذه الحالات في الحروب الداخلية
حيث الخصم لم يحدث «تمثّله» من قبل كعدو، وفي حالتنا: حيث الخصم أيضاً أعزل ولا
يشكل تهديداً بالموت. إن ما يُشاع عن قتل أفراد من الجيش على يد قوات أمنية أو
عناصر أخرى من الجيش يتعدى هنا الترويج الإعلامي لرواية السلطة عن وجود مسلحين، إذ
لا يمكن إغفال حقيقة تخوف السلطة من عصيان عسكري كبير نتيجة انعدام الرغبة في
القتال، هذا إذا استثنينا انحياز جزء من عناصر الجيش إلى أهاليهم الذي يُقتلون في
غير مكان.
نظرية المؤامرة
الخارجية
النظام السوري يراهن على
الحلول العسكرية والأمنية لقمع الثورة
الشعبية وليست
نظــــرية المؤامرة الخارجية التي يروّجها النظام ببعيدة عن هذا الاعتبار، لأنها
تحيل أبناء البلد ومطالبهم المحقة في الديموقراطية إلى ارتباطات خارجية بأعداء تمت
«أبلستهم» سابقاً إما وفق الأيديولوجيا البعثية أو وفق المواجهات الإقليمية التي
سبق أن خاضها النظام، أي أنها الطريق الأقصر والأسهل لـ «أبلسة» أبناء الوطن. مع
مستهل الشهر الحادي عشر للثورة أعلن النظام عن نيته بالحسم العسكري على نطــــاق
واسع، متذرعاً هذه المرة بسيطرة الجيش الحر على بلدات وأجزاء من بعض المدن، إلا أن
هذا الخيار الذي تم التمهيد له طويلاً لا يعني قيام الجيش بما عجز عنــــه الأمن
والشبيحة بل يعني الانتقال إلى الحــــــرب الشاملة على مجتمع الثورة ككل، فوسائط
النيران الثقيلة التي تُستخدم الآن علــــى نطاق واسع أكبر من حجم أية عملية
«جراحيــــة» يقوم بها الجيش النظامي مهما ارتفعت المبالغات حول قدرة الجيش الحر.
في حرب من هذا النوع ليس من المتوقع أساساً أن تتأذى العناصر المسلحة، فالضرر
الأكبر سيقع على المدنيين الأبرياء، وهنا بيت القصيد إذ إن النظام لا يحسب هؤلاء
حتى كخسائر مؤسفة لحربه ولا يعترف بوجودهم أصلاً، إنهم بالأحرى المستَهدفون
الحقيقيون عقاباً لهم على ثورتهم ضده، وعلى سلميتهم أيضاً!
لكنّ الخطر الأكبر الذي يمثّله
الخيار العسكري، وهذا ما يعيه النظام جيداً ويتعمد الوصول إليه، هو في الشرخ العميق
المتوقع حدوثه في صفوف الجيش لأسباب طائفية. فخلافاً للغطاء الإعلامي الرسمي الذي
يتستر بالوطنية من المعلوم أن الانتماءات الأهلية تلعب، وستلعب باضطراد، دوراً
مهماً في خيارات عناصر الجيش، ولا تغيب المسألة الطائفية عن حسابات النظام إن لم
تكن هي الأساس في ذلك، ولا تبتعد الانشقاقات المعلنة في صفوف الجيش من هذا المغزى
أيضاً بما أنها عبّرت حتى الآن عن لون طائفي واحد. إن الحرب الأهلية التي لوّح بها
النظام، وحشد ماكينته الإعلامية مبكراً من أجل الإعداد لها، قد تصل إلى حيز التنفيذ
المعمم بالخيار العسكري، من دون الوصول بالضرورة إلى مواجهة طائفية كبرى خارج
الجيش. في الواقع يلعب النظام ورقته الأخيرة، وإذا كان الحل العسكري محفوفاً بالفشل
على صعيد استعادة السلطة فربما لا يكون كذلك على صعيد إيقاع الفوضى الشاملة التي
وعد بها النظام.