بان كي مون وانان يعرفان طبيعة النظام السوري  4f79897b6b211_assad_-_anan
بقرار من المجتمع الدولي، سيزداد عدد المراقبين الدوليين في
سوريا ليصل الى ثلاثمئة. اتخذ القرار مجلس الامن التابع للأمم المتحدة
باجماع الاعضاء. ما يؤكده القرار ان ثمة حسنات كثيرة للخطة التي طرحها كوفي
انان المبعوث الدولي والعربي المكلف معالجة الازمة السورية. الاكيد ان من
بين هذه الحسنات السعي الى وقف اراقة الدماء في بلد يؤمن النظام فيه بانّ
لا خيارات امامه منذ اليوم الاول لوصوله الى السلطة قبل اثنين واربعين عاما
سوى الغاء الآخر جسديا، بما في ذلك الشعب السوري. ولكن تبقى الحسنة
الاهمّ. تتمثّل هذه الحسنة في ان العالم يكتشف اخيرا، مع بعض العرب وغير
العرب طبعا، ما هو هذا النظام السوري وما هي طبيعته الحقيقية.

ما الذي يترتب على هذا الاكتشاف؟ يترتب اوّلا الاعتراف بان
النظام السوري غير قابل للاصلاح لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد وان لا مفرّ
من مرحلة انتقالية تبدأ بتسليم الرئيس بشّار الاسد السلطة. تمهّد تلك
المرحلة، او هكذا يفترض، لعودة الديموقراطية والحياة السياسية والاقتصادية
الطبيعية الى بلد مهدد بالتفتت وبحرب اهلية تطلّ برأسها بين حين وآخر.

الاهمّ من ذلك كلّه، ان اكتشاف طبيعة النظام السوري تعني ان
ليس في استطاعة النظام تنفيذ خطة انان، اقله لسبب واحد. يتمثل هذا السبب في
عدم قدرة النظام على سحب قواته و”شبيحته” من المدن السورية. لذلك، لا امل
يرجى من خطة الامين العام السابق للامم المتحدة، الذي اصبح مبعوثا دوليل
وعربيا. فانان يعرف قبل غيره ما هو النظام السوري وكيف يتصرّف مع القرارات
الدولية ومع جيرانه. واذا كان انان في حاجة الى من ينعش ذاكرته، فانّ بان
كي مون الامين العام الحالي للمنظمة الدولية يستطيع التكفّل بذلك.

ليس لدى النظام السوري ما يقدّمه لا لشعبه ولا لجيرانه
العرب، على رأسهم لبنان او تركيا لا شكّ ان الاردن اوّل من يعرف ذلك بعدما
عانى طويلا من تصرّفات نظام كان لا بدّ من ردعه بين حين وآخر وافهامه اين
عليه ان يتوقّف عند حدود معيّنة، اكان ذلك في عهد الملك الحسين، رحمه الله،
او الملك عبدالله الثاني. كم يتذكّر رفض ترسيم الحدود بين البلدين؟ من
يتذكّر حشد القوات السورية على الحدود الاردنية في مناسبة انعقاد القمة
العربية في عمّان في العام 1980 من القرن الماضي؟

اكتشف الاتراك متأخرين ما اكتشفه اللبنانيون والاردنيون منذ
زمن. اكتشفوا ان لا امل من النظام وان كلّ همه محصور في البحث عن غطاء، اي
غطاء، له في عملية القمع والقهر التي يمارسها في حق ابناء شعبه. اما انان،
فانه يعرف منذ السنة 2000 بالتاكيد، وربما قبل ذلك ان لا امل يرجى من
النظام السوري الذي لا يمتلك سياسة اخرى غير الابتزاز.

في السنة 2000، انسحبت اسرائيل من جنوب لبنان تنفيذا للقرار
الرقم 425 الصادر عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة في العام 1978. حسنا،
نفّذت اسرائيل القرار اخيرا لاسباب مرتبطة باستراتيجية خاصة بها ذات علاقة
بالقضية الفلسطينية ومنع ياسر عرفات، رحمه الله، من اتخاذ مواقف مرنة
تستجيب مع تطلعات الادارة الاميركية وقتذاك.

صدر موقف عن مجلس الامن باجماع الاعضاء يؤكد ان اسرائيل
نفّذت القرار 425. ماذا فعل النظام السوري الراغب في ابقاء جبهة جنوب لبنان
مفتوحة والمتاجرة باللبنانيين واهل الجنوب تحديدا؟ اخترع ما يسمّى قضية
مزارع شبعا المحتلة منذ العام 1967، وهي ارض لبنانية اصلا، اقلّه في
معظمها، لكنها خاضعة للقرار 242. لقد احتلت القوات السورية تلك الارض في
العام 1956 وخسرتها في 1967. الى الآن، لا تزال ترفض توجيه رسالة الى الامم
المتحدة تؤكد لبنانية الارض كي يسهل على لبنان استعادتها عبر الامم
المتحدة. يعرف انان ذلك جيّدا ويعرف ما هو النظام السوري وكيف تعاطى مع
الامم المتحدة ومجلس الامن عندما كان في موقع الامين العام للمنظمة
الدولية.

لم يتغيّر شيء في تصرفات النظام السوري. قبل ايّام قليلة،
صدر عن بان كي مون الامين العام الحالي للامم المتحدة تقرير في غاية
الاهمية عن تنفيذ القرار الرقم 1559 الصادر عن مجلس الامن في السنة 2004.
الى الآن، لا يزال النظام السوري يتجاهل الجانب الذي يخصه من القرار. في
مرحلة معيّنة، بدأ يقول انه نفّذ الجانب المتعلق به عندما انسحب عسكريا من
لبنان. نسي انه لم ينسحب الاّ تحت ضغط اللبنانيين الذين انتفضوا، باكثريتهم
الساحقة، في وجه الاحتلال والوصاية بعد اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في
الرابع عشر من شباط- فبراير 2005.

لم تنطل الاعيب النظام السوري على الامين العام الحالي للامم
المتحدة. اشار بوضوح في تقريره نصف السنوي عن تنفيذ القرار 1559 الى
استمرار تدفق السلاح من سوريا الى لبنان وتمسك النظام السوري باقامة قواعد
لفلسطينيين تابعين له في الاراضي اللبنانية. فوق ذلك كلّه، هناك رفض سوري
لتحديد الحدود مع لبنان وترسيمها.

يستبيح النظام السوري حرمة القرى والبلدات والمدن السورية
ويستبيح سيادة لبنان. انان يعرف ذلك. كذلك بان. انهما يعرفان، تماما، مثلما
يعرف اللبنانيون، ان الهدف الوحيد للنظام السوري كسب الوقت. لذلك، ليست
خطة انان سوى مرحلة لا بدّ منها في انتظار اليوم الذي يتخّذ المجتمع الدولي
قراره بالانتهاء من النظام بطريقة او باخرى.

الامل كبير بان لا تطول اضاعة الوقت نظرا الى انّ كلّ يوم
يمر يعني مزيدا من الدماء السورية تهرق على يد نظام يعتقد ان المخرج الوحيد
الباقي امامه يتمثل في ازالة مدينة مهمّة اسمها حمص من الوجود!



خير الله خير الله