إذا أراد المرء أن يتعرف إلى أبرز محطات الثورة السورية، فما عليه إلا أن يتوجه إلى “طوابع من الثورة السورية“،
التي تضمها صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك تحمل الاسم نفسه،
والتي تؤرخ بصريًا للثورة، وتكرم تظاهراتها ومدنها وشخصياتها وداعميها عبر
طوابع بريدية تحاكي الطوابع التقليدية.
أنجزت الصفحة حتى الساعة ما ينوف عن المئة والأربعين طابعًا بريديًا،
بعضها حمل صور شهداء مثل الطفل حمزة الخطيب، الذي اعتقل وعذب حتى الموت على
يد قوات الأمن، والقيادي الكردي المعارض مشعل التمو وغياث مطر والمغني
الذي اقتلعت حنجرته إبراهيم قاشوش. يضاف إلى ذلك طوابع تكرم ثوارًا سوريين
من بينهم حارس المرمى عباد الباسط ساروت الذي تزعم التظاهرات في مدينة حمص،
والممثلة فدوى سليمان والممثل فارس الحلو والممثلة مي سكاف. كذلك كرمت
الطوابع متضامنين مع الثورة من إعلاميين وفنانين ومثقفين من بينهم المفكر
الفلسطيني عزمي بشارة والإعلامية منتهى الرمحي والإعلامي فيصل قاسم،
وصحفيين أجانب قضوا أو جرحوا في سوريا أثناء تغطية الأحداث مثل ماري كولفين
وريمي أوشليك وسواهم.
لكن الطوابع أيضًا التفتت إلى أناس عاديين، لمعوا بسبب صورة أو كلمة، من
بينهم النازح محمد أحمد عبد الوهاب الذي قال في تصريح عفوي للإعلام،
العبارة التي راح الجميع يتناقلها كعلامة قهر لا تنسى، حين قال محشرجًا
“أنا إنسان ماني حيوان”.
ولم ينس مشتغلو الطوابع أن يلتفتوا إلى أسماء بارزة في تاريخ سوريا
القريب والبعيد، كأساس وخلفية لثورة اليوم، من بينهم الزعيم السوري الراحل
يوسف العظمة والشاعر الراحل نزار قباني والسينمائي الراحل عمر أميرالاي.
وكان للمعتقلين حصتهم من الطوابع التكريمية وأبرزها طابع للمعتقلة التي ما زالت قيد الاعتقال يارا ميشيل شماس وبهراء حجازي.
الفنان الذي يقف خلف تصميم الطوابع والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لوكالة فرانس برس “أفضل أن أكني نفسي باسم “طابع سلمي”
على الرغم من عدم محبتي لهواية تجميع الطوابع أبدًا، إلا أنني وجدت نفسي
لا أجمعها فقط بل أصنعها، وهذا تأكيد للثورة التي غيرت فينا أشياء كثيرة
جدًا”. وأكد أن “فكرة الطوابع كانت نتيجة تجارب قمت بها لمجموعة من الصفحات
الناشطة على فيسبوك، ووجدت أن الطوابع هي الأكثر تأثيرًا بين الصفحات
الأخرى التي أنشط بها، والتي تعنى بمجريات الثورة السورية”.
وأوضح الفنان “الهدف كان منقسمًا لمجموعة متطلبات، الأهم، توثيق من ساعد
في هذه الثورة ولو بكلمة، وبالطبع يجب أن يكون هناك تأثير لهذه الكلمة أو
هذا الشخص. ثم لم الشمل وتجميع كل الأسماء والمناطق حيث لا تفريق بين
الثوار لا دينيًا ولا طائفيًا ولا عرقيًا”. وأضاف “هنالك أيضا إثارة
الحماسة في هذا الوسط الافتراضي الحقيقي، فالثورة مرتبطة بالفيسبوك والحماس
والتفاؤل عمل أساسي يومي وواجب”.
وأشار الفنان إلى أن هذا العمل جزء من أعمال أخرى أبدعتها الثورة هدفها
“إعطاء صورة فنية راقية سلمية. فالطوابع هي نتاج الثورة، مثلما هناك صفحات
تعنى بالنكتة والأرشفة والفن والتوثيق يعني جزء من كل”. وردا على سؤال حول
ما إذا كان يعمل بمفرده أم ضمن مجموعة، فضل الفنان عدم التطرق إلى ذلك
مؤكدًا “أننا نعمل بشكل منفصل عن كل أطراف المعارضة تمامًا”.
وعن الطريقة في اختيار المكرمين قال “استراتيجية الاختيار في بعض
الأحيان تخضع لخطة مدروسة وموضوعة بأسماء الأشخاص المؤثرين وأحيانًا أخرى
نفضل اللحاق بالحدث اليومي”. وأضاف “بعض الأحيان تأتينا طلبات بالعشرات
لنصنع طابعًا معينًا باسم شخصية مؤثرة وبالطبع نختار المناسب والأكثر
تأثيرًا”.
وكان لافتًا أن الصفحة قدمت طوابع لشخصيات أسمتها طوابع مزورة، واحد من
بينها حمل اسم “مسيرة مليونية لدعم الأسد”، وآخر للرئيس الروسي ميدفيديف.
وحول ذلك قال الفنان “كانت خطة لصناعة طوابع مزورة عن الشخصيات المهمة
والمشهورة التي تقف مع النظام ضد الثورة، ولكن ابتعدنا عن هذا الطرح فليس
الهدف هو التخوين والضغط على البعض، بل الهدف هو مساعدة الإيجابيين وليس
هدر الوقت مع السلبيين”.
وعن المصير الذي يمكن أن تؤول إليه هذه الطوابع أوضح “لدينا مجموعة من
العروض لتبني المشروع وصنع كتاب يحتوي هذه الطوابع، بعض من طلب ذلك شخصيات
تعمل في السياسة ومحسوبة على المعارضة، كما أرسل لنا طلب من مؤسسة أوروبية
لتبني المشروع، ولكن كنا دومًا نعتذر فلا نريد الابتعاد عن هدفنا الأول”.
وأضاف “أما بالنسبة لمعرض، فهناك معرض قريب سيقام بهذه الطوابع ضمن حملة
كبيرة يشرف عليها المفكر عزمي بشارة، وبعض الأسماء المهمة كأصالة نصري
ومالك جندلي والأخوين ملص وبعض الشخصيات الفنية الأخرى”.