ارتباك دول الجوار السوري  %D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%B2-%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D9%87
شكلت الأزمة السورية منذ بدايتها في مارس (آذار) 2011 بوابة ارتباك سياسي لدول
الجوار السوري، وكان التعبير الأبرز في ارتباك الجوار ما ظهر على سياسة
تركيا، أكبر دول الجوار وصاحبة أطول حدود مع سوريا والبلد الذي كان الأكثر
قربا من نظام دمشق في السنوات العشر التي سبقت الأزمة، بينما ظهر الأردن
باعتباره أكثر دول الجوار قدرة على كتم تعبيرات ارتباكه، وبين الحد الأعلى
الذي مثلته حالة تركيا والحد الأدنى الأردني، راوحت الحالة العراقية
واللبنانية كجاري سوريا في الشرق والغرب على التوالي.

كان الأبرز في موقف تركيا عند بدء الأزمة، محاولة القادة الأتراك وثيقي
الصلة والعلاقة مع كبار المسؤولين السوريين، الدخول على خط النصح للسلطة
السورية بضرورة المعالجة السياسية للأزمة، ثم صعدت اللهجة التركية خارج
النصيحة لتبلغ حد الاصطفاف إلى جانب الحراك الشعبي، وصولا إلى التهديد
المبطن في مواجهة الحل العسكري الأمني، وصارت تركيا أكثر دول الجوار تعاملا
مع فصائل من المعارضة السورية، والأكثر حضورا في الأنشطة الإقليمية
والدولية الهادفة لمعالجة الأزمة في سوريا، كما هو موقعها في مؤتمر أصدقاء
الشعب السوري.

وكانت تناقضات الموقف العراقي حيال الأزمة ظاهرة، وامتد طيفها ما بين
الصمت والدعوة إلى الحل عبر الحوار، وصولا إلى التأييد المضمر للنظام، طبقا
لتصريحات أدلى بها رئيس الوزراء نوري المالكي. فيما حاول الموقف اللبناني
الابتعاد عن اتخاذ موقف جاد حيال الأزمة، فاخترعت الرسمية اللبنانية خطابها
القائل بالنأي عن اتخاذ موقف رسمي حيال الأزمة، لكن في بعض تجليات الأزمة
داخل لبنان كما في قضية اللاجئين، لم يكن بمقدور الحكومة إثبات أنها غير
معنية بالوضع في سوريا.

وبدا الموقف الأردني حيال الأزمة السورية وتداعياتها شديد الحذر، وكان
الصمت التعبير الأبرز عن ارتباك موقف الأردن، ولم يخفف منه تصريح الملك عبد
الله حول ضرورة تنحي الأسد الذي لم يكرره، ولا قام أي من المسؤولين
بالأردن بالإشارة إليه أو تكرار مضمونه لاحقا، لكن ذلك لا يمنع من قول إن
الأردن استقبل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين مقارنة بدول الجوار.

والموقف الإسرائيلي إزاء الأزمة السورية لم يختلف كثيرا في نظرته
المرتبكة إزاء الوضع في سوريا واحتمالاته، وهو وضع عبر عن نفسه بانقسام
داخل النخبة الحاكمة وفي النخبة السياسية والثقافية، حيث بدت أكثرية تعارض
إسقاط النظام، وأقلية تبشر بقرب سقوطه.

وباستثناء الموقف الإسرائيلي الذي له بعض الخصوصيات في ظروفه وفي تعامله
مع الأزمة في سوريا، فإن دول الجوار الأخرى أبدت سياسات مرتبكة في
مواقفها، وهو أمر يعود إلى مجموعة عوامل، أولها وأبرزها هو عدم وجود موقف
دولي حاسم وتردد واضح إزاء الوضع في سوريا، وهو أمر ينطبق على الدول
الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة التي غلب على مواقفها النوسان ما بين
مواقف قوية وأخرى ضعيفة، وفي كل الحالات كانت المواقف تفتقر لإرادة سياسية
كافية، تثبت جدية أصحابها ممن عارضوا السياسة الأمنية العسكرية للنظام،
وطالبوا بتنحي الأسد أو إسقاط النظام.

والعامل الثاني يبدو في مخاوف دول الجوار من تدخلات يمكن أن تقوم بها
السلطات السورية في تلك البلدان عبر تنظيمات وجماعات سياسية مسلحة طالما
كانت قريبة أو ذات علاقة مع سلطات دمشق، مثل حزب العمال الكردستاني في
تركيا، وحزب الله وحلفائه في لبنان، وتنظيمات عراقية بينها جيش المهدي
وآخرون، وبعض المنظمات الفلسطينية مثل جماعة جبريل في الأردن.

والعامل الثالث تمثله مخاوف دول الجوار من احتمالات النظام الذي سيرث
نظام البعث الحالي، وأغلب التقديرات تتجه حاليا إلى قول إن الإسلاميين هم
الذين سيكونون ورثة العهد الحالي على نحو ما حدث في مصر وليبيا وتونس، التي
جاء الإسلاميون إلى السلطة فيها جميعا، وهو أمر يرعب أغلب الجوار السوري،
على الرغم من أن أمرا كهذا ليس مسلَّما، كما أن تيار الإسلام السوري لا
يشبه في أهم ملامحه أمثاله في البلدان المجاورة، الأمر الذي لا يبرر قلق
البعض منه.

والعامل الرابع يبدو في مجموعة ارتباطات وعلاقات تربط دول الجوار بشبكة
سياسية أو اقتصادية قريبة من شبكة النظام في سوريا، على نحو ما هي علاقة
العراق بإيران، وعلاقة تركيا في الجانب الاقتصادي مع روسيا وإيران، البلدين
اللذين يزودان تركيا بالنفط والغار، وهم أكثر حلفاء دمشق إقليميا ودوليا.

والعامل الخامس يستند إلى وجود أزمة اقتصادية في بلدان الجوار، وهو شديد
الوضوح في الحالتين الأردنية واللبنانية، لكنه مستتر بالنسبة للوضع
العراقي بسبب الكم الهائل من موارد النفط الذي يغطي على الأزمة الاقتصادية
من جوانب مختلفة، وهناك مخاوف تركية جدية من احتمالات سلبية على واقع
الاقتصاد التركي الناهض بزخم، فيما لو مضت تركيا إلى موقف جدي يعادي النظام
في دمشق، ويدخل في مواجهة معه.

إن العوامل التي تلقي بظلالها على دول الجوار السوري، تجعل تلك الدول
مرتبكة في مواقفها وسياساتها حيال الأزمة، غير أن تغييرا حاسما في الموقف
الغربي، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة، من شأنه أن يبدل ويغير مواقف
دول الجوار كلها أو أكثرها، سواء كان الموقف في نصرة التغيير في سوريا أو
نحو إصلاح النظام الحالي، وهو أمر غير ممكن.



فايز ساره