إذا كان لا بد من منح «علامة» تقدير وتفوق للأنظمة التي قامت عليها ثورات
الربيع العربي، وأسلوب تعاملها مع ما حدث عندها، فلا بد أن يُمنح النظام
السوري علامة تفوق استثنائية مع مرتبة الشرف أيضا. فأسلوب تعاطيه مع الثورة
منذ انطلاقتها كان يتقلب في تفاسير هزلية كوميدية بين الإنكار التام إلى
اتهام دول وشخصيات بعينها، إلى التهديد بإقامة إمارات سلفية في جيوب داخل
المناطق الثائرة، وطبعا مقولة الجماعات الإرهابية المسلحة، التي طالما تشدق
بها النظام ليلا ونهارا، وكان دوما ما يظهر «جماعات سلفية» تعترف على
شاشات التلفزيون الرسمي للنظام السوري بشكل هزلي، وطبعا جميع «الأعضاء» في
هذه الجماعات يرددون نفس الديباجات والمفردات التقليدية؛ من ولاء لـ«أمير
الجماعة» و«الجهاد على أعداء الأمة» وغيرهما من الشعارات المعروفة، ولكن
هناك الكثير من هذه الشخصيات التي انكشف أمرها وفضح دورها عبر ظهور متكرر
بـ«أدوار مختلفة»، على القنوات السورية.
فمرة يظهرون وكأنهم مصابون ومتضررون من «الجماعات المسلحة»، ومرة أخرى
كأنهم نازحون، ومرات أخرى وكأنهم متظاهرون ومؤيدون، ومرات كأنهم أعضاء في
هذه الجماعات المسلحة، يدلون باعترافاتهم بعد القبض عليهم وإحساسهم بالندم
الشديد جراء ما فعلوه بحق البلاد والعباد، وطبعا يضاف لتلك المسرحيات
الهزيلة من يقدمهم النظام كمتحدثين «مستقلين» يدافعون عنه، ويحللون الوضع،
ويبررون ما يحدث، وهم بوق «مزعج» و«مضلل»، ويؤكد فقدان منطق وعقل وشرعية
نظام الحكم في سوريا تماما، لأن المتحدثين يؤكدون أنه لا يوجد شيء اسمه
«الجيش الحر»، ولا يوجد أي انشقاق أساسا لأن ما يحدث في سوريا مسألة
«عادية» جدا من جنود يهربون من أداء الخدمة العسكرية، وهي مسألة تحدث في كل
جيوش العالم النظامية، منكرين تماما ما يحصل عسكريا من الآلاف من الجنود
الذين انشقوا صراحة وبوضوح عن القوات النظامية، وشكلوا كتائب مسلحة للدفاع
عن المدنيين في المدن التي تتعرض للإبادة والقمع والقتل، على أيدي قوات جيش
الأسد وزمرته الأمنية المستوحشة.
مع التقلب الحاصل في الخطاب السياسي لنظام الأسد، بين إنكار وجود
متظاهرين وإنكار وجود معارضة وإنكار وجود قتلى وإنكار وجود معتقلين وإنكار
وجود نازحين، واعتبار كل ذلك نسيجا من خيال أو إنتاج مهارات تقنيين فنيين
ماهرين يجيدون «المنتجة» على أجهزة البث والكومبيوتر ليقدموا شرائط مصورة
للعالم تدين النظام السوري ظلما وافتراء، فإن العالم أمام نظام مبني على
«كذبة»، ومنهج هذه الكذبة، حتى باتت منظومة وتحولت المنظومة إلى حالة ذهنية
أدخلت كل عناصر النظام في غيبوبة يدفع ثمنها الشعب السوري بأعصابه ودمائه
وأرواحه، واليوم يتواصل المنهج نفسه أمام المراقبين الدوليين، كما كان من
قبل أمام المراقبين العرب، مسرحيات هزلية يمارسها النظام الأسدي أمام
العالم، «فالانسحاب» المطلوب عمله وإخراج العتاد العسكري الثقيل من المدن،
ووقف قتل المتظاهرين، ما هو إلا تحريك بسيط ورمزي للدبابات والراجمات
للصواريخ وصفّها في مرآب قريب تحت الأرض بعيدا عن الأعين، وسرعان ما يعاد
إخراجها مجددا لإرعاب وقتل المواطنين بعد ابتعاد المراقبين عن مواقعها.
اليوم، سيكون مراقبو الأمم المتحدة شهود عيان على فصل جديد من أكاذيب
النظام وعصابته الأمنية، وسينقل العالم مشاهد الآلام مجددا، وتُكتب أعداد
جديدة من الأبرياء في سجل الأموات قتلا على أيدي قوات الأسد، نظام يكذب
ويلفق على العالم والعالم يمنحه فرصة تلو الأخرى. ولكن هذا المشهد تكرر من
قبل مع الكثير من الطغاة، الذين ظنوا أنهم استطاعوا إقناع الناس بحججهم
وبشعارات الشبيحة التي تُكتب على جدران المدن السورية التي أبادها مثل
«الأسد أو لا أحد»، وهم يهتفون «شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد»، وما هي
إلا أنشودة توديع أزف موعد تحقيقها، وأعداد الموتى ما هي إلا تأكيد على
رحيل النظام نفسه.
حسين شبكشي
الربيع العربي، وأسلوب تعاملها مع ما حدث عندها، فلا بد أن يُمنح النظام
السوري علامة تفوق استثنائية مع مرتبة الشرف أيضا. فأسلوب تعاطيه مع الثورة
منذ انطلاقتها كان يتقلب في تفاسير هزلية كوميدية بين الإنكار التام إلى
اتهام دول وشخصيات بعينها، إلى التهديد بإقامة إمارات سلفية في جيوب داخل
المناطق الثائرة، وطبعا مقولة الجماعات الإرهابية المسلحة، التي طالما تشدق
بها النظام ليلا ونهارا، وكان دوما ما يظهر «جماعات سلفية» تعترف على
شاشات التلفزيون الرسمي للنظام السوري بشكل هزلي، وطبعا جميع «الأعضاء» في
هذه الجماعات يرددون نفس الديباجات والمفردات التقليدية؛ من ولاء لـ«أمير
الجماعة» و«الجهاد على أعداء الأمة» وغيرهما من الشعارات المعروفة، ولكن
هناك الكثير من هذه الشخصيات التي انكشف أمرها وفضح دورها عبر ظهور متكرر
بـ«أدوار مختلفة»، على القنوات السورية.
فمرة يظهرون وكأنهم مصابون ومتضررون من «الجماعات المسلحة»، ومرة أخرى
كأنهم نازحون، ومرات أخرى وكأنهم متظاهرون ومؤيدون، ومرات كأنهم أعضاء في
هذه الجماعات المسلحة، يدلون باعترافاتهم بعد القبض عليهم وإحساسهم بالندم
الشديد جراء ما فعلوه بحق البلاد والعباد، وطبعا يضاف لتلك المسرحيات
الهزيلة من يقدمهم النظام كمتحدثين «مستقلين» يدافعون عنه، ويحللون الوضع،
ويبررون ما يحدث، وهم بوق «مزعج» و«مضلل»، ويؤكد فقدان منطق وعقل وشرعية
نظام الحكم في سوريا تماما، لأن المتحدثين يؤكدون أنه لا يوجد شيء اسمه
«الجيش الحر»، ولا يوجد أي انشقاق أساسا لأن ما يحدث في سوريا مسألة
«عادية» جدا من جنود يهربون من أداء الخدمة العسكرية، وهي مسألة تحدث في كل
جيوش العالم النظامية، منكرين تماما ما يحصل عسكريا من الآلاف من الجنود
الذين انشقوا صراحة وبوضوح عن القوات النظامية، وشكلوا كتائب مسلحة للدفاع
عن المدنيين في المدن التي تتعرض للإبادة والقمع والقتل، على أيدي قوات جيش
الأسد وزمرته الأمنية المستوحشة.
مع التقلب الحاصل في الخطاب السياسي لنظام الأسد، بين إنكار وجود
متظاهرين وإنكار وجود معارضة وإنكار وجود قتلى وإنكار وجود معتقلين وإنكار
وجود نازحين، واعتبار كل ذلك نسيجا من خيال أو إنتاج مهارات تقنيين فنيين
ماهرين يجيدون «المنتجة» على أجهزة البث والكومبيوتر ليقدموا شرائط مصورة
للعالم تدين النظام السوري ظلما وافتراء، فإن العالم أمام نظام مبني على
«كذبة»، ومنهج هذه الكذبة، حتى باتت منظومة وتحولت المنظومة إلى حالة ذهنية
أدخلت كل عناصر النظام في غيبوبة يدفع ثمنها الشعب السوري بأعصابه ودمائه
وأرواحه، واليوم يتواصل المنهج نفسه أمام المراقبين الدوليين، كما كان من
قبل أمام المراقبين العرب، مسرحيات هزلية يمارسها النظام الأسدي أمام
العالم، «فالانسحاب» المطلوب عمله وإخراج العتاد العسكري الثقيل من المدن،
ووقف قتل المتظاهرين، ما هو إلا تحريك بسيط ورمزي للدبابات والراجمات
للصواريخ وصفّها في مرآب قريب تحت الأرض بعيدا عن الأعين، وسرعان ما يعاد
إخراجها مجددا لإرعاب وقتل المواطنين بعد ابتعاد المراقبين عن مواقعها.
اليوم، سيكون مراقبو الأمم المتحدة شهود عيان على فصل جديد من أكاذيب
النظام وعصابته الأمنية، وسينقل العالم مشاهد الآلام مجددا، وتُكتب أعداد
جديدة من الأبرياء في سجل الأموات قتلا على أيدي قوات الأسد، نظام يكذب
ويلفق على العالم والعالم يمنحه فرصة تلو الأخرى. ولكن هذا المشهد تكرر من
قبل مع الكثير من الطغاة، الذين ظنوا أنهم استطاعوا إقناع الناس بحججهم
وبشعارات الشبيحة التي تُكتب على جدران المدن السورية التي أبادها مثل
«الأسد أو لا أحد»، وهم يهتفون «شبيحة للأبد لأجل عيونك يا أسد»، وما هي
إلا أنشودة توديع أزف موعد تحقيقها، وأعداد الموتى ما هي إلا تأكيد على
رحيل النظام نفسه.
حسين شبكشي