بالجلاء تجلو الحقائق والأحزان
قصة ردمها النسيان
للدمشقي جميل في سوريا ولبنان
قال لي الطبيب في الجامعة الأمريكية أنه عليّ الاستمرار على دواء معين لثلاثة أيام ثم أعود له ليرى نتائج الدواء مما اضطرني لأن أمضي بين أصوات الحرب والبارود في بيروت يومها "أواخر الثمانينيات"
ثلاثة أيام لا أفعل خلالها إلا تناول الطعام في الفندق القابع على نزلة الجامعة باتجاه البحر... والذي يعرفه كل سائقي السفريات.. فلا أضطر لأن أغادر المكان إن أردت السفر.. وأستطيع المشي على الأقدام باتجاه المشفى
أصابني الملل فقررت بأحد الأيام أن أذهب باتجاه "الروشة" مشياً على الأقدام.. أترافق بموج البحر... وقليل من السيارات.. وغيوم السماء تختلط بها رائحة البارود والحرائق البعيدة... ولأنها بعيدة أعطت صاحب الفندق أن يسمح لي بتلك الجولة فالوضع آمن لسويعات.. حسب قوله لا أكثر
قطعتني الأفكار عن رؤية طريقي.. فإذ بي قد مررت "الروشة" وقطعتها بأشواط.. لم يوقفني إلا "حاجز عسكري سوري".. اضطررت أن أمر أمامه.. حتى لا يفهم عودتي قبل المرور به بأنها تنتمي إلى الحرب الدائرة آنذاك
استوقفني "العسكري" على الحاجز طالباً هويتي ومتفاجئاً بأنني وهو من ذات المدينة والشارع
فأحسست بالراحة لوجوده بالتأكيد.. لكنه أيقظ راحتي بسؤال لم أفهمه حين قال: وكيف ستعود إلى الفندق الآن... مشياً على الأقدام وأنا موجود هنا؟؟!!!
قد حسبت أن زمن وقوفه قد قارب على الانتهاء... وأنه لابد ويملك وسيلة نقل فيأخذني معه.. فاعتذرت قائلاً: لا سيدي.. لا أريد أن أتعبك
فكان جوابه: أن أفرغ محتوى سلاحه الرشاش في الهواء مشيراً لسيارة فارهة للغاية قد عبرت للتو بأن تعود له
ركنت مسرعاً إلى مخبأ بالمكان تحسباً لحرب يبدوا أنا ستبدأ.. حيث لم أكن وقتها عارف لسبب هذا الزخم من الرصاص
أخذ من سائقها "هوية"... وقال له: أوصل هذا الرجل إلى الفندق.. وعد هنا لأعيد لك "الهوية" فأنتم شعب "XXXXXX".... ولو أني ما احتفظت بها لأنزلته أنت بعد أمتار وأنا أريده أن يصل للفندق وعلى باب الفندق تماماً
عند باب الفندق المتهالك زمناُ وقد أثقلت عليه أوراق ألف خريف فأنسته وقوفه.. تذكرت صمتي من أول ما ركبت معه... لتلك اللحظة.. تذكرت أن الصدمة قد حصلت وعلي أن أقول أي شئ
قلت للسائق: أعتذر سيدي مما حصل فلست أنا بصديق أو قريب لذاك "العسكري" ولم أطلب منه أن يفعل ما فعل.. حتى أن صوت الرصاص أخافني أنا... فاعتذرت له عن عدم قدرتي الركوب معك... لم يتركني للرأي الذي أنا فيه... قال: اركب معه يا "XXXXXX".... تخيل!!!
تقبل الرجل اعتذاري وأبدى أسفه عن عدم قدرته البقاء لفنجان امتنان عما حصل لخوفه أن التأخر على "العسكري" ربما يودي به لمشكلة أعظم
غداً وقريباً
سأسمع ذات الكلام من أخ.. أي أخ كان من لبنان وهو يقول: عذراً لما فعلناه بكم أيام ثورتكم.. فنحن جربنا إجرامهم قبلكم ولكننا اليوم أحرار مثلكم خصوصاً وأننا نلنا الحرية سوية بذات اليوم للمرة الثانية
ملحوظة: تحتفل سوريا ولبنان بعيد الجلاء بذات التاريخ ويبدو أن الاحتفالات ستبقى على ذات التاريخ بالجلاء الجديد
من قصص الحرية في الثورة السورية