*** جريمة اغتيال الحريري
كانت إحدى غرائب ترتيبات قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري هي كمّ البشر لبنانيين وسوريين الذين عرفوا بخطة الجريمة، والمشاركة في التهيئة لها وفي محاولة طمس معالمها وتضليل التحقيق بعدها، على ان الأغرب في نظر العارفين القلة كان في كلمة السر التي استطاعت الجمع القسري لقادة أجهزة الأمن اللبنانية يومها لوضع خطة الجريمة في نظر التحقيق الجنائي، لما كان معروفاً لدى هذه القلة من نفور حتى التناقض بين اثنين اساسييين من قادة هذه الأجهزة هما مدير عام الآمن العام اللواء جميل السيد وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، حتى قيل ان العميد رستم غزالة فشل في الجمع بين هذين الرأسين.
ولم يكن ممكناً جمعهما حول طاولة واحدة لخطة بهذا الحجم من الخطورة الا بتدخل مباشر من العقيد ماهر الأسد الذي يستند التحقيق القضائي الذي قاده رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الى رواية تم شطبها من التقرير النهائي الذي قدم للإعلام لكنه وزع على دول مجلس الأمن وبقية الدوائر الرسمية اللبنانية والعربية والدولية وتتحدث وحسب شاهد سوري عن اجتماع عقد في قصر المهاجرين ضم قادة هذه الأجهزة مع مسؤولين أمنيين سوريين يعتقد حسب القرار الظني ان خطة اغتيال الحريري وضعت خلاله.
هنا تدخل المصادفة مع التدبير الأمني الحاسم بتولي العميد آصف شوكت رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش السوري بعد 72 ساعة فقط من جريمة قتل الرئيس رفيق الحريري الإرهابية ورفاقه، وقيل يومها ان الرئيس الأسد كان أجّل تعيين شوكت في منصبه لعدة أشهر ثم تدخلت عائلة الرئيس الأسد الأب لجعل هذا التعيين ممكناً خاصة بعد بدء تفاعلات جريمة الاغتيال لبنانياً.. وعربياً ودولياً.
المأزق
بعد عدة ساعات على وقوع جريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء قال زعيم سياسي كبير ومن داخل منـزل الحريري وبحضور عدد من المتوافدين السياسيين لإصدار البيان الشهير بتحميل النظام الأمني السوري وتابعه اللبناني الجريمة الإرهابية: «لقد فعلها ماهر.. منفذاً لتهديدات شقيقه بشار ضد رفيق الحريري!».
وكان رد الفعل الشعبي العفوي والمباشر بعد الجريمة وقبل أن يخرج جثمان رفيق الحريري ورفاقه من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت تحميل النظام السوري مسؤولية هذه الجريمة الإرهابية.
بدأ رد الفعل همساً ثم زفراً ثم صراخاً فهتافاً منظماً بلغ الذروة يوم 14/3/2005 أي بعد شهر واحد من الجريمة البشعة في انتفاضة شعبية هي الأوسع في تاريخ لبنان تواكبت مع مسعى عربي ودولي لتطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1559 في 2/9/2004 حيث انتهت الانتفاضة بانسحاب ذليل للجيش السوري.
وإذا كانت سوريا استدركت متأخرة القرار 1559 الذي اعتبرته عند صدوره وعلى لسان وزير خارجيتها الألمعي فاروق الشرع (نائب الرئيس حالياً) انه قرار "تافه" ثم انه قرار "لا يمس لبنان أو سوريا من قريب أو بعيد" فأعلن الأسد يوم السبت في 5/3/2005 سحب القوات السورية من لبنان حسب مقتضى القرار الدولي المذكور واستكمل الانسحاب العسكري دون الاستخباري الكامل) يوم 26/4/2005 فإن سوريا بهذا الأمر لم تستطع أن تلغي الاتهامات السياسية والشعبية اللبنانية والعربية والدولية عن دورها في هذه الجريمة، حتى كان بيان لجنة الاستقصاء الدولية حول هذه الجريمة برئاسة بيتر فيتزجيرالد الذي رفع إلى مجلس الأمن متهماً سوريا بعدم التعاون ثم القرار الظني في جريمة الاغتيال الذي رفعه قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس الذي رأس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الإرهابية حسب القرار 1595 الذي استنتج ان قادة أجهزة الأمن اللبنانية الأربعة الموقوفين بشبهة التخطيط لهذه الجريمة لم يكونوا لينفذوها لولا الأوامر التي تلقوها من قادتهم في دمشق تعبيراً عن تبعية الأمن في لبنان كما كل شيء للقرارات السورية وعلى أعلى المستويات.
بناء عليه
أدخل اسم العقيد ماهر الأسد والعميد آصف شوكت وآخرين ضمن دائرة المشتبه بهم، على الأقل حسب القرار الظني للقاضي الألماني ديلتيف ميليس، وعلى الأقل في نظر الجمهور اللبناني والعربي والدولي، وعلى الأقل في دوائر مجلس الأمن وأركانه وعلى الأقل في نظر الإعلام اللبناني والعربي والدولي – طبعاً مع وجود مدافعين تراوحت مواقعهم بين اتهام بالتسييس إلى دعوة لانتظار اكتمال التحقيق، إلى آخر عبارة قالها القاضي ميليس في تقريره الظني باعتماد قرينة البراءة للموقوفين ولمن وردت أسماؤهم في التقرير.. حتى المثول أمام المحكمة حيث الشهود والأدلة من جهة وحيث الدفاع من جهة أخرى.
وكانت نسخة اولية من التقرير قالت ان شاهدا لم تتحدد هويته قال ان شوكت وماهر الاسد شقيق بشار الاسد كانا بين مجموعة من مسؤولي الامن اللبنانيين والسوريين "قررت اغتيال الحريري" في منتصف ايلول عام 2004 ثم خططت للاغتيال خلال سلسلة اجتماعات في دمشق.
وفيما يتعلق بقضية أحمد ابو عدس زعم هسام هسام (الشاهد المعقنع) ان فارس خشان "لقنه" الشهادة كي "أقول أنه خطف من بيته على طريق جديدة ونزل إلى عنجر حيث استقبله العميد رستم كم يوم ثم أرسل العقيد ماهر سيارة خاصة من عنده ثم أرسل إلى الشام وسيادة العقيد ماهر هو من أطلق عليه النار بيده ودفن في منطقة معربة تبعد 20 كم وتابعة للحرس الجمهوري ورفض العقيد ماهر تذويبها بالأسيد "لأنها ستلزم مستقبلا".
ماريا معلوف
وبشأن ما توصف به الاعلامية ماريا معلوف (العشيقة السابقة للعقيد ماهر الأسد) بأنها في برنامجها "بلا رقيب" في محطة نيو تي في اللبنانية، متعاطفة دوما مع النظام السوري، وقامت على امتداد أربع حلقات بتكريس البرنامج لـ "نفي" علاقة العقيد ماهر الأسد باغتيال رفيق الحريري، وقالت: أنا متعاطفة مع كل دولة تؤمن بالعروبة وبالمواقف الوطنية ومع كل شخص وطني وضد الاستبداد والجرائم...و و و...
والسؤال هو كيف للاعلامية ماريا معلوف ان تنفي او تؤكد تورط اي شخص كان مع ان لجنة التحقيق لم تعلن نتائج عملها بعد، إلا إذا كان الحبيب ماهر قد لقنها ما تقوله وان تنفي على شاشات التلفزيون والصحف تورطه الشخصي في جريمة اغتيال الحريري.
باتريك سيل
حتى كان مقال الصحافي والكاتب البريطاني المعروف بقربه الشديد من أسرة الأسد الأب والأبناء وهو واضع أهم كتاب صدر عن حافظ الأسد: الصراع على الشرق الأوسط الذي استمد معلوماته بمعظمها من فم الرئيس الراحل وأركانه وبعض أركان النظام على اختلاف مشاربهم.
وباتريك سيل متزوج من السيدة رنى قباني ابنة السفير السوري السابق صباح قباني وكان مقرباً من الرئيس الشاب طبيب العيون بشار الأسد الذي كان يلتقيه كثيراً في بريطانيا، وكان له دور مشهود في تعيين محافظ حلب السابق محمد مصطفى ميرو أول رئيس للوزراء في عهد بشار بعد شهادة له سمعها سيل من وفد بريطاني زار حلب وأعجب بالمحافظ فنقل سيل الإعجاب إلى بشار الأسد الذي اعتمد في مطلع حكمه سياسة الإقامة لفترة في الشهباء حلب وهي المدينة التاريخية والأهم في سوريا بعد دمشق عاصمة الأمويين.
ماذا قال سيل؟
كتب سيل في مقالة له نشرت في "الحياة" الجمعة في 28/10/2005 ان الرئيس بشار الأسد يواجه الآن في مأزق جريمة قتل الحريري موقفاً شبيهاً بموقف والده الرئيس الراحل حافظ الأسد مع شقيقه رفعت الأسد عام 1984 والتي انتهت بانحياز قادة القوى المسلحة خاصة القوات الخاصة بقيادة اللواء علي حيدر إلى جانب الرئيس حافظ لخلع شقيقه ونفيه إلى موسكو.. لينتقل بعدها رفعت إلى باريس وماربيا في إسبانيا.
ويدعو سيل في مقاله بشار الأسد إلى اغتنام هذه الفرصة للتخلص من شقيقه ومراكز القوى الأخرى ليتمكن من الحكم حسب مشروعه السابق للإصلاح الذي لم ير النور رغم إطلاقه عام 2000 ووجد تعبيراته في ربيع دمشق قبل الانقضاض عليه عودة إلى نقطة الصفر في ممارسة القمع ضد حرية الرأي والمعتقد..
وهكذا.. وحسب باتريك سيل يبرئ بشار الأسد نظامه من جريمة قتل الحريري أمام العالم كله ويخرج من المأزق والعزلة التي تعيشها سوريا بسبب هذه الجريمة، ويعود إلى إطلاق مشروعه الذي يضمن له بالتغيير والمراجعة إقامة حكم مقبول شعبياً بإلغاء الأحكام العرفية وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين وإعادة المنفيين وإجراء انتخابات حرة ديموقراطية بناء على تعديل دستوري تحتاجه الحياة السياسية والشعبية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا.. وبذا تفك العزلة العربية والدولية عن سوريا وتسقط الضغوط المختلفة عليها وفق القرارات الدولية التي تلاحقها وبالإجماع في معظم الأحوال.
هل يستطيع بشار؟
عدا المبادرة – المتأخرة دائماً – في إطلاق سراح 190 معتقلاً سياسياً من السجون السورية بمناسبة عيد الفطر، وهو تقليد يعتمده عادة النظام في سوريا وفي عدد من الأنظمة العربية بهذه المناسبة الدينية وتجاه السجناء العاديين غير السياسيين – وكثيراً ما فعلها الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في بلاده بمناسبة الأعياد.
وعدا تشكيل بشار الأسد لجنة التحقيق السورية الخاصة بجريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإعلان أكثر من مسؤول سوري ان دمشق مستعدة لتسليم أي متهم سوري بارتكاب هذه الجريمة، واعتبار الرئيس الأسد ان أي سوري يثبت تورطه بهذه الجريمة هو خائن لسوريا، وان سوريا ستتعاون مع لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجريمة، حسب القرارين الدوليين 1595 و1636.
فهل يستطيع بشار ان يبرء شقيقه ماهر الأسد وعملية تبيض الأموال من البنوك اللبنانية ؟
وهل تتدخل السيدة الوالدة أنيسة بين الشقيقين بشار وماهر مثلما تدخلت الراحلة المرحومة ناعسة بين الشقيقين حافظ ورفعت وحلت خلافهما عام 1984 بإبعاد رفعت من ذلك التاريخ حتى اليوم؟ وأيضاً محافظة على النظام وعلى العائلة؟
نعم
كان رفعت الأسد شريكاً لحافظ الأسد في السلطة وكان تحت قبضته سرايا الدفاع جيشاً خارج الجيش الرسمي السوري، وكانت علاقاته العربية والدولية واسعة تسمح له بالبروز مركز قوة لا يستهان بها داخل مراكز النظام الأخرى خاصة مع الأموال الطائلة التي توفرت له بوسائل تعرف أجهزة الأمن السورية كيفية الحصول عليها.
لكن حافظ الأسد كثيراً ما استخدم مكانة شقيقه رفعت لدعم نظامه وتنفيذ ما يريد تنفيذه مباشرة دون الاعتماد على أركان الأجهزة الأخرى، خاصة علاقاته العربية التي كانت كثيراً ما تسوء مع النظام السوري خاصة حين يكون موفده إليها يومها عبد الحليم خدام فيبادر رفعت إلى تصحيحها وإعادة الدفء إليها بسبب علاقاته تلك حتى ان أحد المسؤولين العرب الكبار كان يصف رفعت بأنه الأخ الذي لم تلده له أمه!!
أي ان ماهر الأسد هو شريك شقيقه في أهم القضايا الإستراتيجية التي تحملها سوريا في هذه المرحلة، وهو المنفذ الفعلي لسياسة النظام كله في لبنان.. حتى في الموقف من رفيق الحريري.
فكيف يمكن التخلص منه؟
انه الشقيق القوي والشريك المضارب، في كل القرارات.
انه الضابط القوي الذي يملك السيطرة على قوى عسكرية فاعلة داخل النظام، اللواء الرابع في الحرس الجمهوري المعزز بأحدث الأسلحة، وهو الضابط المحترف الصاعد من قلب السلطة العسكرية. وكل محاولة للمس به تعني بنية النظام الأساسية التي قد يؤدي تفاقمها إلى إسقاط النظام كله حتى لو كانت المقدمة لهذا مرعبة وهي حرب داخلية لا تبقى ولا تذر لان آل الأسد ما يهمهم هو الكرسي ونهب البلاد وسرقة ثرواتها الباطنية وسرقة آثار البلاد من تحف وذهب.
ثم.. إذا كانت الآراء العربية والدولية تلتقي الآن على حتمية استمرار النظام في سوريا والاكتفاء بتحسين سلوكه تجاه لبنان وفلسطين والعراق وفي إطلاق الحريات ومسار ديموقراطي داخل سوريا، فإن التوجه الآن هو لإبعاد بشار الأسد كون أصبحت اتهاماته تقذف الى كل الاتجاهات الى القادة العرب والعالم ويتحدث عن الفساد وعن الإنسانية وعن المقاومة وأخيه الذي بجانبه لديه سجن خاص به المسؤول عنه غسان بلال كم من الشعب قتل داخل هذه السجون الخاصة السرية والمقاومة أي مقاومة وشقيقه لديه فرقة كاملة لحمايته الخاصة وحماية مصالح آل الأسد .
لقد سبق ان تسلم بشار الأسد رسالة من عقلاء الطائفة العلوية يدعونه فيها إلى تصحيح الأوضاع وعدم السماح لطموحات وجشع عدد من الضباط بتشويه صورة الطائفة العربية المشهود لها بالشهامة والكرامة وعزة النفس، وعليه ان يقدم على الإنقاذ والناس في سوريا سيكونون كلهم معه.. فهل يقدم الأسد على التصحيح بالتضحية بمن يثبت دورهم في جريمة اغتيال الحريري، وفي جرائم الفساد المعشش في عائلة الأسد ومخلوف وفي كل دوائر السلطة والإدارة والأمن في سوريا.
و يعمل بشار الأسد على قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم" أم سيندفع إلى العبارة التي تتردد كثيراً هذه الأيام: "عليّ وعلى أعدائي يا رب".
و أخيراً بقى ان نقول انه في حال ثبتت تهمة تورط ماهر الأسد في جريمة اغتيال الحريري، فعلى خلاف ما كان يجهر به إعلام حزب البعث من أن أي قرار يتضمن عقوبات لسورية سوف يكون موجها ضد الشعب السوري، فإن ماهر الأسد قائد الحرس الجمهوري والكتلة التي تحيط بالرئيس بشار الأسد وشقيقته بشرى وصهره آصف شوكت والتي تمسك بمقاليد الحكم في دمشق، لن تخشى تضمين قرار مجلس الأمن عقوبات اقتصادية، فإنها -علاوة على أن العقوبات الاقتصادية سوف تفتح أمام هذه "الكتلة" الفرص لاحتكار المواد الأساسية التي يحتاجها الشعب السوري-ستزعم بأن أمريكا تعمل على تجويع أطفال أطفال الشعب السوري.
مصادرنا عن المقربين جداً من عائلة آل الحاكم تقول بان ماهر الأسد الذي لا يظهر على الاعلام إلا في الأعراس أو الجنازات لا ينام حين يسافر شقيقه خارج البلاد أو حين يكون الرئيس بشار نائماً في فراشه.
كانت إحدى غرائب ترتيبات قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري هي كمّ البشر لبنانيين وسوريين الذين عرفوا بخطة الجريمة، والمشاركة في التهيئة لها وفي محاولة طمس معالمها وتضليل التحقيق بعدها، على ان الأغرب في نظر العارفين القلة كان في كلمة السر التي استطاعت الجمع القسري لقادة أجهزة الأمن اللبنانية يومها لوضع خطة الجريمة في نظر التحقيق الجنائي، لما كان معروفاً لدى هذه القلة من نفور حتى التناقض بين اثنين اساسييين من قادة هذه الأجهزة هما مدير عام الآمن العام اللواء جميل السيد وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، حتى قيل ان العميد رستم غزالة فشل في الجمع بين هذين الرأسين.
ولم يكن ممكناً جمعهما حول طاولة واحدة لخطة بهذا الحجم من الخطورة الا بتدخل مباشر من العقيد ماهر الأسد الذي يستند التحقيق القضائي الذي قاده رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس الى رواية تم شطبها من التقرير النهائي الذي قدم للإعلام لكنه وزع على دول مجلس الأمن وبقية الدوائر الرسمية اللبنانية والعربية والدولية وتتحدث وحسب شاهد سوري عن اجتماع عقد في قصر المهاجرين ضم قادة هذه الأجهزة مع مسؤولين أمنيين سوريين يعتقد حسب القرار الظني ان خطة اغتيال الحريري وضعت خلاله.
هنا تدخل المصادفة مع التدبير الأمني الحاسم بتولي العميد آصف شوكت رئاسة جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش السوري بعد 72 ساعة فقط من جريمة قتل الرئيس رفيق الحريري الإرهابية ورفاقه، وقيل يومها ان الرئيس الأسد كان أجّل تعيين شوكت في منصبه لعدة أشهر ثم تدخلت عائلة الرئيس الأسد الأب لجعل هذا التعيين ممكناً خاصة بعد بدء تفاعلات جريمة الاغتيال لبنانياً.. وعربياً ودولياً.
المأزق
بعد عدة ساعات على وقوع جريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه الشهداء قال زعيم سياسي كبير ومن داخل منـزل الحريري وبحضور عدد من المتوافدين السياسيين لإصدار البيان الشهير بتحميل النظام الأمني السوري وتابعه اللبناني الجريمة الإرهابية: «لقد فعلها ماهر.. منفذاً لتهديدات شقيقه بشار ضد رفيق الحريري!».
وكان رد الفعل الشعبي العفوي والمباشر بعد الجريمة وقبل أن يخرج جثمان رفيق الحريري ورفاقه من مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت تحميل النظام السوري مسؤولية هذه الجريمة الإرهابية.
بدأ رد الفعل همساً ثم زفراً ثم صراخاً فهتافاً منظماً بلغ الذروة يوم 14/3/2005 أي بعد شهر واحد من الجريمة البشعة في انتفاضة شعبية هي الأوسع في تاريخ لبنان تواكبت مع مسعى عربي ودولي لتطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي رقم 1559 في 2/9/2004 حيث انتهت الانتفاضة بانسحاب ذليل للجيش السوري.
وإذا كانت سوريا استدركت متأخرة القرار 1559 الذي اعتبرته عند صدوره وعلى لسان وزير خارجيتها الألمعي فاروق الشرع (نائب الرئيس حالياً) انه قرار "تافه" ثم انه قرار "لا يمس لبنان أو سوريا من قريب أو بعيد" فأعلن الأسد يوم السبت في 5/3/2005 سحب القوات السورية من لبنان حسب مقتضى القرار الدولي المذكور واستكمل الانسحاب العسكري دون الاستخباري الكامل) يوم 26/4/2005 فإن سوريا بهذا الأمر لم تستطع أن تلغي الاتهامات السياسية والشعبية اللبنانية والعربية والدولية عن دورها في هذه الجريمة، حتى كان بيان لجنة الاستقصاء الدولية حول هذه الجريمة برئاسة بيتر فيتزجيرالد الذي رفع إلى مجلس الأمن متهماً سوريا بعدم التعاون ثم القرار الظني في جريمة الاغتيال الذي رفعه قاضي التحقيق الألماني ديتليف ميليس الذي رأس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الإرهابية حسب القرار 1595 الذي استنتج ان قادة أجهزة الأمن اللبنانية الأربعة الموقوفين بشبهة التخطيط لهذه الجريمة لم يكونوا لينفذوها لولا الأوامر التي تلقوها من قادتهم في دمشق تعبيراً عن تبعية الأمن في لبنان كما كل شيء للقرارات السورية وعلى أعلى المستويات.
بناء عليه
أدخل اسم العقيد ماهر الأسد والعميد آصف شوكت وآخرين ضمن دائرة المشتبه بهم، على الأقل حسب القرار الظني للقاضي الألماني ديلتيف ميليس، وعلى الأقل في نظر الجمهور اللبناني والعربي والدولي، وعلى الأقل في دوائر مجلس الأمن وأركانه وعلى الأقل في نظر الإعلام اللبناني والعربي والدولي – طبعاً مع وجود مدافعين تراوحت مواقعهم بين اتهام بالتسييس إلى دعوة لانتظار اكتمال التحقيق، إلى آخر عبارة قالها القاضي ميليس في تقريره الظني باعتماد قرينة البراءة للموقوفين ولمن وردت أسماؤهم في التقرير.. حتى المثول أمام المحكمة حيث الشهود والأدلة من جهة وحيث الدفاع من جهة أخرى.
وكانت نسخة اولية من التقرير قالت ان شاهدا لم تتحدد هويته قال ان شوكت وماهر الاسد شقيق بشار الاسد كانا بين مجموعة من مسؤولي الامن اللبنانيين والسوريين "قررت اغتيال الحريري" في منتصف ايلول عام 2004 ثم خططت للاغتيال خلال سلسلة اجتماعات في دمشق.
وفيما يتعلق بقضية أحمد ابو عدس زعم هسام هسام (الشاهد المعقنع) ان فارس خشان "لقنه" الشهادة كي "أقول أنه خطف من بيته على طريق جديدة ونزل إلى عنجر حيث استقبله العميد رستم كم يوم ثم أرسل العقيد ماهر سيارة خاصة من عنده ثم أرسل إلى الشام وسيادة العقيد ماهر هو من أطلق عليه النار بيده ودفن في منطقة معربة تبعد 20 كم وتابعة للحرس الجمهوري ورفض العقيد ماهر تذويبها بالأسيد "لأنها ستلزم مستقبلا".
ماريا معلوف
وبشأن ما توصف به الاعلامية ماريا معلوف (العشيقة السابقة للعقيد ماهر الأسد) بأنها في برنامجها "بلا رقيب" في محطة نيو تي في اللبنانية، متعاطفة دوما مع النظام السوري، وقامت على امتداد أربع حلقات بتكريس البرنامج لـ "نفي" علاقة العقيد ماهر الأسد باغتيال رفيق الحريري، وقالت: أنا متعاطفة مع كل دولة تؤمن بالعروبة وبالمواقف الوطنية ومع كل شخص وطني وضد الاستبداد والجرائم...و و و...
والسؤال هو كيف للاعلامية ماريا معلوف ان تنفي او تؤكد تورط اي شخص كان مع ان لجنة التحقيق لم تعلن نتائج عملها بعد، إلا إذا كان الحبيب ماهر قد لقنها ما تقوله وان تنفي على شاشات التلفزيون والصحف تورطه الشخصي في جريمة اغتيال الحريري.
باتريك سيل
حتى كان مقال الصحافي والكاتب البريطاني المعروف بقربه الشديد من أسرة الأسد الأب والأبناء وهو واضع أهم كتاب صدر عن حافظ الأسد: الصراع على الشرق الأوسط الذي استمد معلوماته بمعظمها من فم الرئيس الراحل وأركانه وبعض أركان النظام على اختلاف مشاربهم.
وباتريك سيل متزوج من السيدة رنى قباني ابنة السفير السوري السابق صباح قباني وكان مقرباً من الرئيس الشاب طبيب العيون بشار الأسد الذي كان يلتقيه كثيراً في بريطانيا، وكان له دور مشهود في تعيين محافظ حلب السابق محمد مصطفى ميرو أول رئيس للوزراء في عهد بشار بعد شهادة له سمعها سيل من وفد بريطاني زار حلب وأعجب بالمحافظ فنقل سيل الإعجاب إلى بشار الأسد الذي اعتمد في مطلع حكمه سياسة الإقامة لفترة في الشهباء حلب وهي المدينة التاريخية والأهم في سوريا بعد دمشق عاصمة الأمويين.
ماذا قال سيل؟
كتب سيل في مقالة له نشرت في "الحياة" الجمعة في 28/10/2005 ان الرئيس بشار الأسد يواجه الآن في مأزق جريمة قتل الحريري موقفاً شبيهاً بموقف والده الرئيس الراحل حافظ الأسد مع شقيقه رفعت الأسد عام 1984 والتي انتهت بانحياز قادة القوى المسلحة خاصة القوات الخاصة بقيادة اللواء علي حيدر إلى جانب الرئيس حافظ لخلع شقيقه ونفيه إلى موسكو.. لينتقل بعدها رفعت إلى باريس وماربيا في إسبانيا.
ويدعو سيل في مقاله بشار الأسد إلى اغتنام هذه الفرصة للتخلص من شقيقه ومراكز القوى الأخرى ليتمكن من الحكم حسب مشروعه السابق للإصلاح الذي لم ير النور رغم إطلاقه عام 2000 ووجد تعبيراته في ربيع دمشق قبل الانقضاض عليه عودة إلى نقطة الصفر في ممارسة القمع ضد حرية الرأي والمعتقد..
وهكذا.. وحسب باتريك سيل يبرئ بشار الأسد نظامه من جريمة قتل الحريري أمام العالم كله ويخرج من المأزق والعزلة التي تعيشها سوريا بسبب هذه الجريمة، ويعود إلى إطلاق مشروعه الذي يضمن له بالتغيير والمراجعة إقامة حكم مقبول شعبياً بإلغاء الأحكام العرفية وإلغاء حالة الطوارئ وإطلاق المعتقلين السياسيين وإعادة المنفيين وإجراء انتخابات حرة ديموقراطية بناء على تعديل دستوري تحتاجه الحياة السياسية والشعبية والاجتماعية والاقتصادية في سوريا.. وبذا تفك العزلة العربية والدولية عن سوريا وتسقط الضغوط المختلفة عليها وفق القرارات الدولية التي تلاحقها وبالإجماع في معظم الأحوال.
هل يستطيع بشار؟
عدا المبادرة – المتأخرة دائماً – في إطلاق سراح 190 معتقلاً سياسياً من السجون السورية بمناسبة عيد الفطر، وهو تقليد يعتمده عادة النظام في سوريا وفي عدد من الأنظمة العربية بهذه المناسبة الدينية وتجاه السجناء العاديين غير السياسيين – وكثيراً ما فعلها الرئيس العراقي الأسير صدام حسين في بلاده بمناسبة الأعياد.
وعدا تشكيل بشار الأسد لجنة التحقيق السورية الخاصة بجريمة قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإعلان أكثر من مسؤول سوري ان دمشق مستعدة لتسليم أي متهم سوري بارتكاب هذه الجريمة، واعتبار الرئيس الأسد ان أي سوري يثبت تورطه بهذه الجريمة هو خائن لسوريا، وان سوريا ستتعاون مع لجنة التحقيق الدولية الخاصة بالجريمة، حسب القرارين الدوليين 1595 و1636.
فهل يستطيع بشار ان يبرء شقيقه ماهر الأسد وعملية تبيض الأموال من البنوك اللبنانية ؟
وهل تتدخل السيدة الوالدة أنيسة بين الشقيقين بشار وماهر مثلما تدخلت الراحلة المرحومة ناعسة بين الشقيقين حافظ ورفعت وحلت خلافهما عام 1984 بإبعاد رفعت من ذلك التاريخ حتى اليوم؟ وأيضاً محافظة على النظام وعلى العائلة؟
نعم
كان رفعت الأسد شريكاً لحافظ الأسد في السلطة وكان تحت قبضته سرايا الدفاع جيشاً خارج الجيش الرسمي السوري، وكانت علاقاته العربية والدولية واسعة تسمح له بالبروز مركز قوة لا يستهان بها داخل مراكز النظام الأخرى خاصة مع الأموال الطائلة التي توفرت له بوسائل تعرف أجهزة الأمن السورية كيفية الحصول عليها.
لكن حافظ الأسد كثيراً ما استخدم مكانة شقيقه رفعت لدعم نظامه وتنفيذ ما يريد تنفيذه مباشرة دون الاعتماد على أركان الأجهزة الأخرى، خاصة علاقاته العربية التي كانت كثيراً ما تسوء مع النظام السوري خاصة حين يكون موفده إليها يومها عبد الحليم خدام فيبادر رفعت إلى تصحيحها وإعادة الدفء إليها بسبب علاقاته تلك حتى ان أحد المسؤولين العرب الكبار كان يصف رفعت بأنه الأخ الذي لم تلده له أمه!!
أي ان ماهر الأسد هو شريك شقيقه في أهم القضايا الإستراتيجية التي تحملها سوريا في هذه المرحلة، وهو المنفذ الفعلي لسياسة النظام كله في لبنان.. حتى في الموقف من رفيق الحريري.
فكيف يمكن التخلص منه؟
انه الشقيق القوي والشريك المضارب، في كل القرارات.
انه الضابط القوي الذي يملك السيطرة على قوى عسكرية فاعلة داخل النظام، اللواء الرابع في الحرس الجمهوري المعزز بأحدث الأسلحة، وهو الضابط المحترف الصاعد من قلب السلطة العسكرية. وكل محاولة للمس به تعني بنية النظام الأساسية التي قد يؤدي تفاقمها إلى إسقاط النظام كله حتى لو كانت المقدمة لهذا مرعبة وهي حرب داخلية لا تبقى ولا تذر لان آل الأسد ما يهمهم هو الكرسي ونهب البلاد وسرقة ثرواتها الباطنية وسرقة آثار البلاد من تحف وذهب.
ثم.. إذا كانت الآراء العربية والدولية تلتقي الآن على حتمية استمرار النظام في سوريا والاكتفاء بتحسين سلوكه تجاه لبنان وفلسطين والعراق وفي إطلاق الحريات ومسار ديموقراطي داخل سوريا، فإن التوجه الآن هو لإبعاد بشار الأسد كون أصبحت اتهاماته تقذف الى كل الاتجاهات الى القادة العرب والعالم ويتحدث عن الفساد وعن الإنسانية وعن المقاومة وأخيه الذي بجانبه لديه سجن خاص به المسؤول عنه غسان بلال كم من الشعب قتل داخل هذه السجون الخاصة السرية والمقاومة أي مقاومة وشقيقه لديه فرقة كاملة لحمايته الخاصة وحماية مصالح آل الأسد .
لقد سبق ان تسلم بشار الأسد رسالة من عقلاء الطائفة العلوية يدعونه فيها إلى تصحيح الأوضاع وعدم السماح لطموحات وجشع عدد من الضباط بتشويه صورة الطائفة العربية المشهود لها بالشهامة والكرامة وعزة النفس، وعليه ان يقدم على الإنقاذ والناس في سوريا سيكونون كلهم معه.. فهل يقدم الأسد على التصحيح بالتضحية بمن يثبت دورهم في جريمة اغتيال الحريري، وفي جرائم الفساد المعشش في عائلة الأسد ومخلوف وفي كل دوائر السلطة والإدارة والأمن في سوريا.
و يعمل بشار الأسد على قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم" أم سيندفع إلى العبارة التي تتردد كثيراً هذه الأيام: "عليّ وعلى أعدائي يا رب".
و أخيراً بقى ان نقول انه في حال ثبتت تهمة تورط ماهر الأسد في جريمة اغتيال الحريري، فعلى خلاف ما كان يجهر به إعلام حزب البعث من أن أي قرار يتضمن عقوبات لسورية سوف يكون موجها ضد الشعب السوري، فإن ماهر الأسد قائد الحرس الجمهوري والكتلة التي تحيط بالرئيس بشار الأسد وشقيقته بشرى وصهره آصف شوكت والتي تمسك بمقاليد الحكم في دمشق، لن تخشى تضمين قرار مجلس الأمن عقوبات اقتصادية، فإنها -علاوة على أن العقوبات الاقتصادية سوف تفتح أمام هذه "الكتلة" الفرص لاحتكار المواد الأساسية التي يحتاجها الشعب السوري-ستزعم بأن أمريكا تعمل على تجويع أطفال أطفال الشعب السوري.
مصادرنا عن المقربين جداً من عائلة آل الحاكم تقول بان ماهر الأسد الذي لا يظهر على الاعلام إلا في الأعراس أو الجنازات لا ينام حين يسافر شقيقه خارج البلاد أو حين يكون الرئيس بشار نائماً في فراشه.