يوحي التصعيد الذي شهدته الايام القليلة الماضية بانّ هناك من وضع نصب عينيه
تفتيت سوريا. من الواضح ان كلّ الذين يسعون الى اطالة الحرب الاهلية في هذا
البلد العربي المهم انما يسعون، من حيث يدرون او لا يدرون، الى الحؤول
مستقبلا دون استعادة سوريا لعافيتها من جهة وتحولّها الى دولة طبيعية
موحّدة تعيش في ظلّ نظام ديموقراطي فعلا من جهة اخرى.
في النهاية، ان النظام السوري سقط قبل اشهر عدّة. سقط في
اليوم الذي لم يجد خيارات اخرى للتعاطي مع الثورة الشعبية الحقيقية سوى
الخيار الامني. منذ اليوم الاوّل لاندلاع الثورة قبل ثلاثة عشر شهرا، لم
يجد النظام ما يردّ به على مواطنيه غير العنف والقمع وتدمير المنازل
والاحياء.
حسنا، استطاع الرئيس الراحل حافظ الاسد، طوال ثلاثين عاما،
اللجوء الى الخيار الامني فنفّذ سلسلة من المجازر في انحاء مختلفة من
سوريا. كانت مجزرة حماة تتويجا للسلسلة التي لم تنه يوما. ارتكب النظام
السوري في عهد الاسد الابّ سلسلة اخرى من المجازر في لبنان، بشكل مباشر او
بالواسطة شملت حتى المخيمات الفلسطينية. طالت تلك المجازر لبنانيين من كلّ
المناطق مع تركيز على المسيحيين في البداية من اجل اخضاعهم نهائيا وكي
يكونوا اداة طيعة على غرار ما هو عليه النائب ميشال عون ومن لفّ لفّه من
صغار الصغار حاليا. ليس مطلوبا من المسيحي الاّ ان يكون اداة لدى النظام
السوري. لذلك كان ذلك التركيز على المسيحيين الشرفاء الذين رفضوا الانصياع
لاوامر النظام السوري، فتعرّض هؤلاء لما تعرّضوا له من جرائم.
في الوقت ذاته، كان هناك تركيز مستمرّ على اهل السنّة من اجل
ان لا يكون لديهم زعيم يمتلك حيثية. صار سنّة لبنان عقدة النظام السوري،
خصوصا منذ تولّى حافظ الاسد السلطة في العام 1970. امّا الدروز، فقد اعتبر
انهم صاروا في الجيب منذ اليوم الذي اغتيل فيه الزعيم الوطني كمال جنبلاط
في آذار- مارس من العام 1977.
لم يتغيّر شيء في عهد الرئيس بشّار الاسد ابتداء من العام
2000. ظلّت السياسة المتبعة قائمة على الخيار الامني ان في لبنان او في
سوريا. لم يفطن الاسد الابن الى ان اغتيال رفيق الحريري سيخلق هذا الزلزال
الكبير الذي اجبره على سحب قواته من لبنان في نيسان- ابريل من العام 2005.
لم يدرك في اي لحظة ان الخيار الامني لم يعد خيارا لا في لبنان ولا في
سوريا وان هذا الخيار سيرتدّ على نظامه عاجلا ام آجلا.
ما يواجهه النظام السوري حاليا هو مأزق الخيار الامني الذي
لم يستطع ايجاد بديل منه أكان ذلك في عهد الاب او في عهد الابن. ما يمكن
اعتباره عنصرا جديدا في المعادلة السورية حاليا هو الاصرار الذي يبديه
الشعب السوري على الاستمرار في المقاومة. يترافق ذلك مع اصوات عربية جريئة
تسمّي الاشياء باسمائها وترفض التفرّج على المجازر التي ترتكب في حق ابناء
الشعب السوري. هذه الاصوات العربية تدرك ان السبيل الوحيد لانقاذ سوريا هو
تنحي بشّار الاسد عن السلطة واعداد البلد لمرحلة جديدة عبر مرحلة انتقالية
يتفق خلالها السوريون على نظام جديد للحكم يليق بهم وبثورتهم.
تكمن مشكلة هؤلاء العرب الذين يدعون الى الانتهاء من النظام
في اسرع ما يمكن، ان عليهم القتال على غير جبهة. عليهم دعم الشعب السوري في
ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد اوّلا وعليهم اقناع المجتمع الدولي بانّ
هناك حربا اهلية حقيقية في سوريا وان مدنا وبلدات وقرى تواجه حملات تدمير
وابادة لمجرد ان اهلها يعلنون انهم ضدّ النظام وانهم يريدون الحرية
والكرامة.
هؤلاء العرب، الذين يعملون من اجل استعادة سوريا، يواجهون ايضا الحلف غير المقدّس الذي يضم اطرافا مثل روسيا والصين وايران واسرائيل.
ما يجمع بين كلّ هذه الاطراف هو الرغبة في دعم النظام السوري
بكلّ الوسائل الممكنة، حتى عن طريق اجبار العراق على دعم نظام يكرهه، وكأن
المطلوب ادامة الحرب الاهلية الى ما لا نهاية. كلّ ذلك من اجل التأكد من
انه لن تقوم يوما قيامة لسوريا.
الاكيد ان مهمة العرب الذين يودون انقاذ سوريا ليست سهلة
بايّ شكل. ولكن ليس امامهم سوى التمسّك بالموقف الشجاع الذي اتخذوه منذ
اليوم الاوّل الذي تبيّن فيه ان ليس لدى النظام السوري ما يلجأ اليه سوى
الخيار الامني، اي خيار الغاء الآخر.
لا يمكن للعرب الشرفاء الذين اتخذوا موقفا واضحا منذ البداية
من الثورة الشعبية في سوريا الاّ ان يكونوا على حقّ نظرا الى انه ليس في
استطاعة نظام، مهما بلغت قوته وسطوته وحجم اجهزته الامنية، من الانتصار على
شعبه، كما ليس من حقّه ذلك. الامل، كلّ الامل في ان يتحقق هذا الانتصار في
اقرب فرصة تفاديا لمزيد من الدماء ولتحوّل الحرب الاهلية الدائرة حاليا
الى عملية تنظيف ذات طابع مذهبي تقضي على النسيج الاجتماعي في سوريا على
غرار ما حصل في العراق. تلك هي كارثة الكوارث بالنسبة الى مستقبل سوريا
والمنطقة المحيطة بها!
خيرالله خيرالله
تفتيت سوريا. من الواضح ان كلّ الذين يسعون الى اطالة الحرب الاهلية في هذا
البلد العربي المهم انما يسعون، من حيث يدرون او لا يدرون، الى الحؤول
مستقبلا دون استعادة سوريا لعافيتها من جهة وتحولّها الى دولة طبيعية
موحّدة تعيش في ظلّ نظام ديموقراطي فعلا من جهة اخرى.
في النهاية، ان النظام السوري سقط قبل اشهر عدّة. سقط في
اليوم الذي لم يجد خيارات اخرى للتعاطي مع الثورة الشعبية الحقيقية سوى
الخيار الامني. منذ اليوم الاوّل لاندلاع الثورة قبل ثلاثة عشر شهرا، لم
يجد النظام ما يردّ به على مواطنيه غير العنف والقمع وتدمير المنازل
والاحياء.
حسنا، استطاع الرئيس الراحل حافظ الاسد، طوال ثلاثين عاما،
اللجوء الى الخيار الامني فنفّذ سلسلة من المجازر في انحاء مختلفة من
سوريا. كانت مجزرة حماة تتويجا للسلسلة التي لم تنه يوما. ارتكب النظام
السوري في عهد الاسد الابّ سلسلة اخرى من المجازر في لبنان، بشكل مباشر او
بالواسطة شملت حتى المخيمات الفلسطينية. طالت تلك المجازر لبنانيين من كلّ
المناطق مع تركيز على المسيحيين في البداية من اجل اخضاعهم نهائيا وكي
يكونوا اداة طيعة على غرار ما هو عليه النائب ميشال عون ومن لفّ لفّه من
صغار الصغار حاليا. ليس مطلوبا من المسيحي الاّ ان يكون اداة لدى النظام
السوري. لذلك كان ذلك التركيز على المسيحيين الشرفاء الذين رفضوا الانصياع
لاوامر النظام السوري، فتعرّض هؤلاء لما تعرّضوا له من جرائم.
في الوقت ذاته، كان هناك تركيز مستمرّ على اهل السنّة من اجل
ان لا يكون لديهم زعيم يمتلك حيثية. صار سنّة لبنان عقدة النظام السوري،
خصوصا منذ تولّى حافظ الاسد السلطة في العام 1970. امّا الدروز، فقد اعتبر
انهم صاروا في الجيب منذ اليوم الذي اغتيل فيه الزعيم الوطني كمال جنبلاط
في آذار- مارس من العام 1977.
لم يتغيّر شيء في عهد الرئيس بشّار الاسد ابتداء من العام
2000. ظلّت السياسة المتبعة قائمة على الخيار الامني ان في لبنان او في
سوريا. لم يفطن الاسد الابن الى ان اغتيال رفيق الحريري سيخلق هذا الزلزال
الكبير الذي اجبره على سحب قواته من لبنان في نيسان- ابريل من العام 2005.
لم يدرك في اي لحظة ان الخيار الامني لم يعد خيارا لا في لبنان ولا في
سوريا وان هذا الخيار سيرتدّ على نظامه عاجلا ام آجلا.
ما يواجهه النظام السوري حاليا هو مأزق الخيار الامني الذي
لم يستطع ايجاد بديل منه أكان ذلك في عهد الاب او في عهد الابن. ما يمكن
اعتباره عنصرا جديدا في المعادلة السورية حاليا هو الاصرار الذي يبديه
الشعب السوري على الاستمرار في المقاومة. يترافق ذلك مع اصوات عربية جريئة
تسمّي الاشياء باسمائها وترفض التفرّج على المجازر التي ترتكب في حق ابناء
الشعب السوري. هذه الاصوات العربية تدرك ان السبيل الوحيد لانقاذ سوريا هو
تنحي بشّار الاسد عن السلطة واعداد البلد لمرحلة جديدة عبر مرحلة انتقالية
يتفق خلالها السوريون على نظام جديد للحكم يليق بهم وبثورتهم.
تكمن مشكلة هؤلاء العرب الذين يدعون الى الانتهاء من النظام
في اسرع ما يمكن، ان عليهم القتال على غير جبهة. عليهم دعم الشعب السوري في
ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد اوّلا وعليهم اقناع المجتمع الدولي بانّ
هناك حربا اهلية حقيقية في سوريا وان مدنا وبلدات وقرى تواجه حملات تدمير
وابادة لمجرد ان اهلها يعلنون انهم ضدّ النظام وانهم يريدون الحرية
والكرامة.
هؤلاء العرب، الذين يعملون من اجل استعادة سوريا، يواجهون ايضا الحلف غير المقدّس الذي يضم اطرافا مثل روسيا والصين وايران واسرائيل.
ما يجمع بين كلّ هذه الاطراف هو الرغبة في دعم النظام السوري
بكلّ الوسائل الممكنة، حتى عن طريق اجبار العراق على دعم نظام يكرهه، وكأن
المطلوب ادامة الحرب الاهلية الى ما لا نهاية. كلّ ذلك من اجل التأكد من
انه لن تقوم يوما قيامة لسوريا.
الاكيد ان مهمة العرب الذين يودون انقاذ سوريا ليست سهلة
بايّ شكل. ولكن ليس امامهم سوى التمسّك بالموقف الشجاع الذي اتخذوه منذ
اليوم الاوّل الذي تبيّن فيه ان ليس لدى النظام السوري ما يلجأ اليه سوى
الخيار الامني، اي خيار الغاء الآخر.
لا يمكن للعرب الشرفاء الذين اتخذوا موقفا واضحا منذ البداية
من الثورة الشعبية في سوريا الاّ ان يكونوا على حقّ نظرا الى انه ليس في
استطاعة نظام، مهما بلغت قوته وسطوته وحجم اجهزته الامنية، من الانتصار على
شعبه، كما ليس من حقّه ذلك. الامل، كلّ الامل في ان يتحقق هذا الانتصار في
اقرب فرصة تفاديا لمزيد من الدماء ولتحوّل الحرب الاهلية الدائرة حاليا
الى عملية تنظيف ذات طابع مذهبي تقضي على النسيج الاجتماعي في سوريا على
غرار ما حصل في العراق. تلك هي كارثة الكوارث بالنسبة الى مستقبل سوريا
والمنطقة المحيطة بها!
خيرالله خيرالله