بسم الله الرحمن الرحيم تابع2 ) الــعـــدالـــة الـربــانـــيــة فــي الــدنيــا(


﴿القصاص في الأعراض فيمن أَصَابَ عِرْضِهِ بِالشَّتْمِ﴾ الْعِرْضُ:ـ يُقَالُ عَلَى الْجَسَدِ وَالنَّفْسِ وَالْحَسَبِ إما بمْدَحٍ
فيه أو بذكِرْ سُوءٍ فيه
قال النبيr[المتسابان ما قالا:-على البادى منهما،ما لم يعتد المظلوم"ثم قرأ النبيr{وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مِثلُها}رواه مسلم وابن مروديه
واللفظ
لهوهذا دَلِيلُ التَّقَاصِّ فِي السَّبِّ
وسمي الجزاء سيئة لأنه في مقابلتها قوله
r(الْمُسْتَبَّانِ)أي
اللذان يتبادلان الاتهام بالعيب والنقيصة
(مَا قَالَا)أَيْ إِثْم
قَوْلهمَا مِنْ السَّبّ وَالشَّتْم عَلَى الَّذِي بَدَأَ فِي السَّبّ لِأَنَّهُ السَّبَب
لِتِلْكَ الْمُخَاصَمَة ولِكَوْنِهِ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى ظُلْمه
قال النبيr(سِبَابُ الْمُسْلِمِ فسوق وقتاله
كفر
)رواه مسلموقولهr(مَا لَمْ يَعْتَدّ الْمَظْلُوم):أَيْ فَإِنْ جَاوَزَ الْمَظْلُومُ
الْحَدَّ بِأَنْ أَكْثَرَ شَتْمَ الْبَادِئِ وَأَفْحَشَ في إِيذَاءَهِ صَارَ إِثْمُ
الْمَظْلُومِ أَكْثَرَ مِنْ إِثْمِ الْبَادِئِ وَالْبَاقِي عَلَى الْبَادِي
قال النبيr[من الكبائر السبتان بالسبة وإن من الكبائر
استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق وأربى الربا
(أي أزيده
إثما
) شتم الأعراض](صححه
الألباني.في الصحيحة3 1433)


)وَالْحَاصِل معناه إِذَا سَبَّ كُلّ وَاحِد
الْآخَر فَإِثْم مَا قَالَا عَلَى الَّذِي بَدَأَ فِي السَّبّ إِذَا لَمْ َيَتَجَاوَز
الْمَظْلُوم الْحَدّ فإِذَا تَجَاوَزَ فَلَا يَكُونُ الْإِثْمُ عَلَى الْبَادِئِ فَقَطْ
بَلْ يَكُونُ الْآخَرُ آثِمًا أَيْضًا بِاعْتِدَائِهِ عليه فلا يجوز للمسبوب أن يعتدي
إلا بمثل ما سبه ولا يسبه بما فيه قذفٍ أو كفرٍ فمن قال لآخر:يا زانى،أو يا لوطي
فقال له الآخر:لا بل أنت،فإنهما يحدان ولا يسقط الحد بتبادل القذف إلا أن يعفو
الجميع ويجوز أن يكون العفو صريحًا أو ضمنيًا،أي بان لا يُطالب بحد من قذفه ويترتب
على العفو أن يكون قبل بلوغ القاضي أما إذا بلغ القاضي فلا يسقط بالعفو كسائر
الحدود ولا يقابل الكذب بكذب ولا الظُلمَ بِِظُلم من لم يظلمه فإذا افْتَرَى عَلَيْهِ
كَذِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَرِيَ عَلَيْهِ كَذِبًا؛لِأَنَّ الْكَذِبَ حَرَامٌ
لِحَقِّ الله فيه وإِذَا لَعَنَ أَبَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَلْعَنَ أَبَاهُ؛لِأَنَّهُ
لَمْ يَظْلِمْهُ فإذا انتصر بمثل ما سَّبه من غير أن يعتدي عَلَى حَقٍّ مَحْضٍ لِلَّهِ
أَوْ عَلَى غَيْرِ الظَّالِمِ إستوفي ظلامته بالإنتصار منه وبقي على البادئ الذم والإثم
الذي بينهُ وبين ربه فإذا تاب منه رفع عنه الإثم ويَسَقُط حق المظلوم بالقصاص بمثل
ما سبه من غير اعتداء أو بالعفو على البادئ ضمناً أو تصريحاً



ولا يَسَقُطُ حق الغير
بالتوبة من الفاحشة فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فلِلزَّوْجِ حَقٌّ عَلَى الزَّانِي
بِزَوْجَتِهِ أو ابنته أو الفاعل بإبنهِ فحقه باق وحقه هو القصاص إذا كان له أربعه
شهود فَيُجْلَد العازب منهما مائة جلده و يُقتَلاَ حداًَ إذا كانا متزوجين ولم
يُكن احدهما مكرهاً فإن ظُلم الزوج بإفساد ابنته أو ابنه
أو حليلته والجناية على فراشه أعظم من ظُلم أخذ ماله ولا يعدل عنده إلا سفك دمه
وَيَسْقُطُ حَقُّ الزوج بِتَّوْبَةِ فاعل الفاحشة إذا لم يكن لزوج شهود أربعه تثبت
جريمة المعتدي على عرضه عند القاضي وإذا لم يتوب فاعل الفاحشة اقتُص منهُ للمظلوم
في الآخرة بالحسنات والسيئات



﴿الــقــصاص في الأمـوال قال
تعالى
{وجزاء سيئة سيئة مثلها}تأول الشافعي في هذه الآية
أن للإنسان أن يأخذ من مال من خانه مثل ما خانه من غير علمه فإن كان لا يصل إليه بالمطالبة
لجحود من هو عليه من عدم بينة تشهد له فيجوز استسراره بأخذه وهو قول مالك والشافعي،فإن
أمكنه الوصول إليه لوجود بينة تشهد له لم يكن له الإستسرار بأخذه بل يغالب على حقه
حتى يصل إليه



﴿القــصــاص في الــبــدن قال
تعالى
{وجزاء سيئة سيئة مثلها}قال ابن أبي نجيح:إنه محمول
على المقابلة في الجراح ينتقم من الجارح بالقصاص
قال القرطبي وفي
الآية دليل على أن له أن يستوفي ذلك بنفسه وهذا أن يكون قصاصا في بدن يستحقه آدمي،فلا
حرج عليه إن استوفاه من غير عدوان وثبت حقه عند الحاكم"
تفسير القرطبي






بسم الله (العدالة الربانية)[باب القصاص بالمثل](يَقْتَصُّ الْمَظْلُومُ مِنْ
الظَّالِمِ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَدْر حَقِّهِ
) والدليل
على هذا قوله تعالى:
(وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) قال الضحاك الآية نُزلت في
القصاص"وقال القرطبي"وقد استدل بها الشافعي على وجوب رعاية المماثلة في القصاص"وعن
ابن جريرج قال هي:"ما يكون من الناس في الدنيا مما يصيب بعضهم بعضاً للقصاص"وقال
الشوكاني:ـ
(والمراد بالمثلية:أنه اقتصر على المقدار الذي ظلم به ولم يزد عليه فبيّن سبحانه
أن العدل في الانتصار هو:الاقتصار على المساواة،وظاهر هذا العموم"أي في
المسلمين وغيرهم"قال ابن تيميه:وَلَمَّا كَانَ الْعَدْلُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ
عِلْمٌ-إذْ مَنْ لَا يَعْلَمُ لَا يَدْرِي مَا الْعَدْلُ؟وَالْإِنْسَانُ ظَالِمٌ جَاهِلٌ
إلَّا مَنْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَصَارَ عَالِمًا عَادِلًا وقد يصَير ْعَالِمٌ جَائِراَ
فالجَاهِلُ الظَّالِمُ ْوالعَالِمُ الجَائِرُ؛هَذَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ كما
قال النبيr:(رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ
وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ؛وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ
فِي النَّارِ؛وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ
) وجَمِيعُ هَذِهِ الْأَبْوَابِ
الْمَقْصُودُ لِلشَّرِيعَةِ فِيهَا تَحَرِّي الْعَدْلِ بِحَسَبِ الإمكان لأنه هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ الْكُتُبَ وَأَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ كَمَا
قَالَ سُبْحَانَهُ:{يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى
نَفْسِي وَجَعَلْته بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تظالموا}
فَإِنَّ هَذَا خِطَابٌ
لِجَمِيعِ الْعِبَادِ أَنْ لَا يَظْلِمَ أَحَدٌ أَحَدًا وَأَمْرُ الْعَالِمِ فِي الشَّرِيعَةِ
مَبْنِيٌّ عَلَى هَذَا وَهُوَ الْعَدْلُ فِي الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ؛وَالْأَبْضَاعِ
وَالْأَنْسَابِ؛وَالْأَعْرَاضِ وَهُوَ مَقْصُودُ الْعُلَمَاءِ لَكِنْ أَفْهَمُهُمْ
مَنْ قَالَ بِمَا هُوَ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ
(أي المماثلة)وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ
قَدْ أُوتِيَ عِلْمًا وَحُكْمًا؛ وَلِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ
وَمُقَابَلَةِ الْعَادِي بِمِثْلِ فِعْلِهِ لَكِنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ يَكُونُ عِلْمُهَا
أَوْ عَمَلُهَا مُتَعَذِّرًا أَوْ مُتَعَسِّرًا؛وَلِهَذَا يَكُونُ الْوَاجِبُ مَا يَكُونُ
أَقْرَبَ إلَيْهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلِهَذَا كَانَ الْقِصَاصُ مَشْرُوعًا إذَا
أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ جَنَفٍ
(أي ظُلم) كَالِاقْتِصَاصِ فِي
الْجُرُوحِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ وَمَفْصِلٍ فَإِذَا كَانَ الْجَنَفُ
(الظُلم) وَاقِعًا فِي الِاسْتِيفَاءِ
عُدِلَ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الدِّيَةُ؛لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْعَدْلِ مِنْ إتْلَافِ
زِيَادَةٍ فِي الْمُقْتَصِّ مِنْهُ لَكِنْ الَّذِينَ قَالُوا:يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ
مَا فَعَلَ قَوْلُهُمْ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ؛فَإِنَّهُ مَعَ تَحَرِّي التَّسْوِيَةِ
بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ يَكُونُ الْعَبْدُ قَدْ فَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدْلِ
وَمَا حَصَلَ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَلَمِ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَأَمَّا إذَا رَضَّ
رَأْسَهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَضُرِبَ بِالسَّيْفِ فَهُنَا قَدْ تَيَقَّنَّا عَدَمَ
الْمُعَادَلَةِ وَالْمُمَاثَلَةِ وَكُنَّا قَدْ فَعَلْنَا مَا تَيَقَّنَّا انْتِفَاءَ
الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ وَالْقِصَاصُ فِي الضَّرْبَةِ وَاللَّطْمَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
قد عَدَلَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى التَّعْزِيرِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ
الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ ومَا جَاءَتْ بِهِ سُنَّةُ
رَسُولِ اللَّهِ
rمِنْ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ
بِهِ؛لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى الْعَدْلِ وَالْمُمَاثَلَةِ فَإِنَّا إذَا تَحَرَّيْنَا
أَنْ نَفْعَلَ بِهِ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ وَنُقَرِّبَ الْقَدْرَ مِنْ الْقَدْرِ كَانَ
هَذَا أَمْثَلَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ بِجِنْسِ مِنْ الْعُقُوبَةِ تُخَالِفُ عُقُوبَتُهُ
جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَهَذَا النَّظَرُ أَيْضًا فِي ضَمَانِ الْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ تَقْرِيبًا أَوْ بِالْقِيمَةِ كَمَا نَصَّ أَحْمَد عَلَى
ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِ ضَمَانِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
فِيمَنْ خَرَّبَ حَائِطَ غَيْرِهِ:أَنَّهُ يَبْنِيهِ كَمَا كَانَ وَبِهَذَا قَضَى سُلَيْمَانُ
عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حُكُومَةِ الْحَرْثِ الَّتِي حَكَمَ فِيهَا هُوَ وَأَبُوهُ
وَإِذَا كَانَ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْحَاكِمُِ مُنَازَعَةٌ حَكَمَ بَيْنَهُمَا غَيْرُهُمَا
بِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ اعْتَدَى عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقَابَلُ
عَلَى عُدْوَانِهِ إمَّا أَنْ يُعَاقَبَ بِمِثْلِ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَتْ الْمُمَاثَلَةُ؛وَإِلَّا
عُوقِبَ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ شَرْعًا
)مجموع الفتاوى
بتصرف