تشبه التطورات اليومية المتعلقة بالأزمة السورية، سواء تلك التي تجري على
الأرض، أم تلك المتصلة بالمواقف الخارجية، في كثير من أوجهها، ظروف «إدارة
الأزمة» التي سبق أن شهدناها في ما يتعلق بالحرب الأهلية اللبنانية،
ومراحلها التي دارت بين العامين 1975 و1990.
لا تبدو مساعي معالجة الأزمة في شكل جذري حاسمة في أي من الاتجاهات،
لذلك، تسير هذه الجهود ببطء لأنها لا تتوخى تحقيق الانتقال السياسي في
السلطة في سورية، التي لا يبدو أنها ستعرف نسبة من الاستقرار من دون حصوله.
فما يجري هو مناورات سواء من النظام، أم من القوى الخارجية المساندة له،
أم بعض القوى الخارجية المناوئة له، لا سيما الدول الغربية التي ترسخ
الانطباع بأنها غير مستعجلة على رحيله، مع انها مع هذا الرحيل في نهاية
المطاف. والرئيس الأميركي باراك أوباما سبق أن قال إن سقوط الرئيس السوري
بشار الأسد «حتمي»، وأن السؤال لا يتعلق برحيله بل بشأن «متى وكيف». وإن دل
هذا على شيء فعلى أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها قادة الغرب لا
يمانعون في إطالة أمد الأزمة السورية وتأخير الانتقال السياسي، ليس فقط
لاستحالة التدخل العسكري المباشر مثلما حصل في ليبيا، ولأن واشنطن منهكة من
حروبها في الشرق الأوسط ولأن هناك فيتو روسياً وصينياً، بل لأن الغرب
يفضّل، إضافة الى كل هذه الأسباب، اعتماد سياسة استنزاف للنظام وحليفه
الإيراني، وإنهاك لسورية نفسها، بما فيها المعارضة، الى أن يتضح البديل
وسياسته وتوجهاته، بحيث تبقى بلاد الشام متعبة لفترة طويلة في مرحلة ما بعد
الانتقال السياسي في شكل يلهي السوريين في إعادة البناء السياسي
والاقتصادي، عن إسرائيل في السنوات المقبلة.
تتكفّل إدارة الأزمة هذه، بتعميق جراح سورية وشروخها قبل أن يتلقفها حل
دولي ما. وفي الانتظار يبدو أنها ستمر بمراحل يتدرج خلالها التدخل الدولي
من درجة الى أخرى أعلى تزيد من تورط القوى الدولية في تفاصيلها، وسط قرار
بين القوى الكبرى بمحاولة إيجاد نقاط التقاطع والتوافق، مع اختلاف المصالح،
التي هي بمعظمها لا علاقة لها بسورية في حد ذاتها، بل بملفات دولية بعيدة
كلياً عن دمشق.
تبدو مهمة المبعوث الدولي – العربي كوفي أنان إحدى مراحل إدارة الأزمة.
وهي مهمة حصل عليها التقاطع الروسي – الأميركي الغربي. ولهذا السبب حذرت
موسكو النظام السوري بأن «إياكم وإفشال مهمة أنان». والعارفون يقولون، إنه
إذا لم ينجح وقف الأعمال القتالية في العاشر من الشهر الجاري، فإن الدول
الغربية قد تتجه الى إعلان فشل مهمة المبعوث الدولي – العربي، للانتقال الى
مرحلة أخرى هي التي تحدث عنها الرئيس الروسي ديميتري مدفيديف في 25 آذار
(مارس) الماضي. ولا يعني ذلك سوى أن القوى الكبرى لم تتفق على البديل من
فشل مهمة أنان سوى ترك الأمور تتفاقم أكثر فأكثر في الداخل السوري: النظام
يواصل عملياته العسكرية ونهج القتل، والمعارضة تواصل إصرارها على تغيير
النظام مع مزيد من التسلح لمواجهة الآلة الأمنية للحكم السوري. وقد تشهد
مرحلة ما بعد فشل مهمة أنان، إذا أُعلن فشلها، خطوات سياسية شكلية يقدم
عليها النظام، مثل إجراء انتخابات نيابية في 7 أيار (مايو) المقبل، أو
بعدها بقليل إذا أقدم على تأجيلها، يتبعها تغيير حكومي مع تعيين رئيس لها
من «معارضة الداخل» التي بقي بعض رموزها على علاقة مع النظام، ما يزيد
الشرخ بين الأطياف السورية المختلفة ويؤدي الى تصاعد الاستقطاب.
في ظل «إدارة الأزمة»، لا سيما إذا كانت القوى الدولية هي التي تتولى
هذه الإدارة، في شكل يجعل من القوى المحلية مجرد دمى، فإن الأخيرة غالباً
ما تسقط في الأوهام حول أدوارها وقراءتها للمراحل، تماماً مثلما حصل خلال
الحرب اللبنانية. فما أن يشعر فريق أنه انتصر، حتى يعود فينهزم أو يتراجع…
والعكس صحيح. وإذا كان من الطبيعي أن يكون لبنان أكثر البلدان تأثراً
بوقائع «إدارة الأزمة» السورية، فإن أخطر ما يواجه الفرقاء اللبنانيين هو
إساءة قراءتهم للمرحلة، وكيفية تأقلمهم مع تدرج مراحلها، بحذر وصبر.
أما الفريق الحليف للنظام، فإنه لم يغادر حتى الآن اعتقاده الذي ما برح
يردده منذ الأسبوع الأول لاندلاع انتفاضة الشعب السوري بأن الأزمة «انتهت»
بحكم تفوق الآلة العسكرية للنظام، وفق ما أعلنه الأمين العام لـ «حزب الله»
السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير قبل أسبوع. ولا بد لهذا الاستنتاج إلا
أن يقود الى حسابات خاطئة على رغم غلبة الاتجاه الى المحافظة على الاستقرار
لدى هذا الفريق.
وإذا كان معظم قادة الفريق المناوئ للنظام السوري (14 آذار) غادروا
أحلامهم المتسرعة بقرب سقوط النظام، فإن هؤلاء ما زالوا قاصرين عن وضع
استراتيجية التأقلم المطلوبة مع تواصل الأزمة السورية، بأقل قدر من الخسائر
على الداخل اللبناني.
المهم ألا تكون محاولة اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع فاتحة مرحلة جديدة من المواكبة الدموية لإدارة الأزمة في سورية.
وليد شقير