بعد طول انتظار رأت المحكمة الجنائية الدولية أن صلاحياتها لا تجيز لها النظر
في جرائم الكيان الصهيوني في غزة ذلك أنه ليس من اختصاص المحكمة النظر فيما
إذا كانت فلسطين دولة أم لا. ربما سيكون مخالفاً للواقع السياسي الذي
فرضته أميركا والغرب على العرب بقوة السلاح والإرهاب، أن نقول إن الكيان
الصهيوني لم يكن دولة في يوم من الأيام ولن يكون أيضاً، فهو مجرد مجموعة من
العصابات التي احتلت أرضاً وشردت شعباً وأخذت مكانه بالقوة.
مئة وثلاثون دولة في العالم تعترف بفلسطين دولة ذات سيادة كما أن
الجمعية العامة للأمم المتحدة أعطت فلسطين صفة مراقب، فهي بالفعل دولة عضو
في الأمم المتحدة وإلا لكانت صفتها دولة غير عضو، لكن أميركا وربيبتها
ليستا من بين تلك الدول الكثيرة التي اعترفت بفلسطين ولأننا مقتنعون أن
المحكمة الجنائية الدولية مسيسة تماماً، وتخدم مصالح الكيان الصهيوني
والغرب وأميركا، لم نكن لنتوقع أن تحقق في جرائم الاحتلال في غزة والتي
وقعت أثناء محاولة إبادة الصهاينة لقطاع غزة بمن فيه، في ظل صمت عربي ودولي
مطبق، شاركت فيه سوريا «دولة الممانعة والمقاومة». رغم نداءاتنا المتكررة
لنظام الأسد أن يخفف عن أهلنا في القطاع الصامد ولو بطلقة واحدة يطلقها على
العدو.
بضعة وعشرون يوماً مرت على غزة وهي تحت الفسفور الأبيض والقصف بالأسلحة
الفتاكة والمحرمة دولياً، وهدمت آلاف البيوت على رؤوس أصحابها وتم حرقها
بمن فيها. ثم تقول المحكمة الدولية إنها لا تستطيع التحقيق في تلك الجرائم
لأن فلسطين ليست دولة.
لنفترض الآن أن فلسطين بالفعل ليست دولة، وأن الكيان الصهيوني هو
الدولة، هل يصح أن يسكت العالم المتمدن ومحكمته الدولية على جرائم بحق شعب
أعزل لعدم وجود دولة تمثله؟ إنه لقانون أحمق ذلك الذي يجيز الفسفور الأبيض
والأسلحة الكيماوية ضد شعب فلسطين؛ لأن ليس له دولة تمثله. إذاً فالأحرى
بالصهاينة أن يبيدوا أهل فلسطين عن بكرة أبيهم، فلن يحاسبهم أحد إذ لا دولة
لهم.
نقطة أخرى أتوقف عندها، لماذا ثارت ثائرة المحكمة الدولية والغرب كله
وأميركا والصهاينة أيضاً ضد الرئيس السوداني فيما يتعلق بجرائم دارفور؟ هل
كانت دارفور دولة مثلاً ونحن لا نعرف. أم كانت منطقة مترعة بالنفط الذي
يسيل لعابَ الغرب.
يتكرر المشهد في جرائم الأسد ضد الشعب السوري الأعزل. وللحق وبمنتهى
التجرد بعيداً عن العاطفة، فإن ما فعله الأسد بالشعب السوري أعظم وأشد
إجراماً مما فعله حكام الصهاينة مجتمعين ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948؛
إذ يعتبر الصهاينة أهل فلسطين أعداء ويتصرفون معهم في هذا السياق، بينما
يذهب بشار الأسد ليقتل شعبه. وإذا أردت ألا أصدم أحداً، فليس أقل من القول
إن الأسد فعل بالشعب السوري ما فعله أولئك مجتمعين في فلسطين. لقد هجّر
الأسد حتى اليوم مليون سوري، وقتل ما يزيد على ثلاثة عشر ألفاً. واتبع
سياسة الصهاينة بقتل الأطفال، وحاكاهم في مسألة حرق البيوت، وتغلب عليهم في
استخدام الأسلحة المحرمة دولياً كالمسمارية والكيماوية. دخل المدن ونهب
المحال واغتصب النساء واستمتع بقتل الصبية. وما فعل هذا بعدو، بل فعله بمن
يفترض أنه شعبه.
وكما كان الأسد صنو شاورن وأولمرت، تعاملت المحكمة الدولية معهما
بالأسلوب نفسه، فقد سكتت عن جرائم أولمرت في غزة وسكتت عن جرائم الأسد في
سوريا. وبالنتيجة ما فعلت ذلك إلا خدمة للكيان الصهيوني ومن وراءه. كانت
العقوبات على السودان من مصلحة الصهاينة، فهم يريدون تقسيمه وخلق دولة
مستحدثة تكون شوكة في جسد السودان، بل في جسد إفريقيا كلها. كذلك فإن عدم
محاسبة الأسد والحفاظ على حكمه هو من أولى مصالح الكيان الصهيوني، فمن أين
سيحصلون على رجل صمت ووالده أربعين عاماً في جبهة الجولان حتى كان حامي حمى
الصهاينة. أي حاكم سيكون أفضل من بشار الأسد الذي استخدم ميزانية سوريا
كلها لوزارة الدفاع ثم استخدم كل الأسلحة التي حصل عليها ليقتل شعبه وليجعل
سوريا بلداً ضعيفاً مهمشاً على الساحة الدولية والعربية.
ولهذا فمن الطبيعي أن لا تنظر المحكمة الدولية في جرائم بشار إلى اليوم
بعد مرور سنة على الثورة السورية المباركة. ذلك أن الصهاينة والغرب وأميركا
لا يريدون له أن يسقط. ولعلكم سمعتم كما سمعنا، عبارات غربية مخجلة عن
«جرائم ترقى» ولم تصل بعد إلى جرائم ضد الإنسانية، وعن جرائم قد ترقى أي
أنها لا ترقى. فقتل الأطفال الرضع وقتل الجرحى في المشافي والإجهاز على
المصابين واغتصاب النساء وحرق البيوت قد يرقى لكنه لم يصل بعد حدّ الجريمة
الكاملة. فلا يزال الصهاينة والغرب ينتظرون أن ينتصر الأسد على الشعب ويقمع
الثورة وتفرش له السجاجيد الحمر في عواصم بلادهم.
أنكى من ذلك وأغرب أن وزيرة الخارجية الأميركية تقول: إنها لا تفضل أن
يصدر قرار من المحكمة الجنائية الدولية ضد الأسد لأن ذلك يعقد المسألة،
وسيدفع الأسد لمزيد من القتل؛ إذ لن يكون أمامه أي أمل بالنجاة، فسيقاتل
حتى الرمق الأخير. لم تلحظ كلينتون أن الأسد يبيد الشعب السوري إبادة بمعنى
الكلمة، تماماً كما فعلت حكومتها بالعراق، وكما فعل أجدادها بالهنود
الحمر.
هل سيبقى العالم ومحكمته صامتاً إلى الأبد؟ بالطبع لا فالمسألة كلها بيد
الشعب السوري الذي حزم أمره وقرر إسقاط الأسد. وما إن تبدأ الثورة
بالاقتراب من النصر وتظهر بشائره عياناً لأميركا وأتباعها، حتى تبدأ
تصريحات الغرب بالتغير ونبدأ نسمع بالنشاط يدب في أوصال المحكمة الدولية
وستجد المحكمة أن النظر في جرائم الأسد من اختصاصها. فهم ينتظرون المنتصر
حتى يعلنوا وقوفهم معه. وإني أخبرهم أن الشعب السوري منتصر لا محالة بإذن
الله. ولن ينسى التاريخ أولئك الذين وقفوا مع المجرمين وأيدوا إبادتهم
لشعوبهم. وإن غداً لناظره قريب
عوض السليمان
في جرائم الكيان الصهيوني في غزة ذلك أنه ليس من اختصاص المحكمة النظر فيما
إذا كانت فلسطين دولة أم لا. ربما سيكون مخالفاً للواقع السياسي الذي
فرضته أميركا والغرب على العرب بقوة السلاح والإرهاب، أن نقول إن الكيان
الصهيوني لم يكن دولة في يوم من الأيام ولن يكون أيضاً، فهو مجرد مجموعة من
العصابات التي احتلت أرضاً وشردت شعباً وأخذت مكانه بالقوة.
مئة وثلاثون دولة في العالم تعترف بفلسطين دولة ذات سيادة كما أن
الجمعية العامة للأمم المتحدة أعطت فلسطين صفة مراقب، فهي بالفعل دولة عضو
في الأمم المتحدة وإلا لكانت صفتها دولة غير عضو، لكن أميركا وربيبتها
ليستا من بين تلك الدول الكثيرة التي اعترفت بفلسطين ولأننا مقتنعون أن
المحكمة الجنائية الدولية مسيسة تماماً، وتخدم مصالح الكيان الصهيوني
والغرب وأميركا، لم نكن لنتوقع أن تحقق في جرائم الاحتلال في غزة والتي
وقعت أثناء محاولة إبادة الصهاينة لقطاع غزة بمن فيه، في ظل صمت عربي ودولي
مطبق، شاركت فيه سوريا «دولة الممانعة والمقاومة». رغم نداءاتنا المتكررة
لنظام الأسد أن يخفف عن أهلنا في القطاع الصامد ولو بطلقة واحدة يطلقها على
العدو.
بضعة وعشرون يوماً مرت على غزة وهي تحت الفسفور الأبيض والقصف بالأسلحة
الفتاكة والمحرمة دولياً، وهدمت آلاف البيوت على رؤوس أصحابها وتم حرقها
بمن فيها. ثم تقول المحكمة الدولية إنها لا تستطيع التحقيق في تلك الجرائم
لأن فلسطين ليست دولة.
لنفترض الآن أن فلسطين بالفعل ليست دولة، وأن الكيان الصهيوني هو
الدولة، هل يصح أن يسكت العالم المتمدن ومحكمته الدولية على جرائم بحق شعب
أعزل لعدم وجود دولة تمثله؟ إنه لقانون أحمق ذلك الذي يجيز الفسفور الأبيض
والأسلحة الكيماوية ضد شعب فلسطين؛ لأن ليس له دولة تمثله. إذاً فالأحرى
بالصهاينة أن يبيدوا أهل فلسطين عن بكرة أبيهم، فلن يحاسبهم أحد إذ لا دولة
لهم.
نقطة أخرى أتوقف عندها، لماذا ثارت ثائرة المحكمة الدولية والغرب كله
وأميركا والصهاينة أيضاً ضد الرئيس السوداني فيما يتعلق بجرائم دارفور؟ هل
كانت دارفور دولة مثلاً ونحن لا نعرف. أم كانت منطقة مترعة بالنفط الذي
يسيل لعابَ الغرب.
يتكرر المشهد في جرائم الأسد ضد الشعب السوري الأعزل. وللحق وبمنتهى
التجرد بعيداً عن العاطفة، فإن ما فعله الأسد بالشعب السوري أعظم وأشد
إجراماً مما فعله حكام الصهاينة مجتمعين ضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948؛
إذ يعتبر الصهاينة أهل فلسطين أعداء ويتصرفون معهم في هذا السياق، بينما
يذهب بشار الأسد ليقتل شعبه. وإذا أردت ألا أصدم أحداً، فليس أقل من القول
إن الأسد فعل بالشعب السوري ما فعله أولئك مجتمعين في فلسطين. لقد هجّر
الأسد حتى اليوم مليون سوري، وقتل ما يزيد على ثلاثة عشر ألفاً. واتبع
سياسة الصهاينة بقتل الأطفال، وحاكاهم في مسألة حرق البيوت، وتغلب عليهم في
استخدام الأسلحة المحرمة دولياً كالمسمارية والكيماوية. دخل المدن ونهب
المحال واغتصب النساء واستمتع بقتل الصبية. وما فعل هذا بعدو، بل فعله بمن
يفترض أنه شعبه.
وكما كان الأسد صنو شاورن وأولمرت، تعاملت المحكمة الدولية معهما
بالأسلوب نفسه، فقد سكتت عن جرائم أولمرت في غزة وسكتت عن جرائم الأسد في
سوريا. وبالنتيجة ما فعلت ذلك إلا خدمة للكيان الصهيوني ومن وراءه. كانت
العقوبات على السودان من مصلحة الصهاينة، فهم يريدون تقسيمه وخلق دولة
مستحدثة تكون شوكة في جسد السودان، بل في جسد إفريقيا كلها. كذلك فإن عدم
محاسبة الأسد والحفاظ على حكمه هو من أولى مصالح الكيان الصهيوني، فمن أين
سيحصلون على رجل صمت ووالده أربعين عاماً في جبهة الجولان حتى كان حامي حمى
الصهاينة. أي حاكم سيكون أفضل من بشار الأسد الذي استخدم ميزانية سوريا
كلها لوزارة الدفاع ثم استخدم كل الأسلحة التي حصل عليها ليقتل شعبه وليجعل
سوريا بلداً ضعيفاً مهمشاً على الساحة الدولية والعربية.
ولهذا فمن الطبيعي أن لا تنظر المحكمة الدولية في جرائم بشار إلى اليوم
بعد مرور سنة على الثورة السورية المباركة. ذلك أن الصهاينة والغرب وأميركا
لا يريدون له أن يسقط. ولعلكم سمعتم كما سمعنا، عبارات غربية مخجلة عن
«جرائم ترقى» ولم تصل بعد إلى جرائم ضد الإنسانية، وعن جرائم قد ترقى أي
أنها لا ترقى. فقتل الأطفال الرضع وقتل الجرحى في المشافي والإجهاز على
المصابين واغتصاب النساء وحرق البيوت قد يرقى لكنه لم يصل بعد حدّ الجريمة
الكاملة. فلا يزال الصهاينة والغرب ينتظرون أن ينتصر الأسد على الشعب ويقمع
الثورة وتفرش له السجاجيد الحمر في عواصم بلادهم.
أنكى من ذلك وأغرب أن وزيرة الخارجية الأميركية تقول: إنها لا تفضل أن
يصدر قرار من المحكمة الجنائية الدولية ضد الأسد لأن ذلك يعقد المسألة،
وسيدفع الأسد لمزيد من القتل؛ إذ لن يكون أمامه أي أمل بالنجاة، فسيقاتل
حتى الرمق الأخير. لم تلحظ كلينتون أن الأسد يبيد الشعب السوري إبادة بمعنى
الكلمة، تماماً كما فعلت حكومتها بالعراق، وكما فعل أجدادها بالهنود
الحمر.
هل سيبقى العالم ومحكمته صامتاً إلى الأبد؟ بالطبع لا فالمسألة كلها بيد
الشعب السوري الذي حزم أمره وقرر إسقاط الأسد. وما إن تبدأ الثورة
بالاقتراب من النصر وتظهر بشائره عياناً لأميركا وأتباعها، حتى تبدأ
تصريحات الغرب بالتغير ونبدأ نسمع بالنشاط يدب في أوصال المحكمة الدولية
وستجد المحكمة أن النظر في جرائم الأسد من اختصاصها. فهم ينتظرون المنتصر
حتى يعلنوا وقوفهم معه. وإني أخبرهم أن الشعب السوري منتصر لا محالة بإذن
الله. ولن ينسى التاريخ أولئك الذين وقفوا مع المجرمين وأيدوا إبادتهم
لشعوبهم. وإن غداً لناظره قريب
عوض السليمان