انعقدت القمة العربية في بغداد ثم جاءت صيغة كوفي انان مبعوث الامم المتحدة
وجامعة الدول العربية التي تدعو الى تحديد مهلة لوقف العنف الذي يتعرض له
الشعب السوري. لن تفيد القمة في شيء ولن ينجح انان الامين العام السابق
للامم المتحدة في وقف العنف بسبب طبيعة النظام السوري الذي يرفض اي تراجع
في غياب التهديد المباشر. لا القمة في وارد اللجوء الى التهديد ولا انان
قادر على التلويح بعصا غليظة.
كان انعقاد القمة في العاصمة العراقية مهما لسببين اولهما ان
العرب ليسوا معادين لايّ نظام جديد في العراق بغض النظر عن الجهة المذهبية
المهيمنة في البلد ومدى ارتباطها بايران كنظام، لا همّ له سوى اثارة
الغرائز المذهبية في المنطقة. اما السبب الثاني والاخير فهو عائد الى ان
القمة كشفت العجز العربي عن اتخاذ مواقف حازمة من جهة واكدت ان المنطقة تمر
بمرحلة انتقالية من جهة اخرى.
في مرحلة انتقالية من النوع الذي يمرّ فيه الشرق الاوسط، ليس
في استطاعة القمة سوى اتخاذ قرارات مائعة. الدليل على ذلك القرار الغامض
المتخذ في شأن النظام السوري والوضع في هذا البلد العربي المهمّ.
سيفسّر النظام السوري الموقف الذي اتخذته القمة العربية
بالطريقة التي تعجبه. كلّ ما يستطيع ان يفهمه من القرار العربي هو ان هناك
اعترافا بشرعيته وان على الآخرين، بما في ذلك المعارضة، التفاوض معه بموجب
شروطه وذلك بغض النظر عمّا ارتكبه في حق الشعب السوري. الاهمّ من ذلك، ان
العرب لا يريدون الاعتراف بانّ هذا النظام الذي عمره تسعة واربعون عاما هو
نظام غير شرعي اصلا وهو ثمرة انقلاب عسكري لم تنته فصوله بعد.
بدأ الانقلاب الذي نفّذه العسكر باستيلاء حزب البعث على
السلطة في ظلّ واجهة مدنية لم تدم سوى عامين تبعها استيلاء العسكر على
السلطة على نحو مباشر. بعد ذلك، اي ابتداء من العام 1963، راح الضباط
العلويون الثلاثة الكبار، اي محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد يضعون يدهم
على كلّ مفاصل السلطة. في السنة 1970، لم يعد في سوريا سوى رجل واحد يتحكم
بكل التفاصيل. كان هذا الرجل حافظ الاسد وزير الدفاع السابق الذي ليس
معروفا بعد لماذا خسرت سوريا الجولان في اثناء وجوده في ذلك الموقع المحوري
ولماذا انصرف باكرا الى ارسال الاسلحة والمسلّحين الى لبنان من اجل تفجير
الوضع فيه.
من الضروري العودة قليلا الى خلف لفهم طبيعة النظام السوري.
ورث بشّار الاسد نظاما اكتشف باكرا انه اسير لمنطقه. لم يمتلك الرئيس
السوري الحالي يوما ما يكفي من الخبرة السياسية لاكتشاف ان هناك سياسة اخرى
في هذا العالم مختلفة عن سياسة الغاء الآخر. رفض بشّار الاسد ان يتعلّم
شيئا من تجارب الماضي القريب. ربّما كان اهمّ شيء رفض الاعتراف به ان
العالم تغيّر وانّ ما كان يصحّ في السبعينات والثمانينات والتسعينات من
القرن الماضي لا علاقة له بمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة.
لم يستطع الاسد الابن استيعاب ان عليه الانتقال بسوريا الى
عالم آخر. تمسّك بالعالم القديم. سقط ضحية الشعارات التي كان والده
يستخدمها في خدمة اهداف معيّنة. صدّق الشعارات، بما في ذلك، ان “حزب الله”
الايراني يمثّل “المقاومة” وانه اقام توازنا استراتيجيا مع اسرائيل انطلاقا
من جنوب لبنان. ما لم يحد عنه هو بقاء جبهة الجولان مغلقة والاستعاضة عن
ذلك بالمتاجرة بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين. لكنّ ما يجمع بين
الاسد الاب والاسد الابن هو ذلك العجز عن اتباع اي سياسة ايجابية ان في
اتجاه دول المنطقة او في اتجاه السوريين… من دون الضغط الخارجي.
من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى العام 1998
حين اضطر النظام السوري الى طرد عبدالله اوجلان زعيم “حزب العمال الكردي”
من اراضيه. لم يقدم على هذه الخطوة التي انتهت في العام 1999 بقبض الاتراك
على اوجلان الاّ بعد تهديد تركيا بانّ جيشها سيدخل من الشمال وسيخرج من
هضبة الجولان. استمر النظام السوري في انكار وجود اوجلان، في الاراضي
السورية اواللبنانية التي كانت تحت سيطرته كلّيا، الى ان جاء التهديد
التركي الصريح. كانت النتيجة ظهور الزعيم الكردي بقدرة قادر. تبيّن ان هذا
القادر هو لغة الوعيد ولا شيء آخر غير ذلك.
تبيّن ان تلك هي اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوري
الذي ما لبث ان اعترف بان لواء الاسكندرون السوري الذي كان يسمّيه “اللواء
السليب” ارض تركية. تخلى بين ليلة وضحاها عن لواء الاسكندرون. لو طرح العرب
المشاركون في قمة بغداد سؤالا عن السبب الذي دفع الى ذلك، لكانوا اتخذوا
موقفا مختلفا من النظام السوري. المشكلة ان العرب في قمة بغداد كانوا
يعبّرون عن المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها المنطقة اكثر بكثير عن الواقع
الشرق الاوسطي. وهذا يعني في طبيعة الحال انهم لا يريدون ان يفهموا ان لغة
القوة هي اللغة الوحيدة التي يمكن التعاطي من خلالها مع النظام السوري…
الاّ اذا كان في اعتقادهم انهم يتعاطون مع نظام آخر على علاقة بما يدور في
العالم، نظام اخذ علما بانّ برلين الغربية انتصرت على برلين الشرقية وليس
العكس وان جدار برلين سقط في النصف الاوّل من تشرين الثاني- نوفمبر 1989!
خير الله خير الله
وجامعة الدول العربية التي تدعو الى تحديد مهلة لوقف العنف الذي يتعرض له
الشعب السوري. لن تفيد القمة في شيء ولن ينجح انان الامين العام السابق
للامم المتحدة في وقف العنف بسبب طبيعة النظام السوري الذي يرفض اي تراجع
في غياب التهديد المباشر. لا القمة في وارد اللجوء الى التهديد ولا انان
قادر على التلويح بعصا غليظة.
كان انعقاد القمة في العاصمة العراقية مهما لسببين اولهما ان
العرب ليسوا معادين لايّ نظام جديد في العراق بغض النظر عن الجهة المذهبية
المهيمنة في البلد ومدى ارتباطها بايران كنظام، لا همّ له سوى اثارة
الغرائز المذهبية في المنطقة. اما السبب الثاني والاخير فهو عائد الى ان
القمة كشفت العجز العربي عن اتخاذ مواقف حازمة من جهة واكدت ان المنطقة تمر
بمرحلة انتقالية من جهة اخرى.
في مرحلة انتقالية من النوع الذي يمرّ فيه الشرق الاوسط، ليس
في استطاعة القمة سوى اتخاذ قرارات مائعة. الدليل على ذلك القرار الغامض
المتخذ في شأن النظام السوري والوضع في هذا البلد العربي المهمّ.
سيفسّر النظام السوري الموقف الذي اتخذته القمة العربية
بالطريقة التي تعجبه. كلّ ما يستطيع ان يفهمه من القرار العربي هو ان هناك
اعترافا بشرعيته وان على الآخرين، بما في ذلك المعارضة، التفاوض معه بموجب
شروطه وذلك بغض النظر عمّا ارتكبه في حق الشعب السوري. الاهمّ من ذلك، ان
العرب لا يريدون الاعتراف بانّ هذا النظام الذي عمره تسعة واربعون عاما هو
نظام غير شرعي اصلا وهو ثمرة انقلاب عسكري لم تنته فصوله بعد.
بدأ الانقلاب الذي نفّذه العسكر باستيلاء حزب البعث على
السلطة في ظلّ واجهة مدنية لم تدم سوى عامين تبعها استيلاء العسكر على
السلطة على نحو مباشر. بعد ذلك، اي ابتداء من العام 1963، راح الضباط
العلويون الثلاثة الكبار، اي محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد يضعون يدهم
على كلّ مفاصل السلطة. في السنة 1970، لم يعد في سوريا سوى رجل واحد يتحكم
بكل التفاصيل. كان هذا الرجل حافظ الاسد وزير الدفاع السابق الذي ليس
معروفا بعد لماذا خسرت سوريا الجولان في اثناء وجوده في ذلك الموقع المحوري
ولماذا انصرف باكرا الى ارسال الاسلحة والمسلّحين الى لبنان من اجل تفجير
الوضع فيه.
من الضروري العودة قليلا الى خلف لفهم طبيعة النظام السوري.
ورث بشّار الاسد نظاما اكتشف باكرا انه اسير لمنطقه. لم يمتلك الرئيس
السوري الحالي يوما ما يكفي من الخبرة السياسية لاكتشاف ان هناك سياسة اخرى
في هذا العالم مختلفة عن سياسة الغاء الآخر. رفض بشّار الاسد ان يتعلّم
شيئا من تجارب الماضي القريب. ربّما كان اهمّ شيء رفض الاعتراف به ان
العالم تغيّر وانّ ما كان يصحّ في السبعينات والثمانينات والتسعينات من
القرن الماضي لا علاقة له بمرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة.
لم يستطع الاسد الابن استيعاب ان عليه الانتقال بسوريا الى
عالم آخر. تمسّك بالعالم القديم. سقط ضحية الشعارات التي كان والده
يستخدمها في خدمة اهداف معيّنة. صدّق الشعارات، بما في ذلك، ان “حزب الله”
الايراني يمثّل “المقاومة” وانه اقام توازنا استراتيجيا مع اسرائيل انطلاقا
من جنوب لبنان. ما لم يحد عنه هو بقاء جبهة الجولان مغلقة والاستعاضة عن
ذلك بالمتاجرة بلبنان واللبنانيين وفلسطين والفلسطينيين. لكنّ ما يجمع بين
الاسد الاب والاسد الابن هو ذلك العجز عن اتباع اي سياسة ايجابية ان في
اتجاه دول المنطقة او في اتجاه السوريين… من دون الضغط الخارجي.
من يحتاج الى دليل على ذلك، يستطيع العودة الى العام 1998
حين اضطر النظام السوري الى طرد عبدالله اوجلان زعيم “حزب العمال الكردي”
من اراضيه. لم يقدم على هذه الخطوة التي انتهت في العام 1999 بقبض الاتراك
على اوجلان الاّ بعد تهديد تركيا بانّ جيشها سيدخل من الشمال وسيخرج من
هضبة الجولان. استمر النظام السوري في انكار وجود اوجلان، في الاراضي
السورية اواللبنانية التي كانت تحت سيطرته كلّيا، الى ان جاء التهديد
التركي الصريح. كانت النتيجة ظهور الزعيم الكردي بقدرة قادر. تبيّن ان هذا
القادر هو لغة الوعيد ولا شيء آخر غير ذلك.
تبيّن ان تلك هي اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوري
الذي ما لبث ان اعترف بان لواء الاسكندرون السوري الذي كان يسمّيه “اللواء
السليب” ارض تركية. تخلى بين ليلة وضحاها عن لواء الاسكندرون. لو طرح العرب
المشاركون في قمة بغداد سؤالا عن السبب الذي دفع الى ذلك، لكانوا اتخذوا
موقفا مختلفا من النظام السوري. المشكلة ان العرب في قمة بغداد كانوا
يعبّرون عن المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها المنطقة اكثر بكثير عن الواقع
الشرق الاوسطي. وهذا يعني في طبيعة الحال انهم لا يريدون ان يفهموا ان لغة
القوة هي اللغة الوحيدة التي يمكن التعاطي من خلالها مع النظام السوري…
الاّ اذا كان في اعتقادهم انهم يتعاطون مع نظام آخر على علاقة بما يدور في
العالم، نظام اخذ علما بانّ برلين الغربية انتصرت على برلين الشرقية وليس
العكس وان جدار برلين سقط في النصف الاوّل من تشرين الثاني- نوفمبر 1989!
خير الله خير الله