يخطئ من يعتقد، ولو للحظة، أن نظام بشار الأسد سيلتزم بمبادرة كوفي
أنان، كما أعلن، ويقوم بسحب قواته من المدن والقرى السورية، ناهيك عن تنفيذ
باقي خطوات مبادرة أنان، من السماح بحق التظاهر، ودخول الصحافيين، إلى
الجلوس على طاولة المفاوضات الذي يعني رحيل الأسد.
فما يفعله النظام الأسدي اليوم هو أمر أشبه بإعلانات البرامج
التلفزيونية «فاصل ونواصل»؛ حيث يسعى النظام لإيجاد ثقوب بالموقف الدولي
المتصاعد نتيجة اجتماع أصدقاء سوريا في إسطنبول، وتفاديا للاجتماع الآخر
المزمع عقده للمجموعة نفسها بفرنسا هذا الشهر، ولقطع الطريق على الدول
المؤثرة التي حسمت أمرها بمساعدة الثوار السوريين من سلاح وخلافه، بل إن
مصادري تشير إلى تحركات دبلوماسية سرية على قدم وساق في أكثر من اتجاه لحشد
الصفوف الدولية ضد نظام الأسد الذي يريد أن يقوم الآن بخطوة «فاصل ونواصل»
من خلال قبوله الثالث بخطة أنان، ومهلة العاشر من أبريل (نيسان)، حتى يشتت
الجهود الدولية، ثم يعود إلى قتل السوريين!
لذا، فيجب أن يتنبه المجتمع الدولي إلى أمر مهم، هو أنه عندما أعلن مصدر
أسدي عن قبول خطة أنان بالمرة الأولى قتل قرابة 79 سورياً، وعندما أعلن
النظام رسميا قبول خطة أنان للمرة الثانية قتل وقتها قرابة 217 سورياً،
وقبل أمس، ومع الإعلان الأسدي الثالث عن قبول خطة أنان، كان قد قتل ما لا
يقل عن 60 سورياً، والأمر نفسه تم يوم قبول فريق الدابي؛ حيث قتل ما يزيد
على أربعمائة سوري، فكم ستكون حصيلة «فاصل ونواصل» اليوم بعد قبول الأسد،
للمرة الثالثة، خطة أنان؟ الله أعلم بالطبع، لكن من الخطأ الركون لما يصدر
عن الأسد من مواقف تجاه المبادرات العربية والدولية، فكل ما يفعله الأسد هو
محاولة شراء الوقت لا أكثر ولا أقل، خصوصا إذا تنبهنا، مثلا، إلى أن موسكو
قد دعت، قبل يومين، الأسد إلى ضرورة أن يبادر هو إلى وقف إطلاق النار،
وقبل الثوار، ولهذا الأمر مغزاه!
وعليه فالمفترض اليوم هو عدم تصديق إعلانات النظام الأسدي وتعهداته،
فالأسد هو الأسد، ودبلوماسيته هي «فاصل ونواصل».. فعلها بسوريا على مدار
عام كامل، وفعلها بلبنان على مدى عشر سنوات، وكذلك بالعراق على مدى سبعة
أعوام؛ لذا فيجب أن تكمل مجموعة أصدقاء سوريا، بل قل غرفة أصدقاء سوريا،
خطتها بالاتجاهات كلها، وكأن الأسد لم يعلن موقفا على الإطلاق، فليس مهماً
ما يقوله النظام الأسدي، بل ما يتم على الأرض، وما يحدث بأرض الواقع، وحتى
نشر هذا المقال، هو أن السوريين يُقتلون على يد قوات الأسد؛ لذا فلا بد من
خطوات جادة لوقف آلة القتل هذه، وأولى هذه الخطوات هي مد الثوار السوريين
بالسلاح، وعدا عن ذلك فإن كل ما يفعله النظام الأسدي بحق السوريين هو «فاصل
ونواصل»، ويجب ألا يُخدع المجتمع الدولي، وتحديدا أصدقاء سوريا، بوعود
الأسد أكثر من ذلك.
طارق الحميد