لا إستسلام ولا سَّـلام مع من يحارب الإسلام) يقول الله تعالى (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ التَّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَضُّ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقِ أصحاب الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْجِهَاد ومعنى {فلا تَهِنُوا} أي لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم ولا تحزنوا على من قتل منكم تسلية لهم عما أصابهم { وتدعوا إِلى السَّلْم } أي:لا تدعوا إلى الصلح والمسالمة؛ فإن ذلك إعطاء الدنِيَّة - أي : الذلة - في الدين { وأنتم الأَعْلَون } فان حالكم أعلى منهم شأناً ، فإنكم على الحق وقتالكم لله في الجنة ، وإنهم على الباطل وقتالهم للشيطان في النار وأنتم الأغلبون في العاقبة فيكون بشارة لهم بالنصر والغلبة { واللّهُ معكم } بالنصر والمعونة إن صح إيمانكم فإنه يقتضي قوة القلب بالوثوق على الله ، ومَن كان غالباً ومنصوراً والله معه ، لا يتصور منه إظهار الذلة والضراعة لعدوه {ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم} لن يضيعها ويترك الإثابة عليها وقد أخْبَرَ سُبحانَه وتعالى أنَّ كثيرا مِن الأنبياء قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كثيرٌ ، أيْ: أُلوفٌ كثيرةٌ،وأنَّهم ما ضَعُفوا لِذَلِكَ، بلِ اسْتَغْفَروا مِنْ ذُنوبِهم التي كانتْ سببا لظُهورِ العدوِّ، وأنَّ الله تَعالى آتاهُمْ ثَوابَ الدُّنيا وحُسْنَ ثَوابِ الآخِرَةِ قال تعالى {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَقُرا(قُاتِلَ) بـ(قُتِلَ) بظم القاف وكسر التاء قوله تعالى (رِبِّيُّونَ) اي متخلقون بأخلاق الانبياء الذين ربَتهُم الأنبياء بالإيمان الخالص والأفعال الصالحة الصادق قوْله تَعَالَى {فَمَا وَهَنُوا } الْوَهْنِ َالضَّعْفُ ونُقْصَانُ الْقُوَّةِ وقوله تعالى (وَمَا اسْتَكَانُوا}َالِاسْتِكَانَةِ:إظْهَارُ الْخُضُوعُ ؛ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا بِالْخَوْفِ وَلَا ضَعُفُوا لِنُقْصَانِ الْقُوَّةِ وَلَا اسْتَكَانُوا بِالْخُضُوعِ والذل وَلَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ من القتل الكثير فِي سبيل الْجِهَادِ عَنْ دِينِهِمْ"ِ قال أبو المعالي الألوسي:(ومعلومٌ أنَّ مَنْ قُتِلَ مِنَ المُؤمِنينَ شَهيدا في القتالِ، كان حالُه أكملَ من حالِ مَن يَموتُ حَتْفَ أنفهِ قالَ تَعالى{ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَرَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }ولهذا قال تعالى{ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}أيْ: إما النصر والظفر، وإما الشهادة والجنة ثُمَّ إنَّ الدِّينَ الذي قاتَلَ عليه الشُّهَداء يَنْتَصِرُ وَيَظْهَرُ، فَيَكون لِطائفتِه السَّعادةُ في الدُّنْيا والآخرةِ، مَن قُتِلَ مِنهم كان شهيدا، ومَن عاشَ مِنهم كانَ منصورًا سَعيدا، وهذا غايةُ ما يكونُ مِن النصرِ، إذْ كان الموتُ لا بُدَّ منهُ، فالموتُ على الوجهِ الذي تَحصُلُ به سعادةُ الدُّنيا والآخرةِ أكملُ، بِخلافِ من يهلكُ هو وطائفتُه، فلا يفوزُ لا هو ولا هم بمطلوبِهِم، لا في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ والشُّهَداءُ مِنَ المؤمِنين قاتَلوا باختيارِهِم، وَفَعَلوا الأسبابَ التي بِها قُتِلوا،كالأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنْكَرِ، فَهُمُ اخْتاروا هَذا المَوْتَ، إمَّا أنَّهم قَصَدوا الشَّهادَةَ، وإمَّا أنَّهم قَصَدوا به ما يَصيرونَ شُهَداءَ، عالِمينَ بأنَّ لهُم السَّعادةَ في الآخِرَةِ وفي الدُّنيا بِانتصارِ طائِفَتِهِم وبِبَقاءِ لِسانِ الصِّدقِ لهم ثَناءً ودُعاءً، بِخِلافِ مَن هَلَكَ مِن الكُفَّارِ، فإنِّهم هَلَكوا بِغيرِ اختِيارِهِم، هَلاكا لا يرجونَ مَعه سعادةَ الآخِرِة، ولم يَحصلْ لَهُمْ ولا لِطائِفَتِهم شَيْءٌ مِن سعادةِ الدُّنيا، بَلْ أُتبعوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ ،وَقيلَ فيهمْ {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ}ومَنْ كانَ كَذَلِكَ،كانَ الله يمقته، ويُبغضُه، ويُعاقِبُه، ولا يَدومُ أمرهُ، بَلْ هو كما قالَ النَّبي:«إنَّ الله يُمْلي لِلظَّالِم، فَإِذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"ثُمَّ قَرَأ{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ قُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}وقَالَ النبي:«مَثلُ المُؤْمِنِ كَمَثلِ الخامَةِ مِنَ الزَّرعِ، تفيؤُها الرِّياحُ، تُقيمُها تارة وتُميلُها أخْرى،وَمَثلُ المُنافِقِ كَمَثلَ شَجَرَةِ الأرْزِ،لا تَزالُ ثابِتةً عَلى أصلِها، حَتّى يكونَ انْجِعافُها مرَّةً واحدةً»رواه مسلم فالكاذبُ الفاجِرُ وإنْ عَظُمَتْ دَولتُهُ، فلا بُدَّ من زوالِها بالكُلِّيَّة، وبقاءِ ذَمِّهِ ولِسانِ السَّوْءِ لَه في العالَمِ، وهو يَظْهَرُ سَريعا،ويَزولُ سَريعا، كَدَوْلة الأسودِ العنسيِّ، ومُسَيْلَمَةَ الكذَّابِ،والحارِثِ الدِّمَشقيِّ، وبابِكِ الخُرَّمِيِّ ونحوِهِم وأمَّا الأنبياءُ والمؤمِنونَ ،فإنِّهم يُبْتَلونَ كثيرًا لِيُمَحَّصوا بالبَلاءِ، فإنَّ الله تَعالى يُمَكِّنُ لِلْعَبْدِ إذا ابْتلاهُ، ويُظْهِرُ أمرَه شَيْئا فشيئا،وقد ذُكِرَ الله ابتلاءُ النَّبِيِّوالمؤمِنينَ ثُمَّ كَانت العاقِبَةِ لهم في غيرِ موضعٍ كقوله تَعالى {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) والمقصودُ أن إيذاءَ القائِمينَ بالحَقِّ، والنَّاصِرينَ له مِن سننِ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ،وكَثيرٌ مِن أهلِ عصرِنا على ذلك،واللّهُ المُستَعانُ)ومع كل هذا البلاء لم يزل الأنبياء يسألون الله تعالى الثبات على الإسلام ليكونوا قدوه لغيره في الثبات على دينهم فعن أنس رضي الله عنه قال : كان النبييقول:"يا ولي الإسلام وأهله مَّسكنِي بالإسلام حتى ألقاك عليه) وقد حث الله المؤمنين في التمسك على دينهم بقول تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وبقوله تعالى(يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مبين)) يقول تعالى آمرًا عباده المؤمنين به المصدّقين برسوله: أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه،والعمل بجميع أوامره،وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك فقوله تعالى{ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ}يعني جميع شرائع الإسلام ويقول النبي (اذ وقعت الفتن فالإيمان بالشام)