قال البيهقي:ـ(وروينا عن ابن عباس أنهُ قال في قوله تعالى:ـ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)وقوله﴿ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل﴾وقوله:ـ﴿وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به﴾وقوله:﴿وجزاء سيئة سيئةٌ مِثلُها﴾فهذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل ليس لهم سلطان يقهر المشركين وكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فأمر الله المسلمين من يُجَازِىِ منهم أن يُجازوا بمثل الذي أتى إليه أو يَصبِرُوا وَيَعفُوا فهوا مثل)شعب الإيمان فالأمر بالعفو أو الانتصار ينعكس في بعض الأحوال فقد يكون الانتصار من الكافر حتمُ ومن المسلم مباح إذا إحتيج إلى قطع زيادة البغي كما قال تعالى"ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل"أي المسلم إذا انتصر فلا سبيل إلى لومه،بل يحمد على ذلك وقد يكون العفو أفضل من الانتصار في بعض حالات كما سَنُبَِيِنُهَا قال النبيr(وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا)أي يُرِيدُ َقُوَّةً عَلَى الِانْتِصَارِ ورِفْعَةً فِي قُلُوبِ النَّاسِ وبمَعُونَةِ اللَّهِ له قال القرطبي قال ابن العربي:ـ(ذكر الله الانتصار في البغي في معرض المدح قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾أي إذا أصابهم البغي تناصروا عليه حتى يزيلوه عنهم ويدفعوه وذكر العفو عن الجرم في موضع آخر في معرض المدح كقوله تعالى﴿ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور﴾أي من ترك الانتصار لوجه الله تعالى فان ذلك من عزائم الله التي أمر بها وذلك راجعا إلى حالتين:ـ إحداهما:ـ أن يكون الباغي معلنا بالفجور،وقحاً في الجمهور،مؤذيا للصغير والكبير،فيكون الانتقام منه أفضل الحالة الثانية:ـ أن تكون الفلتة وقعت ممن يعترف بالزلة ويسأل المغفرة فالعفو ها هنا أفضل وفي مثله نزلت﴿فمن تصدق به فهو كفارة له﴾قلت:هذا حسنٌ وهكذا ذكر الطبري في قوله تعالى:﴿والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون﴾فقال يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل وهذا فيمن تعدى وأصر على ذلك,والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادماً مقلعاً وهو محمول على الغفران عن غير المصر،فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها
قيل للإمام مالك:ـ الرجل يَظلم الرجل يَتَحلل مِنهُ (أي يعفوا عنه) قال إذا غلب عَلى أنهُ يؤدي حَقهُ فمن الرفق به أن يَتَحللَهُ،وهو أفضل عندي،وإن كان ظالماً فلا أرى أن يَجعلَهُ من ظلمه في حله وهو عندي مخالف للأَولَى يقول الله تعالى﴿إنما السبيل على الذين يظلمون الناس﴾فمن الحق أَلاَ تَتَركهُ لئلا تَغتر الظلمة ويَستَرسِلوُا في أفعالهم القبيحة)تفسير القرطبي وإذا حلل المظلوم من ظلمه بالإبراء أو بالعفو في مَاله أو في عرضه أو بدنه حَتَّى اللَّطْمَة وَنَحْوهَا سقط القصاص ولا يجوز أن يُحَلَلَهُ في حقٍ الله قال ابن سيرين"فإذا أراد أن يحلله حلله بكل حال،وألا يحلله في حق لله،فيكون كالتبديل لحكم الله"قال العلماء من كانت بينه وبين أحد معاملة وملابسة ثم حلل بعضهم بعضًا من كل ما جرى بينهما من ذلك،وبينا مقداره فقالوا ذلك براءة لهم في الدنيا والآخرة وهذا في الأحياء الذي يُراد منهم التَحَلُل،فأما الميت المظلوم الذي لا محلل له فإن ظَلَمَهُ الظَالم وأخذ مالهُ فإن للقاضي أن يُلزم الظالم إعطاء حق المظلوم إلى ورثة المظلوم إذا كانوا موجودين لإنََّ المال يصير بعده للوارثة فإذا لم يوجد ورثة المظلوم َفلهُ أن يُوقف للميت بقدر ما ظلمه ويكون ما احتبسه للميت يرجع ثوابه إلى المظلوم أو يتصدق له فإن مات الظَّالم قبل من ظُلمَهُ وترك شيئاً من تركتهِ إنتقل تباعة تركة الظالم إلى المظلوم،فان لم يبق للظالم من تركته ما يَسَتوجِبهُ للمظلوم اُقتُصَ منهُ في الآخرة بالحسنات والسيئات فان رد أولياء الظالم أموال المظلوم برء أبيهم بإذن الله