أهمية مؤتمر أصدقاء سوريا المنعقد اليوم باسطنبول تكمن في أنه يأتي بمرحلة سقطت فيها جل الأكاذيب والأوهام التي تم ترويجها حول الثورة السورية، إما دفاعا عن الطاغية الأسد لتمكينه من شراء الوقت، وإما أنها أكاذيب جاءت بسبب عدم تصديق أن الثورة السورية حقيقية، أو عن جهل بسوريا.
فكذبة تشرذم المعارضة سقطت، والحقيقة أنه لو كانت المعارضة موحدة من البدء لكان الأمر أدعى للريبة، فكيف تكون المعارضة موحدة وهي نتاج أسوأ نظام عربي قمعي؟ فمن زار سوريا، أو يعرفها، يعي تماما ما الذي فعله النظام الأسدي، الأب والابن، بالسوريين طوال عقود من الزمان.
كما سقطت كذبة توغل «القاعدة» في سوريا، مثل الأكاذيب الأخرى عن الإرهابيين والسلفيين وغيرهما، مثلما سقطت تماما كذبة الإصلاح التي روجها نظام الطاغية، وسقطت كذبة الحرب الأهلية، وعلى مدار عام كامل من عمر الثورة، وسقطت كذبة طائفية الثورة السورية أيضا؛ حيث الثابت والواضح أن النظام الأسدي هو من سعى إلى تكريسها لتبرير جرائمه، وإخافة الأقليات السورية. وعلى عكس ما كان يقال، تحركت دمشق وحلب، وقُمعتا بسلاح الطاغية. وسقطت أيضا كذبة الحل الأمني، وإن روج لها الشبيحة، ومنهم حسن نصر الله.
والكذب لا يتوقف عند هذا الحد، فقد سقطت كذبة التشكيك في الجيش الحر، وحجم الانشقاقات بالقوات الأسدية، فها هي الانشقاقات متوالية، وبأعلى الرتب، ويوميا. بل ها هو رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي الجنرال ديمبسي يقول إن المعارضة السورية بدأت بالتوحد، واتخاذ خطوات من شأنها دفع المجتمع الدولي لدعمها، حتى بالسلاح، وهو عكس ما قيل سابقا.
كما سقطت أيضا كذبة الحل العربي، فرغم كل الجهود والقرارات العربية لم يتحقق شيء ملموس بسوريا، كما سقطت أيضا كذبة القول – غربيا - بأنه لا بد من غطاء عربي، فرغم كل ما فعله العرب فإن الغرب، وتحديدا أميركا، ما زالوا يستخدمون تبريرات واهية، ومنها جملة الأكاذيب التي سقطت، ونرصد بعضها هنا. وبالطبع سقطت كذبة قبول الأسد بمبادرة كوفي أنان التي حظيت بدعم عربي ودولي، وحتى من قبل أبرز المروجين للأكاذيب الأسدية مثل الروس، مما يعني أنه لا أمل بحل دبلوماسي للأزمة السورية، وعلى غرار ما جرى في اليمن.
ومن هنا يتضح أن مؤتمر إسطنبول يأتي بعد أن استنفد النظام الأسدي الأكاذيب والحيل، من أجل شراء الوقت، وبات هذا الأمر مفضوحا للجميع، وعليه فإن ميزة ومأزق مؤتمر إسطنبول أنه ليس أمامه أي مجال لمنح طاغية دمشق مزيدا من الوقت والفرص، خصوصا أن عدد القتلى بسوريا قد قارب العشرة آلاف، وهناك مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وقرابة السبعة عشر ألف لاجئ سوري إلى تركيا، ناهيك عن أضعافهم في لبنان والأردن. وعليه فإن الوقت الآن هو وقت فرض المناطق العازلة، وتوفير السلاح للجيش السوري الحر، وعدا عن ذلك فإنه يعد فرصة جديدة لطاغية دمشق من أجل قتل مزيد من السوريين الأبرياء،وهذا ما يجب استيعابه في مؤتمر اسطنبول اليوم.
نقلا عن جريدة" الشرق الاوسط"