هذه القضية لم تولد اليوم، بل تمتد جذورها إلى عقود خلت، منذ أن اختارت الأحزاب الاستبدادية الحاكمة في بعض الدول العربية تقسيم البلاد والعباد إلى فريقين، كما فعل تنظيم القاعدة في توظيفه لفكرة الفسطاطين، أصبحنا في عرف المتعصبين الأيديولوجيين ننتظم في مسارين أحدهما تقدمي والآخر رجعي حتى الثمالة.
النفط والحكم الوراثي والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وتبني قضية فلسطين ولو شعاراتياً، مثلت المحددات الأساسية لكل فريق، امتلك التقدميون النفط وأنتجوا صدام حسين ومعمر القذافي، واستطاع حافظ الأسد أن يسحب من رصيد فلسطين حتى استطاع توريث الحكم لابنه بشار، التقدمية العربية تجلت في مئات آلاف السجناء السياسيين وأبشع صنوف التعذيب وأكثر مسرحيات التهريج السياسي هزلية.
بعد سنوات من السير في الطريقين، لم تحدث الثورات في دول الخليج الرجعية، رغم أنها أنظمة غير ديمقراطية، بل اشتعلت في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، والديمقراطية ليست حاضرة في المشهدين، الرجعي والتقدمي حسب التصنيف القائم، والمال هنا وهناك، فلا يمكن أن نتجاوز كون ليبيا والعراق منتجين رئيسين للنفط كما هو الحال في معظم دول الخليج، أما دعم القضية الفلسطينية، فإن أكبر مجحف لا يمكنه تجاوز الدور الكويتي في موضوع فلسطين، فهناك وُلد كل من حركة فتح وحماس، ونشأ مئات الآلاف من الفلسطينيين، وتخرجت القيادات والكفاءات في كافة المجالات، وما قدمته قطر في السنوات الأخيرة يفوق كل ما قدمه النظام السوري في عهديه البعثييْن الدمويين تحت حكم الأب وابنه، دون تجاوز المجازر التي ارتكبها حافظ الأسد في حق الفلسطينيين والتيار الوطني في لبنان! ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الدور السعودي والإماراتي المالي واللوجستي في دعم القضية الفلسطينية طوال عقود.
دول الخليج ليست ديمقراطية، لكنها لم تنتهك كرامة الناس كما يحدث في سوريا وغيرها، وليست عادلة بالمقياس العُمري، لكنها بنت الجامعات والمدارس والمدن والمستشفيات، هذا واجبها صحيح، لكنها قامت به على الأقل، وأشركت الناس في الثروة والعائد النفطي، صحيح أن هذا الأمر كان عند الحد الأدنى، لكنها فعلت، فيما تمادت الأنظمة التقدمية في هدر الكرامات والاستئثار بالثروة لصالح عصابات الحكم القائمة.
هل نقول هنا إن دول الخليج مثالية! قطعا هذا غير صحيح، وتعيش الدول الخليجية مشاكل لا حصر لها، ونمارس بشكل يومي نقدا لا حدود له في الكيفية التي تدار به دولنا، لكنك تستفز حين تستمع إلى الخطاب «التقدمي» الممعن في تخلفه ورجعيته وكذبه، أن يقول لك لبناني «مقاوم» إن السعودية وقطر تقود الثورة السورية وتمول العصابات المسلحة، هذا يعني أن الرجل ومن وراءه -فالجميع هناك يتحدث بخطاب واحد- يتجاهل ما يجري أمام عينه، ويقفز للنتائج التي أسهم النظام القمعي في الوصول لها، يجعل الرجل من ثورة الشعب المسحوق مجرد صراع سياسي بين أنظمة تريد الانتقام من بعضها، ماذا عن الجيش السوري وفظائعه اليومية في المدن والبلدات والقرى! ماذا عن الصور التي تبثها القنوات الفضائية ووكالات الأنباء! ماذا عن آلاف الشهداء الذين سقطوا بفعل آلة النظام القمعية!
يتهمك المقاوم والممانع الانتهازي أنك انحزت للثورة السورية وتجاهلت البحرين، ولا يسأل نفسه السؤال ذاته، لماذا جعل من أحداث البحرين -وهي لا تقاس إطلاقا بما جرى في سوريا- قضيته الأولى، ودس رأسه بالرمال عندما ثار الشعب السوري على نظامه، ثم يأتي بعد ذلك لتوزيع صكوك الغفران والتزكيات على الآخرين، وتجاهلَ كيف أن الآخرين انحازوا له لما كان في الموقع الصحيح.
لا يملك النظام السوري الذي لا يتمتع بأدنى درجة من الأخلاق، ولا من وقف معه وبرر له وهاجم الشعب السوري، لا يملكان الحق في التصنيف وإطلاق الاتهامات الغبية والمكررة والكاذبة على الآخرين، يستطيع المرء تسجيل عريضة نقد طويلة على أداء الأنظمة في الخليج، لكنها قطعا أفضل مليون مرة من النظام السيئ في سوريا، ومن كل من وقف معه.
علي الظفيري
النفط والحكم الوراثي والعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وتبني قضية فلسطين ولو شعاراتياً، مثلت المحددات الأساسية لكل فريق، امتلك التقدميون النفط وأنتجوا صدام حسين ومعمر القذافي، واستطاع حافظ الأسد أن يسحب من رصيد فلسطين حتى استطاع توريث الحكم لابنه بشار، التقدمية العربية تجلت في مئات آلاف السجناء السياسيين وأبشع صنوف التعذيب وأكثر مسرحيات التهريج السياسي هزلية.
بعد سنوات من السير في الطريقين، لم تحدث الثورات في دول الخليج الرجعية، رغم أنها أنظمة غير ديمقراطية، بل اشتعلت في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن، والديمقراطية ليست حاضرة في المشهدين، الرجعي والتقدمي حسب التصنيف القائم، والمال هنا وهناك، فلا يمكن أن نتجاوز كون ليبيا والعراق منتجين رئيسين للنفط كما هو الحال في معظم دول الخليج، أما دعم القضية الفلسطينية، فإن أكبر مجحف لا يمكنه تجاوز الدور الكويتي في موضوع فلسطين، فهناك وُلد كل من حركة فتح وحماس، ونشأ مئات الآلاف من الفلسطينيين، وتخرجت القيادات والكفاءات في كافة المجالات، وما قدمته قطر في السنوات الأخيرة يفوق كل ما قدمه النظام السوري في عهديه البعثييْن الدمويين تحت حكم الأب وابنه، دون تجاوز المجازر التي ارتكبها حافظ الأسد في حق الفلسطينيين والتيار الوطني في لبنان! ولا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال الدور السعودي والإماراتي المالي واللوجستي في دعم القضية الفلسطينية طوال عقود.
دول الخليج ليست ديمقراطية، لكنها لم تنتهك كرامة الناس كما يحدث في سوريا وغيرها، وليست عادلة بالمقياس العُمري، لكنها بنت الجامعات والمدارس والمدن والمستشفيات، هذا واجبها صحيح، لكنها قامت به على الأقل، وأشركت الناس في الثروة والعائد النفطي، صحيح أن هذا الأمر كان عند الحد الأدنى، لكنها فعلت، فيما تمادت الأنظمة التقدمية في هدر الكرامات والاستئثار بالثروة لصالح عصابات الحكم القائمة.
هل نقول هنا إن دول الخليج مثالية! قطعا هذا غير صحيح، وتعيش الدول الخليجية مشاكل لا حصر لها، ونمارس بشكل يومي نقدا لا حدود له في الكيفية التي تدار به دولنا، لكنك تستفز حين تستمع إلى الخطاب «التقدمي» الممعن في تخلفه ورجعيته وكذبه، أن يقول لك لبناني «مقاوم» إن السعودية وقطر تقود الثورة السورية وتمول العصابات المسلحة، هذا يعني أن الرجل ومن وراءه -فالجميع هناك يتحدث بخطاب واحد- يتجاهل ما يجري أمام عينه، ويقفز للنتائج التي أسهم النظام القمعي في الوصول لها، يجعل الرجل من ثورة الشعب المسحوق مجرد صراع سياسي بين أنظمة تريد الانتقام من بعضها، ماذا عن الجيش السوري وفظائعه اليومية في المدن والبلدات والقرى! ماذا عن الصور التي تبثها القنوات الفضائية ووكالات الأنباء! ماذا عن آلاف الشهداء الذين سقطوا بفعل آلة النظام القمعية!
يتهمك المقاوم والممانع الانتهازي أنك انحزت للثورة السورية وتجاهلت البحرين، ولا يسأل نفسه السؤال ذاته، لماذا جعل من أحداث البحرين -وهي لا تقاس إطلاقا بما جرى في سوريا- قضيته الأولى، ودس رأسه بالرمال عندما ثار الشعب السوري على نظامه، ثم يأتي بعد ذلك لتوزيع صكوك الغفران والتزكيات على الآخرين، وتجاهلَ كيف أن الآخرين انحازوا له لما كان في الموقع الصحيح.
لا يملك النظام السوري الذي لا يتمتع بأدنى درجة من الأخلاق، ولا من وقف معه وبرر له وهاجم الشعب السوري، لا يملكان الحق في التصنيف وإطلاق الاتهامات الغبية والمكررة والكاذبة على الآخرين، يستطيع المرء تسجيل عريضة نقد طويلة على أداء الأنظمة في الخليج، لكنها قطعا أفضل مليون مرة من النظام السيئ في سوريا، ومن كل من وقف معه.
علي الظفيري