قام بعض المعارضين المحبطين بتصوير وبث فيديو يظهر بضع سلاحف وقد كُتبت على ظهرها المواقف العربية والتعهدات الدولية، وذلك للسخرية من الوضع الذي آل إليه حال الثورة السورية التي بقيت شبه وحيدة بلا دعم فعلي. يرون أهلهم يقتلون كل يوم ولا يجنون سوى وعود فارغة للشعب الثائر.. لا دم للجرحى النازفين، ولا حليب للأطفال، ولا خبز للكبار، ولا ذخيرة للمقاتلين، في حين لا ينقطع الدعم السخي للنظام القمعي.
ورغم الإهمال والظلم الدوليين فإن الوضع يسير لصالح الثورة، لكنه بطيء بطء السلحفاة، ومع أن النظام يسير بسرعة الأرنب في القمع والانتقام فإننا ندرك أن الثورة السلحفاة ستصل، ومعظم العالم مقتنع، رغم تلكئه، بأن نظام بشار الأسد لا مستقبل له. هذه نتائج مهمة من وراء مثابرة وصبر الشعب السوري الثائر، وليس بفضل أي طرف خارجي.
وبسبب هذا الحصار القاسي تحتاج المعارضة، وقوى الثورة عموما، أن تدرك أبعاد ما فعلته ثورتها وتفعله في محيط سوريا وما تعنيه للعالم. فدمشق مركز تقاطع خطير للقوى الدولية، ولكل منها حساباتها معها. باختصار شديد هي السور لما وراء الحدود السورية. إن ما يحدث اليوم، وما ينتج عنه غدا، يعني الكثير بالنسبة للنزاع العربي مع إسرائيل.. ويعني الكثير جدا للنزاع الإقليمي والدولي مع إيران.. ويعني الكثير للنزاعات بين القوى الداخلية في كل من العراق ولبنان.. وقد يعني قلاقل خطيرة لدول مجاورة مثل تركيا والأردن.. ويعني الكثير في منطقة الخليج البترولية.. ويعني توازن القوى الغربية مع روسيا. هذا ما يجعل تعامل العالم مع الثورة السورية مختلفا عن تعامله مع ما حدث في مصر، حيث كان البيت الأبيض يسابق متظاهري ميدان التحرير ويلح على حسني مبارك للتنحي فورا، ولم يعترض أحد. ولأن ليبيا بلد نفطي مهم عالميا، والقذافي بلا سند خارجي، كان أهون على الناتو تشكيل قوة سريعة عجلت بسقوطه واحتضان المعارضة.
خلال الأشهر القليلة الماضية ظهرت تداعيات الثورة ضد نظام الأسد في تركيا، حيث استأنف الانفصاليون الأكراد عملياتهم المسلحة، وقُتل كثير من المدنيين الأتراك، والقرائن تدل على أن تحالفا إيرانيا سوريا يقف وراء حرب العصابات ضد تركيا لتخويفها ومنعها من التدخل العسكري، إلى جانب التهديدات الإيرانية الصريحة بأنها لن تقف متفرجة وسترد. وهذا ما يحدث في الخليج كذلك، حيث إن عمليات العنف في شرق السعودية تأتي مكملة لما يحدث في البحرين، ومرتبطة بالحدث السوري كثيرا.
أما المعارضة السورية المفككة فإنها تحارب نظاما موحدا ماهرا في مقاتلتها بكل الأسلحة. أوفد النظام عشرات من أبناء الأقليات السورية، من مسيحيين وعلويين ودروز، يناشدون الغرب وروسيا فهم «تعقيدات» الوضع في سوريا، وأن الثورة ليست إلا غلاة السنة المتحفزين للقفز على الحكم وفرض أفكارهم المتطرفة على الأقليات. كما سعى النظام لترسيخ فكرة أن المقاتلين هم أجانب، كما كان الحال عليه في العراق، ليبيون وسعوديون ومصريون، إلى درجة أن أحد أعضاء لجنة التحقيق الدولية سأله زميلنا «أنت تقول بضرورة أن يضع المسلحون أسلحتهم ويعودوا، إلى أين يذهبون وهم أهل بابا عمرو في حمص وغيرها؟»، فأجاب عضو اللجنة بجهل قائلا «الذي نعرفه أن هؤلاء المسلحين أجانب جاءوا للقتال وعليهم أن يضعوا أسلحتهم ويعودوا إلى بلدانهم». لقد نجح النظام في التغرير بالكثير من الأجانب، وهذا واحد منهم!
بكل أسف، وبعد عام من آلاف القتلى المدنيين وآلاف المظاهرات السلمية وآلاف الفيديوهات التي تصور كل التفاصيل، فإن النظام نجح في تصوير الثورة على أنها فوضى مدبرة، وأن الثوار متطرفون إسلاميون. القصة غير واضحة للآخرين.. إن الذين على الأرض جميعا مواطنون سوريون يدافعون عن أهاليهم وأحيائهم، بعد أن زاد النظام من مواجهته للمظاهرات السلمية بالقتل الجماعي والتدمير الممنهج.
أزمة قادة المعارضة، عدا عن تشرذمهم، عجزهم عن إدارة ثورة الشعب السوري سياسيا وإعلاميا ولوجيستيا مع العالم. لقد أصبحت المعارضة في الخارج هي الوجه السيئ للثورة السورية. ونجح النظام في استخدام عيوبها لتحطيم الثورة في الداخل. ولو كانت موحدة ومنسجمة لاستطاعت الدول المهتمة تقديم الدعم الدبلوماسي والمالي والعسكري والإنساني، وربما كانت حاصرت النظام دوليا.
تنظيم الإخوان المسلمين يتوقع منه غدا أن يقدم على خطوة يهم الشعب السوري والعالم أن يسمعها. سيقبل بدولة مدنية كل المواطنين فيها سواسية، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم. خطوة إيجابية لطمأنة الجميع، مسيحيين وعلويين ودروزا وشيعة، بأن الهدف ليس إقامة نظام ديني في سوريا، بل إقامة نظام عادل أساسه المواطنة وتحترم فيه الحقوق والحريات للجميع.
على المعارضة الأخرى أن تعي حجم الأذى الذي تلحقه بالثورة، وشعبها، عندما تفشل في وضع صيغة عمل مشتركة يعمل في إطارها الجميع بلا امتيازات.
عبد الرحمن الراشد