بينما يستعد القادة للاجتماع في القمة العربية المقررة ببغداد خلال الأيام القليلة القادمة، تتواصل أحداث الأزمة العاصفة في سوريا، الأمر الذي سيطرح على القمة العربية تحدي الإجابة عن أسئلة الأزمة والأفق الذي سوف يرسمه القادة العرب لشكل تعاملهم ودولهم مع الأزمة السورية، ليس فقط باعتبار سوريا بلدا وشعبا شقيقا لبلادهم وشعوبهم فحسب، بل باعتبارها جارا هو على تماس جغرافي وسياسي وبشري، سوف تنعكس تطوراته السلبية والإيجابية على بلادهم وشعوبهم بصورة مباشرة وغير مباشرة، رغبوا في ذلك أم لم يرغبوا.
غير أن موقف القادة العرب عبر قمة بغداد المرتقبة لن يكون جديدا كل الجدة، وإنما سوف يستند إلى معطيات سبق أن تكرست في غضون العام الماضي من عمر الثورة وأحداثها، وهي معطيات سارت متعرجة في تصاعد بطيء، لكنها لم تستطع الوصول إلى مستوى التأثير الحاسم والمسؤول ومعالجة الوضع بما يؤدي إلى إخراج سوريا والمنطقة من تداعيات واحتمالات الأزمة، التي يمكن القول إن أهم ما في محتوياتها أمرين:
الأول أن أزمة سوريا ليست مشكلة أو قضية أمنية، وهو أمر حاولت السلطات السورية ولا تزال تأكيده، باعتبار ما يحدث عمل عصابات مسلحة وإرهابية، وأن ثمة مؤامرة على البلاد والنظام من قبل قوى خارجية، بدل التعامل مع الأزمة باعتبارها أزمة سياسية اقتصادية واجتماعية وثقافية، ينبغي أن تعالج على هذا الأساس، وأن يتم حلها على أساس سياسي لا من خلال حل أمني – عسكري دموي على نحو ما جرى ويجري.
والأمر الثاني هو أن الأزمة التي بدأت داخلية في البداية على اعتبارها صراعا بين النظام ومحتجين متظاهرين لهم مطالب، انتقلت لتصير أزمة إقليمية، عندما دخلت دول الإقليم في تفاعلاتها، واصطف بعضها في مواجهة البعض الآخر مستندا إلى موقفه من الأحداث وتطوراتها، ثم تكرر الأمر في المستوى الدولي بحيث صارت أزمة سوريا أزمة دولية، تتشارك التأثير عليها وعلى تطوراتها هيئات وتحالفات ودول كبرى وإقليمية في آن معا.
ويبدو أن الموقف العربي العام قد تأخر في إدراك هذين المحتويين للأزمة، مما جعل الموقف الرسمي العربي من الأحداث السورية ضعيفا في الفترة الأولى، وبرز شبه تجاهل لمجريات الوضع السوري في تلك الفترة على مستوى الجامعة العربية، كما في مستوى أغلب القادة والحكومات العربية، وقد يكون بين المبررات أن ثورات الربيع في البلدان الأخرى جسدت انشغالات للعرب أهم مما يجري في سوريا، أو بسبب اعتقاد بعضهم أن النظام في سوريا سوف يخرج من موجة الاحتجاج والتظاهر بسرعة كبيرة، ويستعيد زمام السيطرة بالقوة التي يملكها، وربما كان البعض أكثر حذرا في إعلان موقفه خوفا مما يترتب على إعلان مؤازرة الحراك الشعبي السوري في مواجهة النظام. غير أن هذه الدواعي أخذت تسقط مع استمرار ثورة السوريين وتصاعدها في مواجهة عنف الحل الأمني – العسكري، فأخذت تتغير وتتسع ملامح الموقف العربي في مستوى القادة والدول وصولا إلى مبادرة الجامعة العربية، وتاليا خطة العمل العربية، باعتبارهما الموقف العربي المشترك. وقد اضطر النظام إلى التعامل معهما ولو بصورة مواربة على أمل إلحاق الفشل بهما بصورة غير مباشرة مستغلا ما يبدو أنه انشقاق أو ضعف في الموقف الرسمي العام، يتقارب مع ما هو قائم في الموقف الدولي العام إزاء الوضع في سوريا وتطوراته.
غير أنه وفي ظل التطورات التي تطرحها الأزمة في سوريا مع استمرار وتصاعد الإجراءات الأمنية – العسكرية وتأثيرات نتائجها المرتقبة على الداخل والجوار، والتي من أبرزها احتمال توسيع العنف والقتال ليشمل مختلف المناطق السورية، فإن ذلك سيدفع إلى نزوح كبير إلى الجوار، وقد يسهم في دخول جماعات عرقية أو طائفية أو عشائرية إلى الدول المحيطة لنصرة امتداداتها السورية، وقد يتطور الأمر إلى حرب إقليمية، تصعب السيطرة عليها، وقد تؤدي التطورات إلى تدخل عسكري واسع، والأمر في كل الأحوال قد يدفع إلى تطورات من الصعب السيطرة عليها، وتعقيدات يصعب علاجها.
وحيث إن الوضع على هذا النحو من الخطورة، فقد تكون القمة العربية مناسبة تاريخية لقيام القادة العرب بدور فعال في معالجة الأزمة السورية، ليس فقط من خلال توافقهم على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة وهذا أمر مهم، بل من خلال تأكيد وحدتهم وراء هذا الهدف وجديتهم العالية في التعامل مع الأزمة ودفعهم ليس النظام فحسب للاستجابة إلى حل، بل توظيف قوتهم ونفوذهم وعلاقاتهم في المستوى الدولي في نقل الملف السوري من دائرة الصراعات الدولية والإقليمية إلى دائرة تشارك الجميع في البحث عن حل للأزمة في سوريا.
وإذا كان من الصحيح أن علينا ألا نحمل القمة العربية أعباء مهمة كبيرة وخطيرة، بسبب هشاشة هذه المؤسسة وضعفها، فإنه يمكن القول إن بعضا من الدول العربية المشاركة، إذا قررت الذهاب الجدي نحو هكذا مهمة، فهذا سيساعد القمة على تحقيق نجاح على هذا الطريق، إضافة إلى أن تطورا كهذا سوف يقوي ويعزز هذه المؤسسة، التي جرت محاولات مكررة في السنوات العشر الماضية لتقويتها في إطار تقوية العمل العربي المشترك.
فايز ساره