قبل عام مضى كان رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان يخاطب الرئيس السوري بشار الاسد بقوله “أخي”.. أما الان وبعد تبدد أوهام الاخوة وجدت أنقرة نفسها تحشد الجهود للضغط عليه للتنازل عن السلطة لكنها متوجسة بشكل متزايد من ان تستدرج الى عمل عسكري.

أصبحت الازمة بين الاسد وأردوغان شخصية وكذلك دبلوماسية بعد ان تجاهلت سوريا دعوات تركية لضبط النفس وواصلت هجماتها على المحتجين. كما شبه اردوغان الوضع في سوريا بألمانيا النازية في واحدة من أشد العبارات التي تصدر عن أي زعيم بارز في الشأن السوري.

وفي رسالة بريد الكتروني ضمن مجموعة رسائل مسربة نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية سئلت اسماء زوجة الاسد عما اذا كانت سترسل عنوان بريدها الالكتروني الى زوجة اردوغان فقالت “أستخدم هذا الحساب فقط لاقاربي وأصدقائي… سيكون من الصعب علي في هذه المرحلة أن اعتبرها من أي من الفئتين بعد الاهانات التي وجهوها للرئيس.”

كانت الانتفاضة السورية اختبارا لحدود النفوذ الدبلوماسي الاقليمي لتركيا والذي زاد بشكل واضح خلال زعامة اردوغان. ولسنوات طويلة ظلت أنقرة تستثمر كثيرا في علاقاتها مع سوريا والاسد على أساس أن العلاقات الوثيقة يمكن أن تعزز التجارة والاصلاحات في سوريا وكذلك تضعف من اعتماد دمشق على ايران المنافس الرئيسي لتركيا في المنطقة.

قال فيليب روبينز من جامعة أوكسفورد “كانوا يعتقدون أنه بسبب العلاقات الخاصة التي نشأت بين اردوغان وبشار فان السوريين يمكن أن يسهل التأثير عليهم.”

وأضاف “كان هناك فهم خاطيء تماما استند الى افتراض انهم جعلوا الجانب الاخر في وضع يستجيب معه لدعواتهم وهذا لم يكان الحال تماما.”

وتصاعدت الاحتجاجات السورية من مارس اذار في العام الماضي. ولم يستجب الاسد لمكالمات هاتفية ملحة من اردوغان وزيارات من وزير الخارجية أحمد داود أوغلو للاصلاح. وبحلول أغسطس اب كان الكيل قد طفح بالنسبة لانقرة.

وعقب انتفاضة سريعة في مصر وبعد أن أصبحت الاطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وشيكة انقلبت تركيا بشدة على حليفتها السابقة دمشق.

وقال بول سالم مدير مركز كارنيجي للشرق الاوسط في بيروت “يريدون أن يضعوا أنفسهم على الجانب الصحيح من التاريخ متوقعين أن النظام السوري سيسقط خلال أسابيع كما كان الحال في تونس ومصر.”

وتستضيف تركيا الان جماعات المعارضة السورية الرئيسية وتأوي قيادات الجيش السوري الحر المعارض على جانبها من الحدود المشتركة. وفي الاول من ابريل نيسان ستستضيف اجتماعا لمسؤولين من دول غربية والشرق الاوسط ومجموعات معنية بالشأن السوري.

وأظهر الاسد عدم اكتراث بالهجوم اللفظي وصمودا في مواجهة احتجاجات أصبحت عنيفة بشكل متزايد وهجمات يشنها مقاتلو المعارضة. كما أنه في الوقت الراهن على الاقل في منأى بصورة كبيرة عن أي اجراء تدعمه الامم المتحدة بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تستخدمه الصين وروسيا ضد أي قرار في مجلس الامن.

وقال سالم “حاليا هناك وضع مخيب للامال بالنسبة لانقرة… ما راهنوا عليه لم يحدث. الحيلة والتهديدات التي مارسوها قابلتها حيلة وتهديدات من الجانب السوري والان نحن بلا شك في حالة من التأزم.”

وبدون مساندة من الامم المتحدة أو على الاقل الدول جامعة الدول العربية وحلف شمال الاطلسي فان تركيا غير مستعدة للتحرك وحدها. لكن مع وجود حدود مشتركة بامتداد 900 كيلومتر ووجود أكثر من 16 ألف لاجيء سوري على أراضيها ومئات اخرين يصلون كل يوم لا يمكن لتركيا التنصل من المشكلة ببساطة.

وأشارت تركيا الى أن أي تدفق هائل للاجئين أو وقوع مذابح على حدودها هي خطوط حمراء ستجبرها على اتخاذ اجراء لكن المحللين يرون أنه بما أن هذا التحرك لن يصل الى حد التدخل العسكري فلن يكون هناك الكثير من الخيارات الفعالة أمام أنقرة.

وقال اردوغان الاسبوع الماضي ان اقامة منطقة “امنة” أو “عازلة” بامتداد الحدود من الخيارات التي يجري بحثها لكن هذا يعني دخول قوات الى سوريا للسيطرة على أراض وتأمينها وهو ما لم يتمكن الجيش السوري الحر من القيام به.

وقال كامر قاسم من منظمة الابحاث الاستراتيجية الدولية وهي منظمة أبحاث تركية “علينا أن نفكر في احتمال وجود منطقة عازلة داخل الاراضي السورية لكن بدون الموافقة السورية ربما يؤدي هذا الى نوع من الصراع العسكري… وقد يؤدي هذا الى تصعيد الاوضاع.”

وشاءت أم أبت تجد تركيا نفسها عنصرا محوريا في الجهود الدبلوماسية التي تهدف الى عزل الاسد وستكون في مقدمة الدول في حالة القيام بأي تدخل عسكري سواء من خلال قوة سلام عربية أو تسليح الجيش السوري الحر وهما اجراءان من الممكن أن تبحثهما الجامعة العربية عندما تعقد قمتها في بغداد الاسبوع المقبل.

لكن هناك أسبابا وجيهة جدا تجعل أنقرة متوجسة من التدخل في سوريا في ظل مساندة ايران جارة تركيا والقوة الاقليمية لسوريا والتقارب بين ايران والعراق جار تركيا الاخر.

وقال روبينز “لو كان الوضع هو مواجهة بين تركيا وسوريا فحسب لكان من الممكن ان يتدخل الاتراك… لكن عندما تحسب وجود قوى اقليمية أخرى… وهناك أيضا اسرائيل التي تقترب أكثر من قبرص واليونان.. وهناك بالطبع الروس الى الشمال الذين يدعمون سوريا.. فجأة يصبح الوضع أكثر تعقيدا بكثير.”

ويرى البعض في تركيا محاولة غربية لدفع أنقرة الى القيام بالدور الرئيسي وتحمل الجزء الاكبر من المخاطرة في سوريا.

وألقى رئيس البرلمان جميل جيجك من حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له أردوغان باللوم على ما أسماه “المكر الغربي” في محاولة دفع تركيا الى اتخاذ اجراء ما. وقال “الجميع موجودون على الهامش وكأنهم يشاهدون مباراة ويقولون ‘فلنجعل تركيا تحل المسألة’.”

على الاقل هكذا رأى الكثير من المراقبين زيارة ديفيد بتريوس مدير وكالة المخابرات المركزية (سي.اي.ايه) لانقرة في الاسبوع الماضي.

وقال علي نيهات أوزكان وهو محلل أمني في مؤسسة أبحاث السياسة الاقتصادية التركية “يبدو أن تركيا تركت لتتعامل مع الوضع وحدهما.”

وذكر أن الامريكيين “يحاولون في الغالب تشجيع تركيا على المشاركة بدرجة اكبر. وتركيا تعيد النظر.”

ولم تتراجع تركيا بعد لكن حل محل العبارات الرنانة محاولة جدية لتحقيق المزيد من التوافق حول سوريا من خلال استضافة اجتماع “أصدقاء سوريا” في اسطنبول في الاول من ابريل نيسان في مسعى لجعل المسألة تتصدر الاهتمامات الدولية.

وفي هذا الاجتماع ستقوم أنقرة بدور دبلوماسي تمارسه جيدا هو جمع دول غربية ودول الشرق الاوسط معا وهما منطقتان تربطهما بتركيا علاقات وثيقة.

وقال روبينز “أعتقد أن أفضل شئ يمكن عمله هو العودة للجماعة سواء كان حلف شمال الاطلسي او التحالف الغربي.. في هذه الحالة لم يكن لتركيا ان تنكشف كما حدث.”

ومضى يقول “يمكن أن يكون لك وجهة نظرك الخاصة فيما يحدث. يمكن أن تبدي انزعاجا كبيرا من فقد الارواح والدمار في سوريا لكن لن يمكنك التحرك الا بالتوافق مع الحلف بصفة عامة ومع الامريكيين بصفة خاصة.”

جون همينج – رويترز