الهوية السُنية السورية... قبل أن تُصبحتهمة! |
في ظلال الدعوة الى التعايش والتصالح والحوار بين الثقافات والمذاهب نشأت جيوش عقائدية للطوائف لتخوض حروبها المقدسة ضد محيطها السني بكل حرية لأنها ضمنت الحصانة من الاتهام بالطائفية! |
ميدل ايست أونلاين |
بقلم: كاظم حامدالربيعي |
قد لا يعلم كثير من أبناء سوريا أن بعض المثقفين المؤيدين للثورة لا يعتبرون أفعال النظام السوري هي الجريمة الكبرى بحق الوطن والشعب، فتراكمات الأفكار القومية والثورية جعلت "الهوية السنية" والدفاع عن حقوق العرب السنة المهدد الأول لمستقبل الدولة والوحدة الوطنية والسلم الأهلي! من يحمل هذا الرؤية البائسة صنفان من الناس: 1-مجاهر بعدائه للسنة من أبناء الطوائف والأديان الأخرى، وعلماني متطرف. 2-سني يُخضع عقله للأفكار والآراء المعادية، فهو يردد ما يُملي عدوه عليه دون تأمل ونظر، فمهما بلغ من الثقافة والمنزلة العلمية فإنه ينزل بتفكيره هذا إلى منزلة المجنون أو المخمور الذي لا يدري ما يقول أو كالببغاء الذي يكرر ما يُلقى عليه. فالدفاع عن الحقوق والهوية الدينية ضرورة حياتية وحاجات أساسية لكل البشر، فحينما تُصبح الضرورات مشاكل وتحديات تهدد الكيان الاجتماعي والنظام السياسي فهذا يعني أننا نعيش في ظل جاهلية يطغى فيها القوي ويُسحق فيها الضعيف وتُمسخ العقول ليصبح الكائن الضعيف هو التحدي الأكبر للحكومات والمجتمعات وينبغي التخلص منه!. لم يترسخ هذا القول الخبيث في عقول الجماهير بفعل الضغط الاعلامي للشيعة وحده، وإنما ساهمت المرجعيات الإسلامية في الوصول الى هذه الحال المهينة، فصمتها المزعج وسلبيتها وتخليها عن واجبها في درء المطاعن والشبهات (الدينية والسياسية) عن السنة وأهلها جعل الطريق مفتوحاً ممهداً أمام العدو ليزين رأيه أمام الناس ويظهر بمظهر داعية السلام والتعايش والمحبة. لا ينبغي أن ننكر رغبة الطوائف والأقليات بالتعايش مع السنة، ولكنه تعايش تحت حراب الإذلال والإهانة، فالسني المفضل عندهم إما منافق يتبرأ من هويته وأبناء مذهبه ويجتهد في الدفاع عن الحقوق المزعومة للأقليات، أو مُغيّب في ظلمات الذل والقهر. وفق هذه القراءة فإن موقف الأقليات الدينية والمذهبية من الثورة السورية كان طبيعياً لا غرابة فيه لأن التمرد على القهر والتسلط –عندهم- يعني تمزيق النسيح الاجتماعي وتهديد السلم الأهلي والتعايش بين المذاهب والأديان! لا يخجل الشيعي أو الدرزي أو العلوي أو النصراني من المجاهرة بمظلوميته والمطالبة بحقوقه المزعومة لأن الجميع أصبح بمنأى عن الاتهام بالطائفية فهي تهمة حصرية بأهل السنة إذا طالبوا بحقوقهم، ولهذا نجد المسيحيين يفتعلون المخاوف حول مستقبل وجودهم في الشرق الأوسط. أما الشيعة فلا ينقطع حديثهم عن تآمر الأنظمة السنية ضدهم وخاصة النظام السعودي! أما العلويون فيصطعنون الهواجس ويثيرون الشكوك حول الثورة وبعضهم يطلب- وبكل وقاحة – ضمانات وتطمينات بشأن مستقبلهم، وبكل الأحوال ستبقى الثورة متهمة لأنها سنية! ولما كانت تهمة "الطائفية" ترتبط بالسُنة دون غيرهم، استعادت الأقليات أجواء الحروب الدينية وأخرجت أحقادها الباطنية واجتهد كل فريق منهم في الانقضاض على الجسد السني المريض ليأخذ منه ما استطاع وينهش منه بقدر قوته وطاقته. وفي ظلال الدعوة الى التعايش والتصالح والحوار بين الثقافات والمذاهب نشأت جيوش عقائدية للطوائف لتخوض حروبها المقدسة ضد محيطها السني بكل حرية لأنها ضمنت الحصانة من الاتهام بالطائفية! فالكتائب والقوات اللبنانية في لبنان، ومليشيات العلويين في سوريا (اجهزة الأمن والمخابرات وبعض فرق الجيش فضلا عن الشبيحة)، وجيش المهدي في العراق، الحوثيون في جبال صعدة اليمنية، المسلحون الدروز في جبال سوريا ولبنان، حزب الله وحركة أمل في لبنان ومليشيا العلويين في جبل محسن-طرابلس. أما السني فلا يمكنه حمل السلاح لأنه سيهدد الاستقرار في المنطقة وسيشعل حرباً أهلية! وقد ظهرت هذه التحذيرات حينما تصاعدت عمليات "الجيش الحر" ضد النظام الأسدي، فجرائم النظام العلوي منذ السبعينات لا تُصنف على أنها أعمال طائفية وحرب إبادة دينية لأن تهمة الطائفية لا تقترن بغير السني ولهذا أصبح دفاع السنة عن أنفسهم (عمليات الجيش الحر) هو الحريق الذي سيلتهم سوريا ويهدد مستقبل التعايش فيها! مشكلتنا ليست في عدونا، فليس من العقل أن ننتظر منه معاملة نبيلة وحرباً نظيفة وسياسة عادلة، وإنما الكارثة في بعض مكونات الجبهة السنية التي ترفض الاعتراف بهويتها الدينية، وتحارب كل من يدافع عن الحقوق السنية، وتنشط في الدفاع عن حقوق الأقليات ثم ترى أن الحكمة والصواب في الابتعاد عما يسمونه "التشنج الطائفي" و"الخطاب الديني" ونبش خلافات الماضي –والكلام موجه للسنة! فحال هؤلاء أشبه بمن يتجنب حمل السلاح في ساحة المعركة حتى لا يُتهم بالقتل ويلاحق في المحاكم! ومن يتبنى هذه الآراء "اللا معقولة" والمتحيزة لجانب الأقليات لا يمكن قبول عذره بجهله للواقع وقصوره عن مواكبته والتفاعل معه بإيجابية وعقلانية، لأن حروب الحقد وحملات الكراهية التي تشنها الأقليات ضد السنة قائمة في كل زمان ومكان، وما زلنا نكتوي بنارها وندفع من دمائنا وحقوقنا الشيء الكثير. ففي المحصلة هي دعوات مشبوهة في أهدافها ومقاصدها، مشوهة في منظرها وهيئتها الخارجية فلا يمكن وضعها في نطاق النصيحة المخلصة أو نداءات التهدئة العقلانية، وإنما هي من إيحاءات الشياطين المحترقة بحقدها على السنة. لقد فتكت هذه الأفكار بالعرب السنة في العراق أكثر مما فتك بهم المحتل الأميركي. فمنذ دخول الشيعة على ظهور الدبابات الغازية وهم يعلمون على ترسيخ تهمة الطائفية بالسنة وقد ساعدهم الأميركيون في ذلك فأصبح: 1-النظام البعثي وكل الانظمة السابقة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 هي أنظمة طائفية اضطهدت الشيعة والأكراد! 2-المقاومة العراقية ضد المحتل طائفية لأنها من أبناء المكون السني فقط. 3-السياسيون السنة -وبالرغم من محدودية مشاركتهم وانعدام تأثيرهم- طائفيون لأنهم يطالبون بحقوق أتباعهم (الافراج عن المعتقلين وايقاف المداهمات، إعادة التوازن الطائفي في الاجهزة الامنية والجيش، الالتزام بالدستور، محاربة فساد الأحزاب الحاكمة والشخصيات المتنفذة، نزع سلاح المليشيات الشيعية) وهذه مطالب طائفية ضد الشيعة! 4-المشاركة السنية في الانتخابات مشاركة ذات بعد طائفي بغية استعادة الحكم السابق! 5-طلب بعض المحافظات السنية التحول الى اقاليم مستقلة –وفق الدستور-طائفي لأنها ستصبح حاضنة لحزب البعث لينقض على الحكم الشيعي في بغداد! 6-السلاح السني يُنذر بحرب أهلية، أما سلاح المليشيات الشيعية فضروري لحماية المدنيين والمراقد من هجمات الارهابيين! لقد أصبحت تهمة "الطائفية والإرهاب" ملازمة للسني في العراق، ولم ينج من هذه التهمة نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال بتهمة التورط بأعمال ارهابية. من المرجح جداً أن يتكرر هذا السيناريو في سوريا، ومعالمه قد بدأت بالظهور في خطاب المعارضة في المجلس الوطني وغيره، لذا لابد للثورة أن تكون متيقظة لهذه الأصوات التي تخدم العدو (بعلم أو بجهل)، فالأقليات اليوم تتعامل بشراسة ضد أبناء السنة، أما بعد سقوط النظام فلن يبقى أمامهم سوى هذه الدعاوى المفضوحة (الوحدة الوطنية، نبذ الطائفية والتطرف، الحوار والمصالحة،التعايش، مراعاة التعددية والتنوع والمذهبي) وسينخرط بعض السنة في جبهتهم للانقلاب على منجزات الثورة وإخضاع السنة (من جديد) لتهمة الطائفية والإرهاب والتشدد. على جميع مؤيدي الثورة أن يعلموا أن هويتهم السنية في نظر (الشيعة والغرب) ستبقى تهمة، فليس من الحكمة الانشغال بتبديد المخاوف وطمأنة النفوس لصياغة صورة للسنة، وإنما الذي سيساهم في تبديد هذه الأوهام وإعادة فرض الحضور السني والهيبة للهوية الاسلامية هو مواصلة المطالبة بالحقوق حتى إقامة العدل المنشود وقتها فقط سيتوقف الإرهاب الإعلامي ضد السنة. |