لعبة الحل السياسي



هل يتوقّع عاقل أن يأتي الحل السياسي، أي شكل كان، بنصر للشعب السوري وثورته؟ ثورة سوريا حققّت إنجازها الأوّلي العظيم، وهو تحرير الإرادة وكسر الخوف والشجاعة؛ فكيف نتوقّع من ثورة الحرية والكرامة وشعبها وثائريها الذين أتتهم الجرأة في نضال حقهم بعض تنازل أو مساومة على الدم والحق؟ إنّ الحل السياسي وهم؛ فحتى في حال موافقة المعارضة والثورة على الحوار السياسي والمبادرة السياسية؛ فهل يتوقّع عاقل أنّ نظام الطغيان الأسدي الاستبدادي التعسّفي سيوافق حقّا على تنفيذ الحل السياسي وتبني خطة واقعيّة للتنحّي والديمقراطيّة؟ لا أفق للحل السياسي في هذه المرحلة. هذا الطرح السياسي السائد، وإنْ، دلّ؛ فإنما يدل على تضخّم العجز العالمي وفيض المراوغة والمكر في حسابات العالم، على هامش القتل اليومي للشعب السّوري الأعزل.

مازالت المواقف السّياسيّة العربيّة والعالمية ضبابيّة متقلّبة لا لون لها. الساسة متخبّطون ويريدون أن يجرّوا ثورة سوريا وشعبها إلى التخبّط معهم. المواقف العالمية حتى الآن تمنح النظام مزيداً من الوقت ومزيداً من التأجيل. ولعل انتظار المعارضة السورية الحل والخلاص من امريكا والغرب أصبح أمرا غير مقبول شعبيّاً في سوريا. ويدرك نظام سوريا الاستبدادي، موقف العالم منه، ويستغلّه؛ لكنّه يدرك أيضاً، هزيمته شعبيّا: سوريّاً وعربيّاً وعالميّاّ، ويعلم أنّه لن يفوز سياسيّاً في حال أي استحقاق انتخابي، فالدم السّوري الذي ذبحه وأباح سفكه، يحاصره بالقصاص، ليس على مستوى سوريا وفي طائفة معينة من سوريا، بل على مستوى الشعوب الشّريقة الكثيرة العربية وغير العربية، وعلى مستوى دولي وعالمي. ولذلك سيقاتل النظام معتمدا على حالة الفوضى السياسية العالمية، وعلى مقدراته العسكرية ،الثورة والثوار، بقوة ووحشيّة، وسيقاتل من أجل حماية وجوده، حفاظا محموما حتى آخر مجزرة. فالسلطة بنظره ستحميه من القصاص.

أثبت نظام بشار أستذته في العنصرية والتمييز وحرب التطهير، وبالتالي فكيف يمكن له يتنازل للآخرين سياسيا ووطنيّاً؟ وكيف يمكن لعشرات الآلاف من الشعب السوري الذين فقدوا عوائلهم وبيوتهم وأمانهم الصفح وقبول تداول السلطة مع هؤلاء بعد كل ماارتكبوه من جرائم؟ موقف النظام من الحل السياسي واضح. فعملية عنان فاشلة، منذ بدايتها، وقد بادرها النظام بمجزرة مروعة في حمص، ويقابلها كل يوم بمجازر اخرى. وهاهي المبادرة تراوغ سياسيا، وقد تآكلت فيها المبادرة العربية القديمة، نحو مبادرة روسية عالمية متخاذلة مراوغة لصالح النظام. ورغم كل التنازلات العالميّة للنظام|؛ فإن الحل السياسي الحقيقي مرفوض من طرف النظام وأتباع النظام؛ لأنّه ينهي شرعية استبداده.
العالم، مع تذبذب مواقفه وتخاذله، لا يستطيع أن يدعم طويلا بقاء الأسد، ولابدّ أن تتغيّر مواقفه ليواجه نظام الأسد الذي يوسع في دائرة الحرب على شعبه وغير شعبه. فالدول التي تريد تريد التسليح ستعمل على التسليح وتنفذه من أجل خلع النظام؛ فالسعوديّة في مأزق حقيقي أمام المشروع الإيراني، وهي مضطرة أن تحدّ من نفوذ إيران عبر الضغوط المتصاعدة على النظام السّوري، وموقفها من إيران موقف مصيري. ولذلك؛ فالسعودية قد تضع ثقلها الأكبر كدولة ذات تأثير إقليمي في دعم إزاحة نظام بشار وفي قص جناح مشروع إيران السياسي في المنطقة.

الشعب السوري وضع رأسه في مواجهة أصلب الجدران متانة؛ فلا يمكنه أن يتزحزح قيد أنملة عن موقعه إلى الوراء. لايمكن التراجع؛ فالخسائر فادحة والدّم طوفان. والشّعب عروقه ظمأى للحرية. قد تتوسّع المعركة، وقد تطول؛ لكن لن يتراجع الشعب، ولن يتراجع في المقابل النظام.، ولن يسمع أحد منه إلا صوت العنف وتصاعد المجازر. ولن يخرج كوفي عنان ولجنة المراقبة بحلول منطقية واقعية تقنع الثورة والشّعب. لكن، قد يتطوّر الموقف الدولي بفعل تصاعد الثورة وحراكها الجماهيري. إنّ العالم يضغط على الشعب السوري وثورته باسم التسليح والتدخل ويتجاهل الدعم الروسي والإيراني للنظام الذي يرتكب المجازر في الشعب السّوري. وقد تغيرت المبادرة في عنان من مبادرة عربية لمبادرة روسية.

المعارضة السّوريّة، الآن، أمام ما يحصل من مجازر في الشعب السوري، وأمام مواقف دول العالم المتضاربة في التعامل مع النظام السوري الذي صار تركة مرهقة للجميع تواجه سؤالا إشكاليا خطيرا: ماهي الرّؤية التي ستتبناها المعارضة والمجلس الوطني بشكل متكامل موّحد؟ هل هي متابعة اللهاث وراء الحل السياسي؟ إن كان ذلك؛ فما هي الرؤية الواقعية لتنفيذ مثل الرّؤية؟ أو هل هي تبني التسليح الجدّي للجيش الحر كمؤسسة عسكريّة وطنيّة ثوريّة؟ إن كان ذلك؛ فعلى المعارضة أن تتوحّد على لغة واحدة وأن تتوجّه نحو فكرة التسليح المضبوط المنظّم في رؤية سياسية.

وبما أنّ الحل السياسي لن يثمر؛ فإنّ عمليّة تسليح الجيش الحر أساسيّة وملحّة؛ فالجيش الحر لا يستطيع التصدي وحده لقوّة النظام المدعوم من إيران وروسيا والصين. الجنود الذين انشقّوا وينشقّون هم بضعة ألاف، وسلاحهم خفيف، يمكن أن يحمي التّظاهرات والمدنيين من هجوم الشّبيحة، ويحمي والنساء من الاختطاف والاغتصاب، ويحمي العوائل النازحة؛ لكنّه لايستطيع التصدي لقوات الجيش السوري ويمنع قصف المدن.

الأرجح هي الحرب المفتوحة، والصراع يتجّه نحو عنف أكبر، لكن هذه المرة ليس الشعب هو المتلقي للعنف بل النظام أيضا. المعركة تتجه نحو عنف أكبر واوسع بين الشعب المذبوح والنظام الإجرامي. ولذلك لابدّ من تسليح الجيش وفق هدف وطني هو إسقاط النظام؛ مما يفرض طبيعة خاصة لتسليح الجيش الحر من أسلحة مضادة للدروع، ثم أسلحة مضادة للطيران، وغير ذلك. السعودية قد تراهن على الجانب العسكري. والسعودية تأخذ الصراع من منظار الخطر الإيراني. ولأنّ المستقبل جزر من القوى؛ فإنّ السعودية، ربّما هي مضطرة أن تقود القوة في المنطقة ضد النفوذ الإيراني. الموضوع حياة ووجود بالنسبة للسّعودية.

وحدة المعارضة هي أكبر ردّ سياسي على العالم الذي يتهم المعارضة بالتقصير والتشرذم، ويستخدمها ذريعة لعزل الثورة السّوريّة. العالم يدعو لحل سياسي مع النظام، ولحوار بين النظام والمعارضة. اجتماع المعارضة مهم جدا، قبل مؤتمر أصدقاء سوريا في استانبول في أول شهر نيسان. ربما يسهم في إقناع تركيا بالعمل على إقامة مناطق عازلة داخل سوريا لحماية اللاجئين المدنيين. وربما تنجح المعارضة السياسية والعسكريّة في رصّ صفوفها والوقوف واحدة بقوى ضاغطة سياسية على قرارات دول العالم المتعلّقة بسوريا. وتصبح لاعبا أساسيا إيجابيا في دعم الثورة السورية ومخاطبة العالم.

بقلم : د. سماح هدايا