حقيقة المعركة في سوريا../ أحمد منصور
الوطن القطرية
تدخل الثورة السورية عامها الثاني بعد أيام حيث يقدم الشعب السوري المزيد من الدماء من أجل الحرية التي فقدها مع بداية سيطرة العسكر على السلطة منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ثم توجت بسيطرة العلويين ممثلين في حافظ الأسد بعد الانقلاب الذي قام به عام 1969 ثم أحكام السيطرة على سوريا بانقلاب آخر عام 1971، حيث بدأ في منح العلويين المنح الدراسية والوظائف الرئيسية في الدولة لاسيما في الأمن والجيش وأبقى السنة كديكور للمشهد السياسي في الدولة ما أدى إلى صدامات ومحاولات اغتيال كثيرة تعرض لها، وقد كان لأحداث حماة عام 1982 أثرها البالغ في بيان دموية النظام الذي استخدم الدبابات والطائرات لمواجهة الانتفاضة التي وقعت هناك، لكن الشعب الذي سلبت منه حريته وسرقت مقدراته قرر أن ينتفض مع ثورات الربيع العربي التي بدأت بتونس ثم مصر وليبيا وقرر السوريون في منتصف مارس من العام الماضي أن ينتفضوا ضد الظلم والطغيان.
التقارير الواردة عبر المراسلين الصحفيين الذين يخاطرون بأنفسهم ويدخلون إلى سوريا وكذلك تقارير المراسلين السوريين الذين استطاعوا عبر التكنولوجيا الحديثة أن يبثوا للعالم ما يحدث في بلادهم إلى الفضائيات تشير إلى أن النظام الذي يمارس القتل بعشوائية وهمجية قد السيطرة على كثير من المدن والقرى، وكتب مراسل بي بي سي من الزبداني المحررة التي لا تبعد عن القصر الرئاسي في دمشق سوى مسافة قليلة أما الغوطة كلها فمحررة والجيش يدخل إليها وينسحب منها تحت ضغط المقاومة، فالثورة التي بدأت بالحناجر والهتافات تطورت لتشمل عناصر المنشقين من الجيش وهم قليل مقارنة بقوة الجيش لكن أعدادهم تزداد يوماً بعد يوم.
سعيت لفهم المشهد الداخلي في سوريا من خلال بعض المطلعين عليه فكان خلاصة ما وثقته من معلومات هو أن المعركة في سوريا ليست معركة النظام مع الشعب فالنظام بالنسبة لكثيرين قد انتهي لكن المعركة لها شقين عسكري على الأرض وسياسي في المحافل الدولية أما العسكري فإن أطرافاً إقليمية تدعم النظام السوري تقوم به بشكل مباشر هي إيران وحزب الله حسب التصريحات التي أدلى بها العميد حسام عواك قائد عمليات الجيش السوري الحر لصحيفة الشرق الأوسط يوم الخميس الماضي الأول من مارس حيث أكد على وجود لواء مدرعات إيراني على الأراضي السورية وأن حزب الله موجود من خلال كتائب 101 و102 و103 وهي كتائب مدربة على حرب الشوارع والاغتيالات وقالت مصادر أخرى أن هناك ما يزيد على ثلاثين ألفاً من الحرس الثوري الإيراني في سوريا هم الذين يحمون النظام لأن سقوط النظام بالنسبة لهؤلاء يعني انتهاء نفوذهم في العراق وكذلك إضعاف وجودهم في لبنان، وقد أكد عواك في حواره على إلقاء القبض على ضباط من الحرس الثوري وخبراء إيرانيين أكثر من مرة خلال معاركهم مع الجيش السوري الحر.
وخوفاً من اغتيال الرئيس السوري حتى من العلويين الذين يحرسونه وكذلك شقيقه ماهر فإن قوات الحرس الثوري حسب هذه المصادر هي التي تقوم بحماية الأخوين الأسد لأن اغتيال أي منهما يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام، من ثم فإن هذه المعركة ليست معركة النظام بقدر ما هي معركة هذه القوى الإقليمية التي تعتبر النظام في سوريا هو عمقها الاستراتيجي للحفاظ على مشروعها الكبير في المنطقة، أما بالنسبة للمعركة الديبلوماسية التي تقودها روسيا في المحافل الدولية فإن سوريا هي آخر معقل لروسيا في المنطقة بعدما تحولت كلها إلى النفوذ الأمريكي وهناك رادار روسي كبير يغطي المنطقة كلها موجود بالقرب من دمشق علاوة على النفوذ في المتوسط عبر ميناء طرطوس وهي الوجود الروسي الوحيد في المتوسط، ونهاية النظام تعني انتهاء الوجود الروسي العسكري في سوريا من هنا فإن روسيا تقف ضد أي قرار يمكن أن يؤدي إلى نهاية النظام أو زواله.
لكن هذه الحماية العسكرية والسياسية للنظام السوري لا تعني أن النظام لن يزول وإنما يعني أن المعركة سوف تطول لأنها ليست ضد النظام السوري وحده وإنما بالدرجة الأولى ضد الأنظمة التي تحميه والمستفيدة من بقائه، لقد تحولت دمشق ومعظم المدن السورية إلى مدن أشباح، والنظام يعتبر المعركة بالنسبة إليه معركة حياة أو موت والمراقبون يقولون بأن اغتيال أي من الأخوين الأسد بشار أو ماهر يمكن أن يغير كافة المعادلات على الأرض، وسوريا في رأي البعض أصبحت محتلة بأكثر من ثلاثين ألفاً من القوات التي تدعم النظام من الخارج، ستطول معركة سوريا لكنها لا تعني أن النظام سوف يبقي لأنه على مدار التاريخ لم يستطع نظام ثار عليه شعبه أن يبقى، لكن سيكون هناك المزيد من الدماء والأشلاء و الآلام، سيكون ثمن الحرية في سوريا باهظاً دون شك لكن الحرية قادمة لا محالة رغم أن المعركة سوف تطول.