السادة أعضاء المجلس الوطني لستم الوحيدين ولستم الأفضل
مجاهد مأمون ديرانية
6-3-2012
شاع في السنوات الأخيرة تعبيرٌ ممجوج يقول: “لسنا الوحيدين ولكننا الأفضل”؛ ما تركوا خدمة من الخدمات ولا تجارة من التجارات إلا ألصقوه بها، وفي رواية أخرى أقلقت عظام سيبويه في قبره: “لسنا الوحيدون ولكننا الأفضل”، وما أدري كيف يكون الأفضل مَن لا يقيم لسانَه ولا يعرف موقع خبر ليس من الإعراب!
هذا التعبير مرّ بخاطري وأنا أفكر بمجلسنا الوطني الموقر وعثراته الكثيرات التي أتعبت المُقيلين حتى لم يعد لها مُقيل، وفكرت فقلت لنفسي: لو أنني قلته لهم، ولو أنني أخرجت مكنون صدري وتحدثت عن المجلس بما ينبغي أن أتحدث، لَهَبّ في وجهي قومٌ من أهل الحماسة والوطنية المفرطة قائلين: الثورة تحتاج إلى المجلس الوطني وهو ضرورة من ضروراتها، فلا يجوز لمخلص أن يُضْعف من قيمته في أعين الناس، ولا سيما جماعة “المجتمع الدولي” الذين ما نزال نرجو منهم الخير… يا طولَ الأمل ويا بُعْدَ الرجاء!
لا تبيعوني بضاعتي يا أيها السادة، فهذا ما سوّقته أنا نفسي في مقالات كثيرة، وإني لأقرّ -غيرَ منكِر- أن الثورة بحاجة إلى المجلس الوطني، تماماً كما أقر بحاجة سوريا إلى رئيس. لكني لا أجد ما يُلزمني بالموافقة على بشار ليكون هو الرئيس، وكذلك لا أجد ما يلزمني بالموافقة على فلانة وفلان وعلان ليكونوا أعضاء في المجلس الوطني. هل فهمتم الحكاية؟ إذن دعوني أكمل المقالة.
* * *
إن سوريا تدخل اليوم عصراً جديداً تريد أن تتخلص فيه من إرث الماضي الكئيب، وإن من ذلك الإرث أن يعلوَ الكبيرُ على المساءلة وأن تمر الكوارث بالأمّة بلا حساب. في العالم المتقدم (الذي نرجو أن نكون جزءاً منه منذ اليوم) يستقيل وزيرٌ إذا تصادم قطاران، أما في العالم المتخلف (الذي نرجو أن نفارقه إلى الأبد) فإنهم يشنقون جثة سائق القطار! في العالم المتقدم تستقيل الوزارة كلها إذا أخفقت في معالجة مشكلة من مشكلات الأمة الكِبار، فدعونا نتظاهر -ولو قليلاً- بأننا صرنا متقدمين، ولنسأل عما صنعه المجلس الموقر بمشكلة سوريا الكبرى خلال الشهور الماضيات.
لا أقول إنكم لم تصنعوا شيئاً؛ إني إذن لظالم، لكن الذي لا تصنعون -مما ينبغي أن تصنعوا- أقل مما تصنعون، فإنْ كان ذلك من ضعف فاتركوا المكان لمن هو أقوى منكم، وإن كان من قلة دأب في العمل وصبر عليه فإن في الناس من هو أدأب وأصبر. تذكّروا أنكم لستم الوحيدين الذين يمكن أن يكونوا أعضاء في المجلس، وتذكروا أنكم لستم الأفضل من بين الناس.
ثم إننا نتابع تقاريركم الأخبارية التي تصف ما تصنعون، وقد لاحظنا أن ما صدر عنكم من بيانات لتبرير زلاّت وخطيئات بعض الأعضاء يكاد يزيد طولاً وعرضاً على ما أصدرتموه عن حي بابا عمرو في محنته التي استمرت شهراً، كل يوم من أيامه طولُها دهرٌ على الساكنين فيه والساكنات، وما تزال المحنة مستمرة إلى هذه الساعة. بل دعوني أنبئكم بما يطرد عن عينيّ النوم في كل ليلة: إني كنت أشتهي -لو جاز هذا التعبير- أن يستمر قصف الحيّ شهراً آخر ولا يكون ما يكون فيه في هذه الأيام الخمس الأخيرات، مما علمنا منه الأقل وما سنعلم عنه الكثير في الآتي من الأيام.
إن المحنة ما تزال في بابا عمرو كما هي أو أشد، فماذا تصنعون لوقف المحنة؟ بالله عليكم خبّرونا. هل تتصلون بالحكومات الأجنبية والهيئات الدولية والمؤسسات الإغاثية كل يوم عشر مرات؟ هل تشترون لمجاهدي حمص سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم وأعراضهم وترسلونه تهريباً من تركيا أو لبنان؟ هل ترسلون الأدوية والأجهزة والمعدات الطبية التي يحتاجون إليها هناك حاجتَهم إلى الماء والغذاء؟ أرجوكم أخبرونا ببعض ما تصنعون، لعلنا ندعو لكم ونبذل لكم الشّكران ونُظهر العرفان.
* * *
أيها السادة: ألا ترون أنكم لم تقدموا إلى الثورة شيئاً يُذكر إلى اليوم؟ لا أستغرب، فإني ما سمعت منكم مَن تستضيفه قناةٌ أو يظهر على فضائية فيبدأ باسم الله؛ تتحامَون ذكر الله والبدء باسمه كما يتحامى الصحيحُ المسلولَ خوفَ العدوى! لا جَرَم -إذن- أن عملكم أبْتَر، وسيظل أبترَ منقطعاً لا يَتِمّ ما دمتم تسلكون هذا المسلك المعوَجّ! قد تقولون (أو يقول كثيرون): ما له يهتمّ بهذه المظاهر والشكليات؟ وجوابي: إذا لم يكن حرصكم على هذه الشكليات إلا مجاملةً لإخوانكم الثائرين فكفى به من سبب. إن كنتم تمثلون ثورة سوريا فإن الثوار خرجوا إلى ثورتهم باسم الله وعلى بركة الله، فإما أن تُحسنوا التمثيل أو يَجدوا البديل!
السادة أعضاء المجلس الوطني: ما كانت سوريا عقيماً في أي يوم مضى من تاريخها الطويل ولا هي اليوم عقيم، وإن بلاداً أنجبت عباقرة الرجال على مرّ الزمان يمكنها أن تنجب آلافاً ومئات آلاف يصلح كل منهم عضواً في مجلس وطني، فأحسنوا السيرة وأحسنوا قيادة المسيرة، أو أفسحوا لغيركم الطريق.
مجاهد مأمون ديرانية
6-3-2012
شاع في السنوات الأخيرة تعبيرٌ ممجوج يقول: “لسنا الوحيدين ولكننا الأفضل”؛ ما تركوا خدمة من الخدمات ولا تجارة من التجارات إلا ألصقوه بها، وفي رواية أخرى أقلقت عظام سيبويه في قبره: “لسنا الوحيدون ولكننا الأفضل”، وما أدري كيف يكون الأفضل مَن لا يقيم لسانَه ولا يعرف موقع خبر ليس من الإعراب!
هذا التعبير مرّ بخاطري وأنا أفكر بمجلسنا الوطني الموقر وعثراته الكثيرات التي أتعبت المُقيلين حتى لم يعد لها مُقيل، وفكرت فقلت لنفسي: لو أنني قلته لهم، ولو أنني أخرجت مكنون صدري وتحدثت عن المجلس بما ينبغي أن أتحدث، لَهَبّ في وجهي قومٌ من أهل الحماسة والوطنية المفرطة قائلين: الثورة تحتاج إلى المجلس الوطني وهو ضرورة من ضروراتها، فلا يجوز لمخلص أن يُضْعف من قيمته في أعين الناس، ولا سيما جماعة “المجتمع الدولي” الذين ما نزال نرجو منهم الخير… يا طولَ الأمل ويا بُعْدَ الرجاء!
لا تبيعوني بضاعتي يا أيها السادة، فهذا ما سوّقته أنا نفسي في مقالات كثيرة، وإني لأقرّ -غيرَ منكِر- أن الثورة بحاجة إلى المجلس الوطني، تماماً كما أقر بحاجة سوريا إلى رئيس. لكني لا أجد ما يُلزمني بالموافقة على بشار ليكون هو الرئيس، وكذلك لا أجد ما يلزمني بالموافقة على فلانة وفلان وعلان ليكونوا أعضاء في المجلس الوطني. هل فهمتم الحكاية؟ إذن دعوني أكمل المقالة.
* * *
إن سوريا تدخل اليوم عصراً جديداً تريد أن تتخلص فيه من إرث الماضي الكئيب، وإن من ذلك الإرث أن يعلوَ الكبيرُ على المساءلة وأن تمر الكوارث بالأمّة بلا حساب. في العالم المتقدم (الذي نرجو أن نكون جزءاً منه منذ اليوم) يستقيل وزيرٌ إذا تصادم قطاران، أما في العالم المتخلف (الذي نرجو أن نفارقه إلى الأبد) فإنهم يشنقون جثة سائق القطار! في العالم المتقدم تستقيل الوزارة كلها إذا أخفقت في معالجة مشكلة من مشكلات الأمة الكِبار، فدعونا نتظاهر -ولو قليلاً- بأننا صرنا متقدمين، ولنسأل عما صنعه المجلس الموقر بمشكلة سوريا الكبرى خلال الشهور الماضيات.
لا أقول إنكم لم تصنعوا شيئاً؛ إني إذن لظالم، لكن الذي لا تصنعون -مما ينبغي أن تصنعوا- أقل مما تصنعون، فإنْ كان ذلك من ضعف فاتركوا المكان لمن هو أقوى منكم، وإن كان من قلة دأب في العمل وصبر عليه فإن في الناس من هو أدأب وأصبر. تذكّروا أنكم لستم الوحيدين الذين يمكن أن يكونوا أعضاء في المجلس، وتذكروا أنكم لستم الأفضل من بين الناس.
ثم إننا نتابع تقاريركم الأخبارية التي تصف ما تصنعون، وقد لاحظنا أن ما صدر عنكم من بيانات لتبرير زلاّت وخطيئات بعض الأعضاء يكاد يزيد طولاً وعرضاً على ما أصدرتموه عن حي بابا عمرو في محنته التي استمرت شهراً، كل يوم من أيامه طولُها دهرٌ على الساكنين فيه والساكنات، وما تزال المحنة مستمرة إلى هذه الساعة. بل دعوني أنبئكم بما يطرد عن عينيّ النوم في كل ليلة: إني كنت أشتهي -لو جاز هذا التعبير- أن يستمر قصف الحيّ شهراً آخر ولا يكون ما يكون فيه في هذه الأيام الخمس الأخيرات، مما علمنا منه الأقل وما سنعلم عنه الكثير في الآتي من الأيام.
إن المحنة ما تزال في بابا عمرو كما هي أو أشد، فماذا تصنعون لوقف المحنة؟ بالله عليكم خبّرونا. هل تتصلون بالحكومات الأجنبية والهيئات الدولية والمؤسسات الإغاثية كل يوم عشر مرات؟ هل تشترون لمجاهدي حمص سلاحاً يدافعون به عن أنفسهم وأعراضهم وترسلونه تهريباً من تركيا أو لبنان؟ هل ترسلون الأدوية والأجهزة والمعدات الطبية التي يحتاجون إليها هناك حاجتَهم إلى الماء والغذاء؟ أرجوكم أخبرونا ببعض ما تصنعون، لعلنا ندعو لكم ونبذل لكم الشّكران ونُظهر العرفان.
* * *
أيها السادة: ألا ترون أنكم لم تقدموا إلى الثورة شيئاً يُذكر إلى اليوم؟ لا أستغرب، فإني ما سمعت منكم مَن تستضيفه قناةٌ أو يظهر على فضائية فيبدأ باسم الله؛ تتحامَون ذكر الله والبدء باسمه كما يتحامى الصحيحُ المسلولَ خوفَ العدوى! لا جَرَم -إذن- أن عملكم أبْتَر، وسيظل أبترَ منقطعاً لا يَتِمّ ما دمتم تسلكون هذا المسلك المعوَجّ! قد تقولون (أو يقول كثيرون): ما له يهتمّ بهذه المظاهر والشكليات؟ وجوابي: إذا لم يكن حرصكم على هذه الشكليات إلا مجاملةً لإخوانكم الثائرين فكفى به من سبب. إن كنتم تمثلون ثورة سوريا فإن الثوار خرجوا إلى ثورتهم باسم الله وعلى بركة الله، فإما أن تُحسنوا التمثيل أو يَجدوا البديل!
السادة أعضاء المجلس الوطني: ما كانت سوريا عقيماً في أي يوم مضى من تاريخها الطويل ولا هي اليوم عقيم، وإن بلاداً أنجبت عباقرة الرجال على مرّ الزمان يمكنها أن تنجب آلافاً ومئات آلاف يصلح كل منهم عضواً في مجلس وطني، فأحسنوا السيرة وأحسنوا قيادة المسيرة، أو أفسحوا لغيركم الطريق.