مخاطر تهويد القدس على أجندة مؤتمر الدوحة


انعقد المؤتمر الدولي للدفاع عن مدينة القدس في الدوحة في وقت تتسارع فيه الخطوات التهويدية للمدينة، حيث تسعى حكومة نتنياهو إلى الإطباق على المدينة بعد تغيير معالمها العربية الإسلامية والمسيحية على حد سواء، فبعد قطع شوط كبير من بناء الجدار العازل حول القدس تبنت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا عدة قرارات، وفي المقدمة منها قرار للشروع بتطبيق قانون أملاك الغائبين ليشمل الممتلكات المحجوزة من قبل المؤسسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة.

"
الإصرار الإسرائيلي على تطبيق قانون الغائب في مدينة القدس يندرج في سياق مخططات حكومة نتنياهو للإطباق على المدينة وتهويد كل مناحي الحياة وصولا إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي
"
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه قد استصدر قانون أملاك الغائب في العام 1950، وكان محاولة لإضفاء الصفة القانونية على سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية تدريجيا، حيث يمنح "القانون" الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب "الحق" في الاستيلاء والإدارة والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرفون "كغائبين".

ويمكن القول إن الإصرار الإسرائيلي على تطبيق قانون الغائب في مدينة القدس يندرج في سياق مخططات حكومة نتنياهو للإطباق على المدينة وتهويد كل مناحي الحياة وصولا إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح التواجد اليهودي في المدينة.
ويمكن القول أيضا بأن تطبيق قانون أملاك الغائبين وغيره من القوانين الإسرائيلية الجائرة قد أدى إلى سيطرة إسرائيل على القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين الذين هجروا إلى خارج فلسطين إثر نكبة عام 1948، وكذلك الغائبون الحاضرون، وهم اللاجئون المحليون الذين يقيمون داخل الحط الأخضر في قرى ومدن غير قراهم ومدنهم الأصلية، حيث يمنح القانون المذكور الوصي الإسرائيلي على أملاك الغائب "الحق" في الاستيلاء والإدارة والسيطرة على الأرض التي يملكها أشخاص يعرفون "غائبين".

و"الغائب" حسب دراسات مختلفة هو أي فلسطيني هجر إلى خارج فلسطين في الفترة من 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 إلى 18 مايو/أيار 1948 عن تلك الأقسام من فلسطين التي أقيمت عليها إسرائيل. وتم في آخر الأمر تحويل الأراضي الفلسطينية التي استولي عليها وفقا لهذا القانون بعد العام 1948 من الوصي إلى سلطة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق الوطني اليهودي واستخدمت لتوطين اليهود فقط.

بعبارة أخرى، أضفى القانون "الصفة القانونية" على مصادرة الممتلكات الفلسطينية وحول تلك الأرض لاستخدام اليهود فقط، ولم يدفع أي تعويض للمالكين الفلسطينيين الأصليين. ويعد تطبيق إسرائيل للقانون المذكور على القدس الشرقية المحتلة مدخلا لها بالإعلان عن أي ممتلكات فلسطينية في القدس الشرقية يقطن أصحابها في الضفة الغربية، أو قطاع غزة، أو أي بلد عربي بأنها "متروكة"، وبذلك فتح الطريق أمام مصادرتها وتطويرها للاستخدام الإسرائيلي فقط دون دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين. والهدف من البدء في تطبيق القرار جعل العرب المقدسيين أقلية في القدس لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكان المدينة في العام 2020.

"
قانون أملاك الغائبين أضفى "الصفة القانونية" على مصادرة الممتلكات الفلسطينية وحول تلك الأرض لاستخدام اليهود فقط، ولم يدفع أي تعويض للمالكين الفلسطينيين الأصليين
" وبالنسبة لمخاطر تطبيق قانون الغائبين على مدينة القدس وغيره من القوانين فإن المؤسسات الإسرائيلية بات بمقدورها تنفيذ أي قانون لمصادرة الأرض الواقعة إلى الغرب من الجدار وعدم دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين. ولا تعرف مساحة الأراضي التي ستتأثر بتطبيق قانون أملاك الغائب، لأن الحكومة الإسرائيلية استولت على سجلات كل الأراضي الفلسطينية المستأجرة في القدس بعدما أغلق بيت الشرق في أغسطس/آب 2001.

لكن توجد المعلومات التالية عن استخدام الأراضي في القدس الشرقية، صودر 43.5% من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية واستخدمت لبناء المستعمرات الإسرائيلية فقط، كما أعلن عن 41% من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية "منطقة خضراء"، وهي بذلك تخضع لقيود بناء مشددة وضعتها الحكومة الإسرائيلية فضلا عن ذلك يسمح للفلسطينيين باستخدام 12.1% فقط من مساحة القدس الشرقية، 50% منها، أي 6% من مجموع مساحة القدس الشرقية هي أملاك "غائب"، وبذلك من الممكن مصادرتها وفقا للقانون الجديد.
وتقوم إسرائيل باستخدام 3.4% من مساحة القدس الشرقية للمرافق العسكرية الإسرائيلية والطرق وغير ذلك من البنى التحتية الإسرائيلية، وفيما يتعلق بأراضي "المنطقة الخضراء"، تتلاعب الحكومة الإسرائيلية بقانون عثماني قديم ينص على أن الأراضي التي لا تتم فلاحتها لمدة ثلاث سنوات يمكن مصادرتها من قبل الدولة وإعلانها "أراضي دولة".

وفي ظل وجود القيود الإسرائيلية الحالية على الحركة الفلسطينية والاستمرار في بناء الجدار، بات المزارعون الفلسطينيون يواجهون صعوبات جمة في الوصول إلى أراضيهم، ونتيجة لذلك تواجه كل أراضي هذه "المنطقة الخضراء" خطر المصادرة، وليس فقط المساحة التي يملكها أصحاب الأراضي "الغائبون".

واللافت أن قوانين إسرائيلية عديدة صدرت في السنتين الأخيرتين تعزز ترسيخ فكرة يهودية الدولة خاصة في مدينة القدس.

"
ما تتعرض له مدينة القدس من تهويد مبرمج يتطلب جهدا عربيا استثنائيا لدعم قضية القدس ودعم أهلها على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والحضارية
" إن ما تتعرض له مدينة القدس من تهويد مبرمج يتطلب جهدا عربيا استثنائيا لدعم قضية القدس ودعم أهلها على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والحضارية، وقد يعزز المؤتمر الدولي الذي انعقد في الدوحة للدفاع عن القدس من إمكانية تجميع الجهود لمواجهة مخاطر تهويد مدينة القدس. حيث خصصت أمانة المؤتمر -الذي ينعقد برعاية الجامعة العربية- عدة لجان لإجراء المناقشات، منها لجنة القدس والقانون الدولي، ولجنة القدس والتاريخ، ولجنة القدس والانتهاكات الإسرائيلية، ولجنة دور منظمات المجتمع المدني في الدفاع عن القدس وحمايتها.

وقد يكون من أهم أهداف المؤتمر دعوة أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في كلمة الافتتاح التوجه إلى مجلس الأمن، عبر إصدار توصية من المشاركين بالتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار بتشكيل لجنة تحقيق دولية للتحقيق في الإجراءات التي قامت بها إسرائيل بالقدس منذ العام 1967 لطمس معالمها الإسلامية والعربية.
ومن شأن توصيات المؤتمر أن تؤسس لإعطاء بعد قانوني دولي لقضية القدس، خاصة أن قرارات دولية كثيرة أكدت على بطلان الأعمال التهويدية في مدينة القدس، ولا بد من التأكيد على تطبيقها بغية وضع حد لسياسات إسرائيل الرامية إلى تهويد كل مناحي الحياة في القدس مع حلول العام 2020 .